حوار سيامند ابراهيم
ثمة نساء بصمن وجودهم ونضالاتهم المشرفة في مختلف الصعد بقوة في وجدان ضمير الذاكرة الكردية, وتاريخنا مليء بأسماء يصعب حصرها وتسطيرها في مقدمة بسيطة, وحديثاً فإنه لا يخفى على أحد نضالات الناشطة نوفين حرسان التي لاقت مصاعب جمة, وخلال مسيرتها المشرفة في الدفاع عن المرأة الكردية في المحافل الدولية ومن خلال عشرات المؤتمرات التي شاركت فيها, وكانت بحق ذاك الصوت الشفاف في هذه المؤتمرات, وبالفعل كانت الوجدان الحقيقي في تقديم الوجه الناصع, والأليم للمرأة الكردية التي ثابرت ووقفت بقوة وعنفوان مع الرجل في مختلف نضالاته وخلال زيارتها للوطن التقيناها في إحدى تظاهرات قامشلو وكانت مع شعبها بقلبها وضميرها وكان الحوار التالي:
كأي سؤال كلاسيكي نرجو أن تعطي القراء لمحة عن حياتك وبداية مسيرتك؟
نوفين حرسان: يخطر في بالي، أول مظاهرة رأيتها في السويد، أشخاص يطالبون بحقوق لهم، في العمل، في زيادة الرواتب، في التعبير عن التضامن مع شعوب العالم.
كان لديهم هموماً ذاتية وهموماً خارجية.
لأول مرة شعرت بالحرية التي كنت أبحث عنها ولم أكن أعرفها حين كنت في بلدي.
في سوريا لا يحيون إلا قائد الأمة وقائد الدولة، المسيرات كانت تحيي القائد وتدفعنا إلى كراهية ذاتنا.
كنت أكره المدرسة، وهو يوم أسود يوم المسيرة، كان مدرب الفتوة يجبرنا على ترديد شعارات البعث، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
وكان يجبرنا على الزحف حين كنا لا نردد شعار البعث، كان يقول عليك أن تركعي، ويشتمني ولم أكن أقبل، في إحدى المرات، عاقبني بالفصل من المدرسة.
وتكمل نوفين حرسان وتقول: ولدت في عامودة، لأسرة تناضل من أجل القضية الكردية، وكان أبي يؤمن بالمساواة ويشجعنا على الدراسة, والاهتمام بما يؤمن به.
شهدنا الاعتقال وحملات التفتيش.
أذكر أنني كنت أستحوذ على صندوق صغير كنت أخبئ فيه كتبي ومجلاتي، وكانوا حين يداهمون بيتنا، يبحثون على الكتب الكردية، و لا يستثنوا في هذا التفتيش أي شيء يتعلق بالسياسة والثقافة الكردية, وحتى إن كان كتيباً لتعليم اللغة الكردية، وكانوا يرمون أمتعتنا وفراشنا على الأرض بشكل جنوني, ويقلبون البيت رأساً على عقب؟!
وأذكر أنني كنت أجمع مذكرات لي كتبتها في دفتر, ولدي صندوق أوراقي، وكم كنت أخشى أن يعثروا عليه، وكم كنت أحاول إخفاءه، ولحسن حظي لم يعثروا عليه.
ولا أنسى منظر أبي، في أواخر الستينات من القرن الماضي حين داهموا بيتنا, وكنا نغط في نوم عميق, أتوا وكنا نائمين في الفراش على سطح البيت.
طوقوا البيت وأخذوا أبي.
وكنا في الخارج, وسمعنا أبي يصرخ من داخل البيت، يضربونه ويشتمونه، ثم اعتقلوه؟!.
وذات مرة أتى صديق أبي يخبرنا أن والدي بحالة يرثى لها وأنه في المشفى الوطني في القامشلي ويريد أن يرانا, ويريد أن نزوره, وكم كانت الصدمة قوية لنا, فقد كان وضع والدي الصحي سيئاً, ولم يكن أبي يستطيع التحدث، وكان واضحاً عليه الوهن الشديد، وعرفت أن حاله هذا كان من التعذيب والاهمال الشديد.
وأذكر مرة في إحدى المرات حين زرناه في سجن الحسكة، وانتظرنا طويلاً، ولم نتمكن من رؤيته، ولا أنسى ذلك المشهد المأسوي يومها حين تفاجأت ولأول مرة أرى المشانق في السجن, ورأيت رجلاً مشنوقاً..
داهمني المشهد بعد 36 عاماً، وماذا أقول لك أيضاً عن يوم اعتقالي في الحسكة في 2003، بعد عودتي من السويد لكي اودع امي الوداع الاخير، بعد 36 عاماً رجعت إلى المكان نفسه معتقلة، يومها بقيت في الانفرادي، وكان منظر المشانق لا يفارقني.
وأعود قليلاً إلى مرحلة الطفولة في المرحلة الابتدائية من المدرسة، كنا ممنوعين من التكلم باللغة الكردية، وكان هناك عقاباً إذا تكلمنا الكردية، كان على الطالب أن يسدد “فرنك سوري”، إذا تكلم الكردية ولو كان ذلك، سهواً في باحة المدرسة..
الموجهون من كانوا يقومون بالتجسس، ويجندون الطلاب لكي يفسدوا على بعضهم.
ولأن اسمي نوفين، كان يشكل لي عقابا مضاعفاً ويومياً، ضريبة تلاحقني مع كل معلمة جديدة، حين تسألني عن اسمي، ثم تسخر مني وفي بعض الأحيان تضربني بلا سبب؟! وكنت أشعر أنها تضربني لأن اسمي نوفين..
وكانت تدخل المعلمة وتسأل الطلاب، من هوالكردي ومن هو العربي؟ بعضالأطفال الأكراد كانوا يبولون على أنفسهم من الخوف، لأنهم أكراد.
المعلمات لم يكن كرديات، وكن من الداخل السوري، وبعضهن كن قاسيات وعنصريات.
وكنا نخاف من المعلم، وكنا نكره المدرسة، كانوا يعلموننا الأناشيد القومية: سحقا للرجعية والاستعمار.ولم أكن أفهمها، فكنت أشعر أنها شتيمة لنا لأننا أكراد، كنت أرفضها بردة فعل، فكان المعلم يضربنا، ويقول، ألم يعجبكم الشعار؟رفضت مرة ترديد الشعار، وكان قبل موعد الامتحان بشهر، فأمسكني المدرب من شعري وأمسك رفيقتي من شعرها، وضرب رأسي برأس رفيقتي.
في الثامنة عشرة خرجت إلى أوروبا بعد صعوبات شديدة باستخراج جواز سفر، وبقيت هناك ودرست هناك.
أتيت إلى بلد السويد، وأنا أحس أني قادمة من أبشع ديكتاتوريات العالم إلى بلد الحرية والحقوق، من بلد تحقير الانسان إلى بلد تكريم الانسان.
في السويد يعيش الشعب بحرية تامة, وهاأنذا أشعر بنفسي وبحريتي، وأعبر عن رأيي، حين دخلت أول مرة إلى دائرة الهجرة السويدية، إلى غرفة التحقيق، قام المحقق من مكانه وأخذ عني معطفي، ثم قال لي: تحدثي بلا خوف.
شعرت بالطمأنينة، كأنني ولدت من جديد.
كيف استفدت من نضال المرأة الأوروبية؟
نوفين حرسان: كنا في سوريا نبحث عن الكتب ولم نكن نجدها.
عثرت في السويد، على كل الكتب التي كنت أبحث عنها.
ولاقيت كل التشجيع الذي يلزمني، المحيط الديمقراطي والمناخ الصحي في السويد هو الذي دفعني إلى التعلم.
شاركت في لجان السلم السويدية، ولجان المجتمع المدني، وتعلمت من تجربتهم في ممارسة حقوق الانسان وحقوق المرأة.
أسست في السويد في 1980 جمعية نساء كردستان، نساء تجمعهن معاناة الغربة، وأحدثنا دورات تدريبية لدعم النساء وقد تلقينا تشجيعاً هائلاً من مؤسسات سويدية عديدة، بلديات وغيرها، وهذا ما أرشدنا بعد ذلك إلى كيفية إنشاء الجمعيات وتنميتها وتطويرها.
شاركت بمؤتمر المرأة العالمي في كوبنهاكن، الذي نظمته الأمم المتحدة، وهناك كان يوجد العديد من الحركات التحررية كالبوليساريو وحركة التحرر الفلسطيني.
شاركت كامرأة كردية، وهذا مازودني بخبرة إضافية، واستفدت من تجارب النساء في الندوات من أجل تمكين المراة في التعليم والتنمية وفي تكريس السلام.
شاركت في مؤتمر المرأة العالمي والذي نظمتة الامم المتحدة في الصين 1995 وكانت مشاركتي فعالة حيث قمنا بتكوين اللجنة الوطنية الكردية، وأقمنا معارض وندوات، وعرّفنا العالم على مأساة الشعب الكردي، خاصة المرأة الكردية التي تعاني من حرمان الجنسية والثقافة بالاضافة لحرمانها من حقوقها كامرأة في بلادنا.يقع على المرأة في بلادنا ظلم مزدوج،فهي تقمع بسبب أفكارها وبسبب انتمائها القومي، وتقمع بسبب أنها امراة في مجتمع ذكوري تقليدي ورجعي.
شعورك عن الربيع العربي والثورة السورية
نوفين حرسان: بعد كل السنين من القمع في بلادنا، كان للثورات تأثير إيجابي، وكنا ننتظر هذا اليوم، منذ عقود عديدة، كنا ننتظر أن تصبح ثورة في سوريا، وبذاتي كنت أتوقع أنه لابد أن تغييراً سيحدث.
الشعب فقد كل أمل بالاصلاح، ولذلك صار الشعب على قناعة بأن هذا البيت لابد من تهديمه لكي يعمره على أعمدة ثابتة وقوية، وهذه الأعمدة، بقناعتي، هي الشعب السوري بكل فئاته ومكوناته.
أما الآن لا نعرف كيف سيكون الغد، لكن لا بد من التفاؤل.
بعد أن أتيت إلى القامشلي وشاركت بالتظاهرات وألقيت كلمات، كيف تصفين هذا؟
شعوري حين أتيت إلى الوطن، وشاهدت قوة وعزيمة الشعب السوري الجبار والصمود البطولي أمام آلة القمع الرهيبة؟! وحين شاركت في مظاهرات عامودا و القامشلي، كان شعوري كأنني رجعت أعيش عرس الحرية، ونسيت الخوف وحين ألقيت خطاباً في عامودا والقامشلي، لم أشعر بأني خائفة، كما كنت أشعر سابقاً في سوريا، حين لم اكن أجرؤ أن أقول رأيي، بينما تحقق هذا في لحظات، وكنت أمشي مع المتظاهرين وأنسى نفسي لأن لدينا مطلب واحد هو العيش بكرامة وأن نحصل على حقوقنا المشروعة، كأكراد ناضلنا طويلاً، وكنا كذلك في صف المعارضة.
نحن حرمنا من أبسط شروط الحياة، لم نمارس في حياتنا أي حق سياسي، ولم يكن لدينا الحق حتى في تأسيس جمعية خيرية، كانت الأقلية تحكم الأكثرية في مناطقنا الكردية.
أعطى الشعب الكردي للثورة السورية زخماً حقيقياً.
حين أخذنا جزءاً من الثورة السورية، لأول مرة شعرت بأني سورية، أو بأننا جزء من سوريا.
بعد أن قام النظام بخلق فرقة وحقد بين ابناء الشعب السوري، ونحن بالذات كشعب كردي، كنا معزولين عزلة شديدة.
بالنسبة لمشاركة المرأة في الثورة، فقد فعلت ذلك، كي لا تبقى معزولة، كان لمشاركة المرأة السورية والكردية دور كبير في مناطق الأكراد، مظاهرات يومية كانت المراة مشاركة رئيسية فيها وفعالة، وقد تضامنت مع المرأة السورية في مناطق أخرى، كناشطات.
في فترة الثورة لاحطت أن المرأة الكردية رفعت رأسها، وبدأت تفكر بمصيرها، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، نحن نريد ان تكون ثورة من اجل التغيير وليس من اجل أن نحصر أنفسنا في اسقاط صنم النظام، وإنما اسقاط أصنام أخرى.
خلال هذه التظاهرات، شعرنا أننا نبني أنفسنا ونشارك بالعملية السياسية، قبل ذلك، ظلت المرأة الكردية بعيدة عن التنظيمات السياسية، وهذا سببه، أن النظام لم يسمح ولم يترك لمنظمات المجتمع المدني ان تبني نفسها.
لكن الآن سنشارك بالعملية السياسية ونمارس حقنا السياسي، ونشارك في بناء مؤسسات الدولة.
ولذلك لا بد من التهيئة لهذا.
قمت بتنظيم أسس أولى لبنات نحو تأسيس حقيقي وعلمي في الدفاع الشامل عن المرأة الكردية, والقيام مستقبلاً في بناء مؤسسات تثبت حق المرأة في كل المجالات, وها هو عملنا الذي قمنا فيه بداخل سوريا حيث شكلنا لجان لاتحاد نساء كرد سوريا، أسسنا لجنة تحضير , والآن فقد شكلنا لجان في كل المناطق الكردية.
و الآن أرجو أن نعقد مؤتمرا لها خلال أشهر.
كي تستطيع المرأة الكردية من تمكين ذاتها وحقوقها..
إذا لاحظنا المجلس الوطني السوري او المجلس الوطني الكردي، فإن نسبة النساء قليلة فيه، ونحن نسعى لكي تكون لها مشاركة أوسع، ولذلك يجب تهيئتها لكي تتسلم مناصب قيادية وتكون صاحبة قرار، وصاحبة استقلالية في قرارها، ولا تكون تابعة كمكون إنساني، يجب أن تتسلح بالمعرفة والثقة بالنفس لكي تعي حجم اضطهادها، لأن المجتمع الظالم، جعلت المراة خائفة ولا تثق بنفسها، ومن خلال تجربتي، أؤمن أن المرأة قادرة ان تنفذ في مناصب عالية في كافة مجالات الحياة.
وهذا يتطلب مجهوداً عالياً ومشاركة من الجميع ونحتاج دعماً من المجتمع الكردي.
لمحة عن نشاطك وعملك في السويد.
تسلمت مناصب عديدة في المجلس البلدي وفترات أخرى في مجلس المحافظة.
قمت بمهمام عديدة.
سياسية واحتماعية.
ترشحت للبرلمان السويدي في عام 1998، خضت تجربة الانتخاب مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي، وتسلمت مناصب في الحزب الديموقراطي السويدي، رشحتني الجريدة السويدية اكسبرس كامراة عام 1998.
قامت الصحافة بتغطية العديد من نشاطاتي، في حقوق المرأة المهاجرة وحقوق الأقليات في السويد وقد لاقت ترحيباً، وحاز اسمي على الكثير من الأصوات، برنامجي السياسي كان عن سياسة الاندماج في المجتمع السويدي وقد حقق نجاحاً وقبولاً من المتابعين.
الآن أود وأحلم أن أرجع إلى بلدي وأساهم من خلال تجربتي في السويد، في توعية المرأة الكردية أولاً وننشط أيضاً بتبادل كخبرات مع نساء بلدنا بالعالم.
نحن حين نعد امرأة واعية، نكسب مجتمعاً سليماً بكامله.
في الختام شكراً لك.
نوفين حرسان: يخطر في بالي، أول مظاهرة رأيتها في السويد، أشخاص يطالبون بحقوق لهم، في العمل، في زيادة الرواتب، في التعبير عن التضامن مع شعوب العالم.
كان لديهم هموماً ذاتية وهموماً خارجية.
لأول مرة شعرت بالحرية التي كنت أبحث عنها ولم أكن أعرفها حين كنت في بلدي.
في سوريا لا يحيون إلا قائد الأمة وقائد الدولة، المسيرات كانت تحيي القائد وتدفعنا إلى كراهية ذاتنا.
كنت أكره المدرسة، وهو يوم أسود يوم المسيرة، كان مدرب الفتوة يجبرنا على ترديد شعارات البعث، أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
وكان يجبرنا على الزحف حين كنا لا نردد شعار البعث، كان يقول عليك أن تركعي، ويشتمني ولم أكن أقبل، في إحدى المرات، عاقبني بالفصل من المدرسة.
وتكمل نوفين حرسان وتقول: ولدت في عامودة، لأسرة تناضل من أجل القضية الكردية، وكان أبي يؤمن بالمساواة ويشجعنا على الدراسة, والاهتمام بما يؤمن به.
شهدنا الاعتقال وحملات التفتيش.
أذكر أنني كنت أستحوذ على صندوق صغير كنت أخبئ فيه كتبي ومجلاتي، وكانوا حين يداهمون بيتنا، يبحثون على الكتب الكردية، و لا يستثنوا في هذا التفتيش أي شيء يتعلق بالسياسة والثقافة الكردية, وحتى إن كان كتيباً لتعليم اللغة الكردية، وكانوا يرمون أمتعتنا وفراشنا على الأرض بشكل جنوني, ويقلبون البيت رأساً على عقب؟!
وأذكر أنني كنت أجمع مذكرات لي كتبتها في دفتر, ولدي صندوق أوراقي، وكم كنت أخشى أن يعثروا عليه، وكم كنت أحاول إخفاءه، ولحسن حظي لم يعثروا عليه.
ولا أنسى منظر أبي، في أواخر الستينات من القرن الماضي حين داهموا بيتنا, وكنا نغط في نوم عميق, أتوا وكنا نائمين في الفراش على سطح البيت.
طوقوا البيت وأخذوا أبي.
وكنا في الخارج, وسمعنا أبي يصرخ من داخل البيت، يضربونه ويشتمونه، ثم اعتقلوه؟!.
وذات مرة أتى صديق أبي يخبرنا أن والدي بحالة يرثى لها وأنه في المشفى الوطني في القامشلي ويريد أن يرانا, ويريد أن نزوره, وكم كانت الصدمة قوية لنا, فقد كان وضع والدي الصحي سيئاً, ولم يكن أبي يستطيع التحدث، وكان واضحاً عليه الوهن الشديد، وعرفت أن حاله هذا كان من التعذيب والاهمال الشديد.
وأذكر مرة في إحدى المرات حين زرناه في سجن الحسكة، وانتظرنا طويلاً، ولم نتمكن من رؤيته، ولا أنسى ذلك المشهد المأسوي يومها حين تفاجأت ولأول مرة أرى المشانق في السجن, ورأيت رجلاً مشنوقاً..
داهمني المشهد بعد 36 عاماً، وماذا أقول لك أيضاً عن يوم اعتقالي في الحسكة في 2003، بعد عودتي من السويد لكي اودع امي الوداع الاخير، بعد 36 عاماً رجعت إلى المكان نفسه معتقلة، يومها بقيت في الانفرادي، وكان منظر المشانق لا يفارقني.
وأعود قليلاً إلى مرحلة الطفولة في المرحلة الابتدائية من المدرسة، كنا ممنوعين من التكلم باللغة الكردية، وكان هناك عقاباً إذا تكلمنا الكردية، كان على الطالب أن يسدد “فرنك سوري”، إذا تكلم الكردية ولو كان ذلك، سهواً في باحة المدرسة..
الموجهون من كانوا يقومون بالتجسس، ويجندون الطلاب لكي يفسدوا على بعضهم.
ولأن اسمي نوفين، كان يشكل لي عقابا مضاعفاً ويومياً، ضريبة تلاحقني مع كل معلمة جديدة، حين تسألني عن اسمي، ثم تسخر مني وفي بعض الأحيان تضربني بلا سبب؟! وكنت أشعر أنها تضربني لأن اسمي نوفين..
وكانت تدخل المعلمة وتسأل الطلاب، من هوالكردي ومن هو العربي؟ بعضالأطفال الأكراد كانوا يبولون على أنفسهم من الخوف، لأنهم أكراد.
المعلمات لم يكن كرديات، وكن من الداخل السوري، وبعضهن كن قاسيات وعنصريات.
وكنا نخاف من المعلم، وكنا نكره المدرسة، كانوا يعلموننا الأناشيد القومية: سحقا للرجعية والاستعمار.ولم أكن أفهمها، فكنت أشعر أنها شتيمة لنا لأننا أكراد، كنت أرفضها بردة فعل، فكان المعلم يضربنا، ويقول، ألم يعجبكم الشعار؟رفضت مرة ترديد الشعار، وكان قبل موعد الامتحان بشهر، فأمسكني المدرب من شعري وأمسك رفيقتي من شعرها، وضرب رأسي برأس رفيقتي.
في الثامنة عشرة خرجت إلى أوروبا بعد صعوبات شديدة باستخراج جواز سفر، وبقيت هناك ودرست هناك.
أتيت إلى بلد السويد، وأنا أحس أني قادمة من أبشع ديكتاتوريات العالم إلى بلد الحرية والحقوق، من بلد تحقير الانسان إلى بلد تكريم الانسان.
في السويد يعيش الشعب بحرية تامة, وهاأنذا أشعر بنفسي وبحريتي، وأعبر عن رأيي، حين دخلت أول مرة إلى دائرة الهجرة السويدية، إلى غرفة التحقيق، قام المحقق من مكانه وأخذ عني معطفي، ثم قال لي: تحدثي بلا خوف.
شعرت بالطمأنينة، كأنني ولدت من جديد.
كيف استفدت من نضال المرأة الأوروبية؟
نوفين حرسان: كنا في سوريا نبحث عن الكتب ولم نكن نجدها.
عثرت في السويد، على كل الكتب التي كنت أبحث عنها.
ولاقيت كل التشجيع الذي يلزمني، المحيط الديمقراطي والمناخ الصحي في السويد هو الذي دفعني إلى التعلم.
شاركت في لجان السلم السويدية، ولجان المجتمع المدني، وتعلمت من تجربتهم في ممارسة حقوق الانسان وحقوق المرأة.
أسست في السويد في 1980 جمعية نساء كردستان، نساء تجمعهن معاناة الغربة، وأحدثنا دورات تدريبية لدعم النساء وقد تلقينا تشجيعاً هائلاً من مؤسسات سويدية عديدة، بلديات وغيرها، وهذا ما أرشدنا بعد ذلك إلى كيفية إنشاء الجمعيات وتنميتها وتطويرها.
شاركت بمؤتمر المرأة العالمي في كوبنهاكن، الذي نظمته الأمم المتحدة، وهناك كان يوجد العديد من الحركات التحررية كالبوليساريو وحركة التحرر الفلسطيني.
شاركت كامرأة كردية، وهذا مازودني بخبرة إضافية، واستفدت من تجارب النساء في الندوات من أجل تمكين المراة في التعليم والتنمية وفي تكريس السلام.
شاركت في مؤتمر المرأة العالمي والذي نظمتة الامم المتحدة في الصين 1995 وكانت مشاركتي فعالة حيث قمنا بتكوين اللجنة الوطنية الكردية، وأقمنا معارض وندوات، وعرّفنا العالم على مأساة الشعب الكردي، خاصة المرأة الكردية التي تعاني من حرمان الجنسية والثقافة بالاضافة لحرمانها من حقوقها كامرأة في بلادنا.يقع على المرأة في بلادنا ظلم مزدوج،فهي تقمع بسبب أفكارها وبسبب انتمائها القومي، وتقمع بسبب أنها امراة في مجتمع ذكوري تقليدي ورجعي.
شعورك عن الربيع العربي والثورة السورية
نوفين حرسان: بعد كل السنين من القمع في بلادنا، كان للثورات تأثير إيجابي، وكنا ننتظر هذا اليوم، منذ عقود عديدة، كنا ننتظر أن تصبح ثورة في سوريا، وبذاتي كنت أتوقع أنه لابد أن تغييراً سيحدث.
الشعب فقد كل أمل بالاصلاح، ولذلك صار الشعب على قناعة بأن هذا البيت لابد من تهديمه لكي يعمره على أعمدة ثابتة وقوية، وهذه الأعمدة، بقناعتي، هي الشعب السوري بكل فئاته ومكوناته.
أما الآن لا نعرف كيف سيكون الغد، لكن لا بد من التفاؤل.
بعد أن أتيت إلى القامشلي وشاركت بالتظاهرات وألقيت كلمات، كيف تصفين هذا؟
شعوري حين أتيت إلى الوطن، وشاهدت قوة وعزيمة الشعب السوري الجبار والصمود البطولي أمام آلة القمع الرهيبة؟! وحين شاركت في مظاهرات عامودا و القامشلي، كان شعوري كأنني رجعت أعيش عرس الحرية، ونسيت الخوف وحين ألقيت خطاباً في عامودا والقامشلي، لم أشعر بأني خائفة، كما كنت أشعر سابقاً في سوريا، حين لم اكن أجرؤ أن أقول رأيي، بينما تحقق هذا في لحظات، وكنت أمشي مع المتظاهرين وأنسى نفسي لأن لدينا مطلب واحد هو العيش بكرامة وأن نحصل على حقوقنا المشروعة، كأكراد ناضلنا طويلاً، وكنا كذلك في صف المعارضة.
نحن حرمنا من أبسط شروط الحياة، لم نمارس في حياتنا أي حق سياسي، ولم يكن لدينا الحق حتى في تأسيس جمعية خيرية، كانت الأقلية تحكم الأكثرية في مناطقنا الكردية.
أعطى الشعب الكردي للثورة السورية زخماً حقيقياً.
حين أخذنا جزءاً من الثورة السورية، لأول مرة شعرت بأني سورية، أو بأننا جزء من سوريا.
بعد أن قام النظام بخلق فرقة وحقد بين ابناء الشعب السوري، ونحن بالذات كشعب كردي، كنا معزولين عزلة شديدة.
بالنسبة لمشاركة المرأة في الثورة، فقد فعلت ذلك، كي لا تبقى معزولة، كان لمشاركة المرأة السورية والكردية دور كبير في مناطق الأكراد، مظاهرات يومية كانت المراة مشاركة رئيسية فيها وفعالة، وقد تضامنت مع المرأة السورية في مناطق أخرى، كناشطات.
في فترة الثورة لاحطت أن المرأة الكردية رفعت رأسها، وبدأت تفكر بمصيرها، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، نحن نريد ان تكون ثورة من اجل التغيير وليس من اجل أن نحصر أنفسنا في اسقاط صنم النظام، وإنما اسقاط أصنام أخرى.
خلال هذه التظاهرات، شعرنا أننا نبني أنفسنا ونشارك بالعملية السياسية، قبل ذلك، ظلت المرأة الكردية بعيدة عن التنظيمات السياسية، وهذا سببه، أن النظام لم يسمح ولم يترك لمنظمات المجتمع المدني ان تبني نفسها.
لكن الآن سنشارك بالعملية السياسية ونمارس حقنا السياسي، ونشارك في بناء مؤسسات الدولة.
ولذلك لا بد من التهيئة لهذا.
قمت بتنظيم أسس أولى لبنات نحو تأسيس حقيقي وعلمي في الدفاع الشامل عن المرأة الكردية, والقيام مستقبلاً في بناء مؤسسات تثبت حق المرأة في كل المجالات, وها هو عملنا الذي قمنا فيه بداخل سوريا حيث شكلنا لجان لاتحاد نساء كرد سوريا، أسسنا لجنة تحضير , والآن فقد شكلنا لجان في كل المناطق الكردية.
و الآن أرجو أن نعقد مؤتمرا لها خلال أشهر.
كي تستطيع المرأة الكردية من تمكين ذاتها وحقوقها..
إذا لاحظنا المجلس الوطني السوري او المجلس الوطني الكردي، فإن نسبة النساء قليلة فيه، ونحن نسعى لكي تكون لها مشاركة أوسع، ولذلك يجب تهيئتها لكي تتسلم مناصب قيادية وتكون صاحبة قرار، وصاحبة استقلالية في قرارها، ولا تكون تابعة كمكون إنساني، يجب أن تتسلح بالمعرفة والثقة بالنفس لكي تعي حجم اضطهادها، لأن المجتمع الظالم، جعلت المراة خائفة ولا تثق بنفسها، ومن خلال تجربتي، أؤمن أن المرأة قادرة ان تنفذ في مناصب عالية في كافة مجالات الحياة.
وهذا يتطلب مجهوداً عالياً ومشاركة من الجميع ونحتاج دعماً من المجتمع الكردي.
لمحة عن نشاطك وعملك في السويد.
تسلمت مناصب عديدة في المجلس البلدي وفترات أخرى في مجلس المحافظة.
قمت بمهمام عديدة.
سياسية واحتماعية.
ترشحت للبرلمان السويدي في عام 1998، خضت تجربة الانتخاب مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي، وتسلمت مناصب في الحزب الديموقراطي السويدي، رشحتني الجريدة السويدية اكسبرس كامراة عام 1998.
قامت الصحافة بتغطية العديد من نشاطاتي، في حقوق المرأة المهاجرة وحقوق الأقليات في السويد وقد لاقت ترحيباً، وحاز اسمي على الكثير من الأصوات، برنامجي السياسي كان عن سياسة الاندماج في المجتمع السويدي وقد حقق نجاحاً وقبولاً من المتابعين.
الآن أود وأحلم أن أرجع إلى بلدي وأساهم من خلال تجربتي في السويد، في توعية المرأة الكردية أولاً وننشط أيضاً بتبادل كخبرات مع نساء بلدنا بالعالم.
نحن حين نعد امرأة واعية، نكسب مجتمعاً سليماً بكامله.
في الختام شكراً لك.