كفاح محمود كريم
من تجارة الرقيق إلى تجارة الأوطان
منذ الصغر تعلمنا بأن عراقنا محطة للقوافل والتجارة بين الشرق والغرب، وان موقعه ممر لتجار البضائع بأشكالها وأنواعها، حلالها وحرامها كما يشتهي أعمدة القوم في حينها وأحوالها.
علمونا في كتب التاريخ منذ تعلمنا القراءة والكتابة نحن وآباؤنا وحتى أجداد أجدادنا، بأننا أحفاد رجال حرب وتجارة وجواري، وغزاةٌ من قبيلة إلى قبيلة ومن قرية إلى قرية، نستبيح الحرائر والأطفال، ونقتل الشيوخ والرجال، ثم نحيل الحرائر إلى سبايا وجواري ورقيق، فنتاجر بهم في أسواق النخاسة، حتى ملك كبارنا أمراء كانوا أم ملوك، المئات وربما الآلاف من حرائر أقوام وقبائل جواريا وأحالوا أطفال الأحرار منهم عبيدا وغلمان.
علمونا بأن العقوبات أهونها جلدٌ أو رجم بصرف النظر عن عدة الجلدات أو كمية الحجر، وإن الذبح عقوبة تمارسُ أمام كل البشر، وأيضا بصرف النظر، عن الأسباب أو نوع الرأس وتأثير ذلك على نفسية هذا البشر.
وإن الترحيل والتهجير أهون العقوبات، لأن صاحبها كل يوم في ارضٍ والى ارض يرتحل، راكضا وراء الماء والخضراء والوجه الحسن.
وإن الترحيل والتهجير أهون العقوبات، لأن صاحبها كل يوم في ارضٍ والى ارض يرتحل، راكضا وراء الماء والخضراء والوجه الحسن.
في كل كتب التاريخ التي تعلمناها، كانت بلادنا دوما مركز الحضارة والتجارة ومنها إلى كل أصقاع الدنيا تذهب صادراتنا التي طالما بحثتُ عنها فلم أجد لها أثرا إلا على أوراق كتبنا وفي ذاكرة مؤرخينا، وان عاصمتنا المدورة بغ داد كانت ممر كل تجارات الشرق والغرب، حتى اعتقدتُ إن أجدادنا لم يكونوا إلا مجاميعا من البقالين والقوميسيونية وتجار الخردوات.!
ودوما حينما يكون الحديث عن الأجداد فإنهم أولئك ( العظام ) الذين أنتجوا كل هذه الحضارات التي امتدت من عملية اغتيال الإمام علي بن أبي طالب وابنه الحسين وتحويل كل الشعوب إلى قطعان من العبيد والموالي، والى نموذج الأمة الأعلى في القومية والحضارة والتاريخ والأمن والسلام والمتمثل بـ ( الرئيس القائد المنصور بالله الأسد الأسير وقائد الجمع المؤمن والأمين العام الغائب لحزب الأمة ومجاهديها ).
والذي حول الأمة وأقطارها إلى دكاكين وبقالين وباعة شعارات وأقاويل إلى يوم يبعثون !.
والذي حول الأمة وأقطارها إلى دكاكين وبقالين وباعة شعارات وأقاويل إلى يوم يبعثون !.
وإذا ما استبعدنا الكثير من أوجه حضاراتنا في الآداب والعلوم اللغوية والدينية والتي يكثر فيها الآلاف من الذين (صهرهم) الدين الحنيف من أعراقهم وأصولهم وحولهم إلى مبدعين أعرابا وأعلاما في فن العروبة أدبا ودينا ولغة.
فقد كانت بلادنا منذ أن أصبحت مدورتها عاصمة للشرق، بلاد بيعٍ وشراء وعمولات وبقالين وعطارين وتجار رقيق وجواري في أروع أسواقٍ عرفتها المعمورة منذ ذلك الحين.
وفيها تعلم وعلم اجدادُ أجدادنا فن التجارة والبقالة والمزايدة على كل شيء وبدون قيد أو شرطٍ إلا المال وكميته وملحقاته من السلطة والجاه.
وكما كانت تباع الحرائرُ من النساء اللاتي يتم سبيهن بعد كل عملية غزوٍ غرائزية لقبيلة أو قرية أو مدينة، في أسواق النخاسةِ ببغداد أو غيرها من حواضر إمبراطورياتنا التجارية، كانت تقطع وتؤجر وتباع البلدان والأوطان هي الأخرى حالها حال النساء والأطفال في أسواق العبودية والرقيق بألوانه المختلفة.
فلا غرابة اليوم وأمس حينما كان (الرئيس القائد ورفاق عقيدته) لا يعترف بوطن أو دولة اسمها العراق بل يعتبره جزءً من وطن مفترض وخيالي، ومنح كل مقدرات هذه الدولة لأجانب أفترضهم هذا الرئيس ومنظومة أفكاره أبناء العراق والأمة، لا لشيء إلا لأنهم أعضاء في حزبه القومي ومواطنين دولته المفترضة من الخليج إلى المحيط، في أحدث تطوير لمفهوم العمالة للأجانب والتعامل معهم، بل جعلهم أسيادا على مواطني العراق الحقيقيين بامتيازات وحصانات لا يتمتع بها الأهالي الأصليين.
ويتذكر العراقيون بألم شديد ذلك التفريط المرعب بالأرض العراقية في ما سمي بترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية والأردن والتي تنازل فيها ( شيخ العشيرة ) عن الآلاف من الكيلومترات المربعة للأشقاء من شيوخ الأمة، في نفس الوقت الذي استباح وطنا ودولة من اجل بضعة كيلومترات، أحرق فيها الأخضر واليابس.
ولأنهم لا يؤمنون بوطن عراقي، ولا حدود لهذا الوطن ولا من يعيش عليه سواهم، ولأجل أن لا يقف أحد في طريق هيجانهم أو يعطلهم، منحوا الأتراك حرية العبور إلى الأرض العراقية في كوردستان واستباحة سكانها وتدمير قراها متى شاءوا، وكذلك فعلوا مع إيران حينما استغنوا عن شط العرب وآلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي العراقية في اتفاقية الجزائر المخزية، لا لشيء إلا لكي لا ينتصر جزء من الشعب العراقي في حريته وكرامته.
وإزاء ذلك لم يكن لديهم أي شيء مقدس ابتداء بالأرض وحياة البشر الذي فوقها وانتهاء بأعراض الناس وشرفها، كل الناس حتى الذين كانوا معهم، ولذلك كان العراق رخيصا لديهم أرضا وشعبا ومالا، فهو سلعة تباع وتشترى حالها حال تلك الجواري والحرائر المسبية في غزواتهم الجاهلية عبر العصور.
ولقد بان رخص العراق وقيمته لديهم بما حدث منذ مطلع نيسان- ابريل 2003 وحتى يوم التاسع منه، حيث هرب القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية وكل رموز الأمة والبعث والرسالة الخالدة إلى أرض الله الواسعة أو حفرها أو حاضناتها في دول العشائر والقبائل، بينما تفرغت القيادات الوسطى والقاعدية للحواسم وعملية توحيد العراق وممتلكاته مع بيوت الرفاق وجيوبهم.
إن ما يجري اليوم على أرض الرافدين هو صدى لتلك الأفكار والسلوكيات المتوارثة عبر أزمان وعصور من اللا انتماء واللا هوية إلا لغرائز التملك والتسلط والمتاجرة والتقاتل والإلغاء والإقصاء للآخرين وعبودية ألذات والنرجسية القاتلة والغزو وعقلية القبيلة والقرية التي لم تبرح حدودها ولا مفاهيمها وهي ترتدي السترة والبنطلون ومعهما الجينز والتيشيرت.
إن ما يجري اليوم على أرض الرافدين هو صدى لتلك الأفكار والسلوكيات المتوارثة عبر أزمان وعصور من اللا انتماء واللا هوية إلا لغرائز التملك والتسلط والمتاجرة والتقاتل والإلغاء والإقصاء للآخرين وعبودية ألذات والنرجسية القاتلة والغزو وعقلية القبيلة والقرية التي لم تبرح حدودها ولا مفاهيمها وهي ترتدي السترة والبنطلون ومعهما الجينز والتيشيرت.
وها هم يستقدمون كل قتلة العالم العربي من الخليج إلى المحيط ليفتكوا بالعراق وبأهله عربا وكوردا، سنة وشيعة، مسلمون ومسيحيون وايزيديون وصابئة، تارة باسم الدين وأخرى باسم العروبة وثالثة باسم المقاومة، وفي كل هذه الأكاذيب فهم أفضل من يمثل تجارة الرقيق والأوطان وثقافة الموت والدمار وعقلية التقهقر والظلام.