المسار الانفصالي للمجلس الوطني الكردي

د.

كسرى حرسان

تنمُّ كلمة المجلس الوطني الكردي في ظاهر اللفظ عن المذهب الانفصالي الذي ينتهجه لنفسه خارج سِرب المجلس الوطني السوري، وتعبِّرُ في المضمون كذلك عن الاتجاه عينه؛ فتبقى هذه الفرضية صحيحة من جميع النواحي.
وإذا أخذنا في اعتبارنا تشكيل هذا المجلس الكردي متزامناً مع الإحباط والإخفاق اللذين مُنِيت بهما السياسة الحزبية الكردية في سوريا تحت تأثير الصروف الدامية التي واجهتها في حين أن الثورة السورية يحتدم أوارُ دمويتها في كل لحظة استدللنا أن هذا المجلس هو التعبير الدقيق عن التقاعس والتقصير عن القدرة على المشاركة في المجلس الوطني السوري والقيام بأعباء النضال السياسي كما تمليها صروف الكفاح المريرة التي يقاسيها الشعب السوري عامَّة.
وإذا علمنا أنه مهما بلغ النضال السياسي من مبلغ فإنه لا يداني أو يجاري شأوَ العِثيَر الذي تثيره معمعة المعركة مع قعقعة السلاح، وإذا كنا لا نُجيد حتى هذا النضال اليسير فمعنى ذلك أنه قد لبسَنا العجز والخوَر لِبساً سابغاً من قِمم هاماتنا حتى أخامص أقدامنا، وهذه هي حالنا متمثلين بالمجلس الوطني الكردي، إذ لا نزالُ نحيا على الفكر القديم المترهل البدين الذي بلغ من العمر عِتياً ولم يعد يداعب روح الواقعية الجديدة والمعاصَرة التي يوجدها الكفاح الحقيقي الذي فرض نفسه على الميدان.
إننا نناضل – وزمام أمورنا بأيدي أعضاء المجلس المذكور – وكأننا نعيش حالة الانفصام التام عن غيرنا في الخلية السورية، لا نمت إليهم بصلةٍ البتة، نتباهى بقوميتنا الكردية إلى حد العنصرية والتصريح بالانفصالية، وكأن الثورة السورية في وادٍ وحلبات النضال الكردي في وادٍ آخر.

أليس العمل الانفصالي عاباً على تاريخنا الذي نفتخر به، هل إقليم كردستان على سبيل المثال منفصل عن جمهورية العراق?!.
قد يقصد المرء شيئاً ويصيب شيئاً آخر، ربما ليس في نيتنا الانفصال – أتكلم بلسان حال المجلس الوطني الكردي –، ولكن سلوكنا وتصرفاتنا تظهر أننا لسنا في خانة سوريا الموحدة من عهد الاستقلال، وإلا فما معنى أن لنا عناوين خاصة نطلقها على أيام الجمعة مختلفة عن عناوين الثورة المشتعلة على مستوى سوريا، وإلامَ يُومئ رفعُنا للعلم الكردي بكثافة كبيرة بينما لا يرتفع لدينا أي علم للاستقلال السوري.
إن حالنا هذه مزرية باتت للغاية، وأمست تطلعات الشارع الكردي مجحفاً بها من قبل هذا المجلس المحسوبي، وأحسَب أنها مؤامرة تحاكُ على رسم مصير موغل في السوء للشعب الكردي حتى لا تقوم له قائمة بعد اليوم، تدبرها سياسة عدائية خبيثة وتنفذها رؤوسٌ عفِنة.
وقد يعتقد الرأي العام جازماً أن هذا المجلس هو ممثل الشعب الكردي، ولكن الشعب الكردي في القطر السوري – في الحقيقة التي لا تشوبها شائبة – خامٌ غير مرتبط بغالبيته التي تصل إلى الثمانين في المئة أو تزيد، وهذا دليل آخر على عدم ثقته بمن يقوده، وأتمنى من إخواننا الآخرين أن يستوعبوا هذه الحقيقة جيداً.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…

شادي حاجي في عالم يتزايد فيه الاضطراب، وتتصاعد فيه موجات النزوح القسري نتيجة الحروب والاضطهاد، تظلّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) طوق النجاة الأخير لملايين البشر الباحثين عن الأمان. فمنظمة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت اليوم إحدى أهم المؤسسات الإنسانية المعنية بحماية المهدَّدين في حياتهم وحقوقهم. كيف تعالج المفوضية طلبات اللجوء؟ ورغم أن الدول هي التي تمنح…

  نظام مير محمدي * شهد البرلمان الأوروبي يوم العاشر من ديسمبر/كانون الأول، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، انعقاد مؤتمرين متتاليين رفيعي المستوى، تمحورا حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران وضرورة محاسبة النظام الحاكم. وكانت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، المتحدث الرئيسي في كلا الاجتماعين. في الجلسة الثانية، التي أدارها السيد ستروآن ستيفنسون،…

المهندس باسل قس نصر الله بدأت قصة قانون قيصر عندما انشقّ المصوّر العسكري السوري “فريد المذهّان” عام 2013 — والذي عُرف لاحقاً باسم “قيصر” — ومعه المهندس المدني أسامة عثمان والمعروف بلقب “سامي”، حيث نفذ المذهان أضخم عملية تسريب للصور من أجهزة الأمن ومعتقلات نظام الأسد، شملت هذه الصور آلاف المعتقلين بعد قتلهم تحت التعذيب وتعاون الإثنان في عملية…