خمسة عقود مضت على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وتهافتت معظم الدول في الشرق الأوسط للتوقيع عليه, ومن بينها كانت الدول العربية, لا لأجل قدسية الكائن البشري في أوطانها, بل كنوع من التلائم السياسي مع المتغيرات الدولية, ومجاراة أفكار الدول المتقدمة ولو بشكل رمزي هش.
والمضحك أننا نجد دولا كثيرة تتباهى بدخولها في برتوكولات ومعاهدات دولية تعني بحماية حقوق الإنسان, ووضع قوانين وشرائع تنظم الحقوق الإنسانية وتحددها, في سبيل أن تلتزم الدول الموقعة على الاتفاقيات الدولية ذات الشأن الإنساني وحرياتها, بعدم المساس بهذه الحقوق, وعدم تعريض الإنسان في دولها إلى أي شكل من أشكال القمع والاضطهاد, ومصادرة حرياته المشروعة.
تعتبر الحكومة السورية البعثية, في مقدمة الحكومات العربية التي دخلت في عالم البروتوكولات والمعاهدات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان في كل مكان, وآخرها معاهدة حظر التعذيب بحق الأفراد,وقيام رجالات السلطة فيها , والإعلام السوري , بتضخيم هذا الحدث, واعتبار ذلك نوع من الرقي الحضاري, والعصرنة السورية مع الشرعية الدولية!!
لكن لو أزلنا جميع الستائر, وتعمّقنا في داخل المجتمع السوري , يلاحظ المرء وبكل استقلالية , أن الإنسان السوري وحقوقه تأتي في آخر جداول السلطة, وقد لا تأتي أبدا.
ففي دولة ذات نهج عسكري استبدادي, يفتقد المواطنون فيها كل الحريات , ابتداءا من حرية التعبير, والى الحريات السياسية والانتخابات, وعدم تداول السلطة.
وغيرها من الحقوق الإنسانية التي وفرتها المواثيق الدولية وشرعة حقوق الإنسان.
الإنسان السوري لا يشعر أبدا بمواطنته؟ لماذا!
حينما يحاول المواطن التعبير عن آرائه , أو يسعى لأن يضع قانونا عصريا لعملية الانتخاب, أو يقوم احد المختصين الديمقراطيين الوطنيين, بصياغة دستور عادل ولدولة مدنية قانونية علمانية ديمقراطية , على أساس حقوق المواطنة والمواطن .
ويبتعد عن كل وشائج الاستفراد بالقرار أو الطائفية العنصرية, والتمييز العرقي الشوفيني.
هنا يصطدم هذا المواطن الإنسان المحب لوطنه بجدران من الاستبداد, وأفكار الحزب الواحد المترهل (البعث), ويتحول هذا المواطن الشريف إلى مجرم من الدرجة الأولى ( خطر على امن الدولة), وهنا لابد من تصفيته, سواء بزجه في سجون السلطة السورية الكثيرة العدد, أو فصله من عمله, أو اتهامه بالعمالة لأمريكا وإسرائيل, وغيرها من التهم الأمنية المصنوعة مسبقا لدى فروع المخابرات وقياداتها !!!
في بلد كسوريا , يتعجب المواطن السوري, حينما يجد الجوار من الدول الأخرى حوله تتغير نحو الأفضل, سواء في مجال الحريات ( الانتخابات- الإعلام- النشاط السياسي- تشكيل منظمات لحقوق الإنسان وغيرها).
ونشوء نوع أو هامش ديمقراطي بعض الشيء, هنا النظام وسياساته تدفع بسوريا للوقوف وحيدة في منتصف الطريق, لا تغيير, لا حريات , عدم اهتمام بأي شأن داخلي؟؟؟
وتزداد موجات الضغط الدولي والأمريكي, والنظام لا يهمه سوى مصالحه الضيقة, وإرضاء بعض الدول الكبرى على حساب الوطن سوريا وشعبها.
وكلما ازدادت الضغوط, يزداد الإهمال بالمواطن, وتتحرك القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني, ولجان حقوق الإنسان, والأحزاب السياسية لأجل إنهاء هذه الحالة المخيفة, وتغيير كل شيء لأجل مستقبل أفضل, ودولة سورية عادلة وديمقراطية.
وتبدأ لعبة الاستبداد ولكن بشكل ظاهري وأكثر ضجة وعنفا, وتقرع طبول السلطة , لتبدأ بإعلان الحرب على كل الأفكار التحررية والتغييرية, ويقمع كل دعاة الحريات والآراء وعشاق الوطن الوطنيين بشدة ودون أية إنسانية, ولمسنا نتائج لهذه الحرب, لدى اعتقال السلطة لموقّعي إعلان بيروت دمشق ( ميشيل كيلو- أنور البني- خليل حسين- كمال شيخو… وغيرهم).
لقد كان العام 2006, عاما مليئا بسياسات القمع والإرهاب بحق نشطاء الرأي وحقوق الإنسان.
والسجون السورية تحولت إلى أجنحة مفتوحة دوما أمام كل مواطن يفكر أن يصرخ بأعلى صوته ( نزار رستناوي- حبيب عيسى- فاتح جاموس- كمال اللبواني- عارف دليلة), لأنه في دولة البعث لا صوت يعلى على أصواتهم البعثية.
المواطن السوري تنتهك كرامته في كل لحظة يعيشها, وأساليب النظام القمعية, دفعت بهذا المواطن الخائف إلى أن يركض نحو لقمة عيشه, ودون أن يحاول أن يفكر بحياة بسيطة تشبه حياة المواطن الخليجي مثلا, أو اللبناني, أو التركي, أو الأردني أو أو!!!
لأنه في دستور النظام السوري الأمني والعسكري, ما على المرء إلا الصمت.
ولكن حينما وجد المعارض السوري , أن النظام قد اتخذ من الفردية نهجا , ومن الاستبداد والقمع مدرسة وفكرا, ومن الوطن حاضنة لمشاريعه الأنانية والغوغائية.
لم يجد هذا المعارض إلا بتفعيل نشاطه, مستفيدا من الأفكار الجديدة في الحريات والتغيير , وتنامي نفوذ المنظمات الدولية التي تعمل في مجال حماية حقوق الإنسان ونشر ثقافة الحريات الإنسانية وحقوقها.
والتراجع الدولي عن سياساته السابقة تجاه الشعوب, وإلغاء الفكرة بإبقاء حكم الديكتاتوريات المسلطة على حياة الشعوب تحقيقا للمصالح الدولية لبعض الدول ( أمريكا – بريطانيا- فرنسا), والأخذ بقرار العودة إلى الشعب ومساعدته في صنع حرياته, وحكم نفسه بنفسه, حيث إن الحكومات الديكتاتورية وسياساتها القمعية بحق شعوبها, أنتجت الإرهاب الأصولي الدولي, على حساب قضايا الشعوب المضطهدة, وحقها في تقرير مصيرها وبناء أوطانها بشكل حر ديمقراطي وعصري.
ورغم تزايد أعداد منظمات حقوق الإنسان في سوريا, إلا أنه من الملاحظ أن العديد من نشطائها ما زالوا يعيشون في عالم الخوف من أدوات الاستبداد, ورغم نشاطها النظري الهادف إلى تكريس قوانين حقوق الإنسان, ومنظومة الحريات الإنسانية.
إلا أنها مازالت تفتقد إلى النشاط العملي الواقعي الذي يدفعها نحو الأمام , ونحو مجتمع يساعدها إلى تقّبل الفكر الإنساني الحقوقي الجديد عليها , لتحل مكان ثقافات البعث المزروعة في عقولهم منذ أيام الطفولة.
ولا يمكن إلقاء اللوم على منظمات حقوق الإنسان السورية وحدها فهي حديثة الولادة والنشوء, لأن المسؤولية المطلقة يمكن أن نضعها في رقاب القوى الديمقراطية السورية, وأحزاب المعارضة السورية الوطنية, فهي تتهرب من واجباتها الوطنية والسياسية, تحت حجج مضحكة, وأحيانا لأسباب لا توحي إلينا سوى أنها ما زالت تعيش على أنقاض الماضي السياسي, وجملة المورثات التاريخية ذات الفكر الصامت, والقلق من ايقاظ مارد السلطة العنيف, ووضع أنفسهم ونشاطهم وطموحاتهم في دوائر مغلقة حمراء!!!!
والمؤسف أننا وجدنا هذه القوى والمنظمات ترفض القيام بأي عمل أو نشاط في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 2005, وإعلانهم أنهم متضامنين مع النظام ضد الهجمة الإمبريالية الأمريكية؟؟
واليوم وفي ذكرى اليوم العالمي لإعلان حقوق الإنسان 2006, تقف جميع القوى والمنظمات الحقوقية موقفا سيئا جدا جدا من هذه المناسبة, وتكتفي بأصدار بيان في المناسبة, والمخجل أن نجدهم يرفضون المشاركة في النشاط الذي دعت إليه لجنة التنسيق والمتابعة الكردية لأحزاب ( يكيتي الكردي- آزادي- تيار المستقبل), هذه الأحزاب التي أرادت الاحتفال بهذه المناسبة وبمشاركة كلا من ( المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا ماف- حركة الشباب الكردي- تجمع المثقفين الكرد) , من خلال مهرجان خطابي في مدينة القامشلي, وأيضا الاعتصام أمام مكتب الأمم المتحدة بدمشق لأجل تقديم مذكرة تعني بحالة حقوق الإنسان السوري, ولجوء تلك القوى من المعارضة السورية إلى دفن رأسها وخيباتها في رمال الشام, وحملت بيانها الورقي في جعبتها, وبصمت مطلق دخلت إلى مكتب الأمم المتحدة بدمشق ,خفية عن أنظار رجالات الأمن السوري, في حين كان الكورد والأحزاب الثلاثة تتعرض للضرب والشتائم والتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية في القامشلي, وتجرأ أدوات النظام على ضرب القيادات الكردية كما حدث مع القيادي في حزب يكيتي الكردي ونائب البرلمان السابق (فؤاد عليكو) والقيادي ( إبراهيم خلو) ومجموعة من رفاقهما!!!!!!!!
وتحول المهرجان الخطابي إلى مظاهرة, وتجمع حاشد لمئات الكورد , يقفون بهاماتهم في وجه أدوات القمع والاستبداد, من البوليس والمخابرات وقوات حفظ النظام والشرطة العسكرية, والأمن الداخلي والجنائي, الذين من المفروض عليهم حماية المواطن لا قمعه؟؟؟؟
لقد عّبر الشعب الكردي من جديد أنه الحاضر دوما في كل المحافل والمناسبات الوطنية والعالمية, وعكس صورة إنسانية في اليوم العالمي لحقوق الإنسان,وعن مدى الظلم والاضطهاد الممارس بحقه, وسطّر النظام ذلك اليوم بانتهاكات عنيفة ووحشية حاقدة, بحق الإنسان الكردي , بلغة الهراوة والعصا, ولتستمر حياة الكردي تحت غيوم الاستبداد البعثية.
وليظل الشعب الكردي في سوريا محروما من كل شيء, محروما من لغته الكردية وثقافته, ومن الحريات الإنسانية المشروعة, وعدم الاعتراف بوجوده القومي, لا في الدستور السوري, ولا من قبل العديد من قوى المعارضة الوطنية.
لقد شاءت الأقدار أن يلحق الكردي أرضا وشعبا ولغة ومصيرا بدولة سورية, أثر تناغم مصالح دول كبرى, وشاءت أيضا أن يساهم الكردي في نشوء دولة سوريا بعد تحريرها من الاستعمار الفرنسي, لكن كانت الأقدار تخبيء له مستقبلا اسود, مع سيطرة البعث على الحياة السورية.
ولتغمس قدما ذلك الكردي الإنسان داخل مستنقعات السلطة السورية, فتسلب منه روحه القومية, ومحو تاريخه العريق, وتعريبه اسما وهوية ومناطق, وليسلب الفلاح الكردي من أرضه , لتعّمر عليها مستوطنات لعرب الغمر, وتستمر المأساة الكردية لثلاثة ملايين إنسان .
سيناريوهات سلطوية عنوانها القمع والصهر والابادة والتعريب, لأناس هم الشعب الكردي في سوريا.
والسؤال إلى السلطة السورية وقوى المعارضة المتخاذلة, إلى متى مأساة الوطن سوريا! إلى متى الظلم وقمع الحريات بحق مواطني سوريا!
الم يحن الوقت للعودة إلى الوراء لإنقاذ ما احترق!
الم يحن الوقت لوضع حل ديمقراطي وعادل للقضية القومية الكردية في سوريا!!!
أسئلة قد لا نجد لها أجوبة , لا على السطور, ولا مابين السطور؟؟
ولنهنيء تلك الأحزاب والقوى الكردية في مدينة القامشلي , التي ذكّرت العالم اجمع في اليوم العالمي لحقوق الإنسان, أنه في سوريا لا وجود لشيء أسمه حقوق إنسان, وأنه في سوريا شعب كردي يموت ويحيا كالسنديان , ويعمل لأجل الحفاظ على تاريخه ووجوده القومي , ويسعى لعدالة وحقوق إنسانية متساوية.
شكرا للبوليس السوري .
شكرا لقوات الأمن السورية.
شكرا على ثقافة القمع والاستبداد بحق أبناء سوريا.
لقد وصلت الرسالة لكل مكان والتاريخ يدّون الحقائق ولا يرحم.
10122006
——-
* صحفي كردي وناشط في مجال حقوق الإنسان في سوريا