سكرتير اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا
وتعني بمختصر القول توزيع صلاحيات سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية بين المركز والأقاليم على نحو يمكن كل إقليم من أقاليم الدولة من إدارة شؤونه التشريعية والقضائية والتنفيذية بنفسه وفق الآليات التي يقرها ويحددها الدستور الإتحادي للدولة ولسنا هنا في معرض تبيان ميزات الدولة الاتحادية لأن التجارب العالمية الكثيرة الحية تعفينا عن مثل هذا الاستعراض فقد ثبت على مر التاريخ بان الدولة الاتحادية أو المركبة هي الأكثر قدرة على ان تحقق التوزيع العادل للسلطة والثروة وأكثرها قابلية لتحقيق الاستقرار والتنميةً فضلا عن أنها تشكل مدخلاً لحل مشكلة القوميات والجماعات المتمايزة ثقافيا في إطار الدولة الوطنية حفاظا على وحدتها حيث يقول استاذ القانون زين العابدين بركات بان “النظام اللامركزي يخفف على السلطة المركزية الأعباء المتعلقة بالمناطق البعيدة أو المحلية أو المتمايزة قوميا أو ثقافيا وبالتالي يساهم في بناء التوازن السياسي بين المركز السياسي والإداري وبين الأقاليم أو الأطراف ويؤدي إلى قيام الهيئات السياسية ” هيئات الحكم الذاتي – أو الدويلات في النظم الفيدرالية وهذا ما يتوافق مع الروح المعاصرة والاتجاهات الدستورية والسياسية في الألفية الجديدة المتزامنة مع انتشار الفكر الديمقراطي الحر في العالم بما يؤدي إلى جعل الإنسان محورا يقوم عليه بناء النظم السياسية الحرة تأكيدا لأنسنة المفاهيم السياسية والدستورية للدول المعاصرة” ص 85 مبادئ القانون الإداري ”
ولكن السؤال المشروع الذي ينبغي ان يطرح هو لماذا اللامركزية السياسية في سوريا..؟؟ هذا هو السؤال الأهم الذي ينبغي ان يتركز حوله النقاش .
كمواطنين سوريين لنا كامل الحق أن يكون لنا رأي في طبيعة وهوية الدولة السورية المستقبلية ولا يحق ولا يجوز لأحد مصادرة هذا الحق او انتزاعه منا كائنا من يكون مثلما ليس لنا الحق ان نفرض رأينا على الآخرين وعليه فأن سوريا المستقبل يجب ان تبنى بناء على إرادة توافقية لجميع السوريين ومن هنا جاء طرحنا لمشروع اللامركزية السياسية في المؤتمر الوطني الكردي وذلك بناء على وعي وقناعة بان النظام الديمقراطي الذي نطمح اليه لن يكون ممكنا في ظل الدولة المركزية مهما تمادت في تعريف نفسها بالديمقراطية , وقد ثبت عبر التاريخ السوري عدم ملاءمتها للواقع الموضوعي حيث شكلت نموذج الدولة المركزية دائما حاضنة و بيئة خصبة للانقلابات العسكرية والدكتاتوريات التي استحوذت خلالها مكونات بعينها على السلطة والثروة وأقصت المكونات الوطنية الأخرى.
الأمر الذي خلف جروحا عميقة في الهويات الوطنية القومية والطائفية والثقافية والدينية بل خلقت حالة اغتراب شديدة في ظل التغيب القسري لها لحساب هوية قومية أوثقافية دون غيرها فرضت بقوة القمع والإكراه وبالتالي لا يمكن مداواة هذه الجروح إلا بدولة ديمقراطية تعددية تتيح لهذه الهويات إلتعبير عن نفسها كهويات وطنية أصيلة وعلى نحو حرً , وهذا لا يمكن تحقيقه إلا في ظل دولة لامركزية اتحادية.
وينبغي ان لا يعتقد أحد بأننا عندما نطرح هذا الرأي ننطلق من حالة متخيلة أو افتراضية بل نعتمد على أساس تاريخي فإذا عدنا لتاريخ الدولة السورية الناشئة في مرحلة الانتداب الفرنسي نجد ان الدولة السورية قبل أن تصبح دولة مركزية بسيطة تحاكي نموذج الدولة المستعمرة , تدرجت في تشكلها بدولة اتحادية عام 1920 سميت” اتحاد دول سوريا ” وكانت تتكون من خمسة دويلات وكانت هذه الدويلات في بادئ الأمر مستقلة تماما ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة.
ومن ثم بعد ذلك الى إتحاد ثلاثي تحت مسمي ” الإتحاد السوري ” مكون من ثلاثة دوليات استمرت حتى عام 1930 لتتوحد هذه الدويلات في دولة مركزية واحدة.
حق تقرير المصير للشعب الكردي في إطار وحدة البلاد : يأخذ علينا البعض على طرحنا لحق تقرير المصير لحل القضية القومية للشعب الكردي في نقطتين, إحداها تزعم أن هذا الحق فضفاض وغامض يحتاج الى تفسير وهذا ما يتم تداوله لدى جانب من الوسط السياسي الكردي الذي يبدو غير مقتنع أصلاً بهذا الطرح ويسعى لتسفيهه, رغم أن الطرح مفسر بدلالة اللامركزية السياسية, ويعني بأن يكون الإقليم الكردي أو الإقليم ذات الأغلبية الكردية أو كردستان سوريا , أي يكن التعبير , جزءاً من الحالة أو الدولة الاتحادية في سوريا يتمتع فيها الشعب الكردي في إدارة شؤون مناطقه (التشريعية والتنفيذية والقضائية) بنفسه.
أما النقطة الآخرى يقول فيه أصحابه بأن حق تقرير المصير جاء مشوهاً لأنه لا يجوز تقييده من خلال عبارة” في إطار وحدة البلاد” على حد زعمهم, وهؤلاء بذلك انما يتجاهلون التطور التاريخي الذي طرأ على مبادئ القانون الدولي بما فيها مبدأ حق تقرير المصير من خلال التطبيقات العملية له والذي جرى تكييفه بما لا يتعارض مع مبدأ السيادة ووحدة التراب الوطني التي اكد عليها القانون الدولي وخصوصاً مواثيق الأمم المتحدة وذلك لتجنب حالة الفوضى وعدم الاستقرار الدولي.
حيث يجري اليوم قانونيا تقسيم حق تقرير المصير إلى داخلي وخارجي.
فحق تقرير المصير الخارجي يعني حق الشعوب الخاضعة للاستعمار الأجنبي تقرير مصيرها والذي قد يأخذ شكل الاستقلال التام ، أما الداخلي فهو حق القوميات والجماعات المتمايزة ثقافيا داخل البلد الواحد تقرير مصيرها في نطاق الدولة فحق تقرير المصير الداخلي لا يتضمن حق الانفصال عن إقليم الدولة ، لأن الانفصال يتعارض مع مبدأ أساسي في القانون الدولي وهو الوحدة الترابية والسيادة كما قلنا وخصوصا في ظل حالة التعايش المشترك بين جماعات دينية أو أثنية وقومية مختلفة في غالبية دول العالم..
ولذلك المؤتمر الوطني الكردي حينما ربط حق تقرير المصير بعبارة في إطار وحدة البلاد قصد بذلك حق تقرير المصير الداخلي الذي لا يتضمن الانفصال .
بينما في الجانب الآخر تبدي المعارضة مخاوفها من طرحنا لهذا المبدأ (مبدأ حق تقرير المصير) رغم تقييد المؤتمر له بعبارة في إطار وحدة البلاد ” وذلك بدعوى بأن المبدأ يمكن التوسع في تفسيره ليشمل حتى حق الانفصال , طبعاً هذا تخوف كاذب يراد به وضعنا في حالة ترهيب إزاء مطالبتنا بحقوقنا وهو الأمر ذاته الذي عمل عليه النظام لأكثر من أربعة عقود حيث كان يربط أي تحرك كردي لدفع الظلم عن نفسه بالنزوع نحو الانفصال وهو مؤشر على عدم جدية المعارضة في تفهم وتناول القضية الكردية ومؤشر على نزوع عنصري يحاول أن يبقي على سياسة الأمر الواقع الذي فرضها النظام وسياساته العنصرية.
فبعد عقود طويلة من سياسة التغيب والإنكار والإضطهاد بكل أشكاله ليس مطلوب منا أن نبدد مخاوف المعارضة وكنا ضحايا للتمييز والإستبداد القومي وبإسم القومية التي تنتمي اليها هذه المعارضة, بل على هذه المعارضة أن تبدد مخاوفنا نحن وإظهار مصداقيتها بالتأكيد على عدم تجدد دورة التسلط والإنكار والإضهطاد القومي والاعتراف لنا صراحة بهذا الحق إذا كانت جادة في سعيها لبناء دولة ديمقراطية تعددية حقيقية يتمتع فيها الجميع في بالحرية والكرامة.