إبراهيم محمود
لا شك أن كل جماعة بشرية تحتفظ بمطبخ خاص بها، مهما كان اختلاطها بغيرها من الجماعات البشرية الأخرى.
إن خط سير المطبخ وتحرك عناصره، يتبعان ما هو متوفر في البيئة أو ما يُجلَب إليه من أنواع أطعمة نيئة أو لحوم أو غيرها من الأصناف التي يحصَل عليها من الطبيعة أو بالزراعة بأسمائها المختلفة، والعلاقات السلعية فاعلة في هذا المضمار.
لامجال هنا للحديث عن نوعية المطبخ وكيفية إعداده أو فصله عما عدَاه داخل البيت مهما اختلف تكوينه أو حجمه، ما يهم هو أن ثمة أيدٍ تحمل سمات بشرية معينة تترك في هذا المطبخ الخاص بها بصْمتها، فالمطبخ ذو أهلية فولكلورية وأثنية! والطبخ اسم جامد، يرتد إلى لون محدد من المطبوخ أو أكثر، يتم التغيير فيه، ليتم الحصول على طعام معدٍّ للأكل.
إن خط سير المطبخ وتحرك عناصره، يتبعان ما هو متوفر في البيئة أو ما يُجلَب إليه من أنواع أطعمة نيئة أو لحوم أو غيرها من الأصناف التي يحصَل عليها من الطبيعة أو بالزراعة بأسمائها المختلفة، والعلاقات السلعية فاعلة في هذا المضمار.
لامجال هنا للحديث عن نوعية المطبخ وكيفية إعداده أو فصله عما عدَاه داخل البيت مهما اختلف تكوينه أو حجمه، ما يهم هو أن ثمة أيدٍ تحمل سمات بشرية معينة تترك في هذا المطبخ الخاص بها بصْمتها، فالمطبخ ذو أهلية فولكلورية وأثنية! والطبخ اسم جامد، يرتد إلى لون محدد من المطبوخ أو أكثر، يتم التغيير فيه، ليتم الحصول على طعام معدٍّ للأكل.
يعني ذلك أن المطبخ مجال واسع، غير محدد، لأصناف المأكولات التي يُتفنَّن في تحضيرها: إعداداً وتقطيعاً وترتيباً وفهم علاقات وعدَّة طبخ، وأدوات للطبخ (النار، وطرق الحصول عليها)، وزمناً مدرَكاً، وتذوقاً معيناً لإنجاح عملية الطبخ.
هنا تأتي الطبخة كعملية لاحقة على كل بدء بالعمل المطبخي.
إن الطبخة لا تقال، إلا بوجود من هم معنيون بها من الطباخين، أو لا بد أن يكونوا على بيّنة من أصول الطبخ، وقد تنوعت عناصر الطبخ ومواده وأدواته بمعدّيه ومنتظريه.
في الحالات كافة، ثمة إمكان إعداد الطبخة من قبل شخص واحد أو أكثر حسب نوعيتها أو أهميتها، وخاصة في عالم اليوم، وقد تنوعت الأصناف واختلفت الأذواق وتغيرت الأمكنة وثقافة الطعام، وصار من الضروري التنبُّه إلى أهمية الطبخ في عالم العلاقات الاجتماعية وضبطها أو تنويعها والالتفاتة إلى مكانتها الرمزية (العزيمة أو الوليمة أكثر من طبخة، في قائمة علاقات اجتماعية تشمل أفراداً وجماعات، وتدل على طبائع وقيم وأذواق أو سجايا يحتّمها نوع المطبوخ)، حيث إن عالم الطبخ الواسع اليوم لم يعد مقتصراً على ما هو خاص بالمطبخ الكردي أو العربي أو التركي أو غيره، من خلال انتشار المطاعم أو اختلاط البشر بقدر ما اتسعت حدوده، وتداخلت الأذواق من خلال ما هو جاهز ومدفوع الثمن.
إلا أن كل هذا التحول العولمي، لا يمنع من الحديث عن المطبخ ودوره في عالم اليوم، ومن يكونون قيمين عليه بالنسبة لجماعة بشرية كاملة، إذ تجاوز المطبخ حدود الطعام المعدّ، وصار يحوز على ما نهتم به في علاقاتنا، نظراً لقابلية هذا الاسم وإمكان تطبيقه على سواه، نظراً لانفتاحه على حياة كاملة، وإمكان القول بالمطبخ السياسي والاجتماعي والثقافي والأدبي والفولكلوري والجمالي، وللائحة الروائح فتنتها ودورها الفعال في تقصّي نوعية المطبوخ ومكانة طابخه.
لم يعد الطبخ مقتصراً على جنس معين، حيث الكلام لا يأتي على ذكر (ست البيت) عند البعض، كما هو حال الطباخين الذكور في أغلبية المطاعم، من خلال مفهوم (الشيف: المعلم، ليبقى الشيف باسمه ودلالته، أكثر تداولاً من المعلم، نظراً للأثر غير الحميد أحياناً له)، وصار المطبخ متنقلاً، متداولاً، رحالة، من خلال المعنيين به، والروائح منتشرة أو دالة عليه بقدر ما تكون مسمّية القيمين عليه حين يوجد أكثر من شيف، في المطابخ الكبيرة).
تعلِمنا الطبخة هنا بمدلولها السياسي مباشرة، أو بما يتم الإعداد له وترقب انتشار رائحة، رائحة محددة دالة، ومن هم منتظرو هذه الطبخة، ومدى تأثيرها على معدِهم أو ميولهم أو أذواقهم.
إن الطبخة تختصر طرقاً كثيرة للتعريف برموزها.
إن هذا الثراء الكبير للمطبخ، وما يكونه الطبخ في متحولات عناصره من خلال التسخين وضبط الحرارة..الخ، وما انتهت إليه الطبخة كسلوك مركَّب يشمل المهضوم معدياً والمقدَّر ذوقياً أو عقلياً، والجاري تقديره صحياً، إن هذا الثراء هو الذي أضفى على الطبخة مكانة لافتة، وخطورة أثر، إلى درجة التيقظ مما يحضَّر، لأن المطبوخ يغذي جماعة أو أمة، وأن الذي يردُ منه هو المنتظَر من شعب كامل أو قطاع محتسب فيه، فيكون الطعام قيماً وترجمان أحوال وسجلاً لها.
ربما طال الحديث عن الطبخ ومكوناته وموقعه في عالم الإنسان، وهو لم يكن كذلك إلا لقول المنتظَر، كما هي فعالية الطبخة في الزمان والمكان، عندما يمكن الحديث عن دور الكردي فيما يطبخه أو فيما يطبخ له ذاتياً أو من خارجه.
بالتأكيد، لن يتلمظ أحد من الكرد، لحظة قراءة المكتوب هنا، حتى لو استبد الجوع به، ربما العكس هو الصحيح، أي إنه سينسى أن له معدة أو دافع جوع مثار، لأن ثمة ما هو اجتماعي متقدم، وبالتالي، فإنه يتهيأ لما هو محفّز له: أن يركّز حاسة شمه، أو يشد على أنفه، أو يشده الفضول لمعرفة المخبأ في طنجرة الطبخ العادية أو البخارية أو غيرها،إذ لا أحد يجهل التاريخ الحافل بالطبخات السيئة والمسمومة والمعدَّة للكردي، طبخات تنسيه تاريخه، وميزته عن سواه، أو طبخات أعدت له بتأن” على نار هادئة ، وخفية”، وأُعلِم أنه موعود بأكل لم يعهده من قبل، كما هو شأن الذين تمكنوا منه خارجاً.
لا أحد يُلام هنا، وهو غريب طبعاً، ويتربص به الدوائر “أي بالكردي”، لتسميمه أو جعله مجرد “حيوان معدة” لينسى أنه صاحب اسم ومكان وتاريخ وثقافة، لا تذكَر المعدة إلا في حالات محددة جداً، لأن المطبخ مبني بعيداً عنه، والطبخة التي أعدت له بغير علمه أو دون إخباره بمكوناتها، ليجري تركيبه في نفسه وذاكرته على قياس أهل الطبخة أولاء.
أظن أن اللبيب من الكرد، يمتلك حاسة متقدمة الآن، وهو إزاء المثار حتى اللحظة، وأنه مفارق معدته، ولو أن به جوعاً، نظراً للقرحات التي سببتها له معدته بسبب الطبخات التي أعِدت له، ليس من قبل أعدائه هذه المرة، وإنما من جهة الذين طمأنوه وأوعزوا إليه على أن كل شيء محضَّر بدقة، وأن لا داعي – حتى- للسؤال- عن الطبخة ومن يشرف عليها، لأن المصلحة واحدة، لا بل أكثر من ذلك، لأن أهل الطبخ أكثر اطلاعاً ومعرفة بنوعية حاجات السائل وما يناسبه من أطعمة.
فكان ما كان، حيث إن قراءة تاريخنا الكردي، تري فداحة وفضائحية في المطبوخ ومن سمَّوا أنفسهم “شيفيين” كرداً! منذ عقود زمنية طويلة، وسيرة الطبخات الكردية سيئة الصيت، من خلال روائحها التي تزكم الأنوف، لأن الذين أسلموا القياد لأهل” الرشاد” أحالوهم دون العباد، وقد شتتوا شملهم في البلاد، وأن الطبخة التي تلت أختها، كانت تنافسها في رداءة المطبوخ من خلال الأثر الرجعي، كما هو المرئي أو المشموم في المطبخ الكردي المتحول هنا وهناك.
ربما هي الثقة المطلقة التي فعَّلت ما فعلته في الطبخة الكردية الشائطة أو التي تواصل احتراقها، الثقة التي منحها الكردي الذي يؤمن أن مجرد سماع كلمة الكردي من سواه، تغنيه عن مطالبة الآخر بشهادة حسن سلوك اجتماعية، ومهارة في الطبخ، وهي الثقة التي لمّا تزل قائمة بنسب مختلفة، وإلا، فكيف نبرر وجود هذا الكم اللافت من الطبخات ذات الأحجام والأصناف المختلفة، وسط كم لافت من الطباخين، وكل منهم يتوعد البقية أو يتهدده ولو في السر أن طبخته أكثر تناسباً مع أذواق كرده العاديين أو من حزبييه الكرد، وأن انتشاء كل منهم، وهو في موقعه السياسي، محاطاً بعدة مطبخه وأدواته وتوابله المغلفة وغيرها ممن فقدت صلاحية الاستعمال منذ زمن، هو انتشاء يؤخَذ به، لأنه يجعله يفكر في نوعية الضربة الموجهة إلى خصومه أو منافسيه في الطبخ، لتبقى الطبخة على نارها زقوماً على زقوم.
لا أتحدث هنا، بلغة التشفي من الطباخ السياسي” إذا كان مدركاً للسياسة في عالم اليوم كما يجب!”، إنها الوقائع التي تتحدث وهي تلزمني في أن ألتفت إليها، حيث الروائح الحرّيفة تصدم الأنف وحتى العين لحدّتها وشدتها، دون نسيان أن ثمة أحاديث عن طبخات قائمة ليست أكثر من وهم، ولأن رائحة الشم الفطرية، من أي كردي حريص على كرديته، وعلى علاقته المتوازنة مع آخرين يختلفون عنه انتماء أثنياً، رائحة لا تخطيء في تحديد نوعية الطبخة و “شيفها”..
تُرى كم عدد طباخينا الكرد من ساسة أحزاب مخضرمين، ومن برسم الخضرمة، ومن يعتبرون أنفسهم ذوي صلاحية في إعداد كل الطبخات، من خلال بطاقات معدَّة لهذا الغرض، ومن يتحركون في ركابهم، ويمارسون دعاية لهم، أو بث إعلانات متنقلة ومصورة، أي بالصوت والصورة، ممن يعـِدُون معدهم بما هو شهي مؤجَّل حتى اللحظة، تحت تأثير قناعة مسوَّقة من داخل هذا المطبخ التحزبي أو ذاك، كما لو أن التفكير بالطبخ غير وارد دون المرور بطباخ من هؤلاء، حيث إن التفكير في الكلمة المتداخلة معها” خبطة”: كل طبخة خبطة، تتوعد بما صادم للمعدة هنا وهناك! إن الحديث عن الطبخ، وعن الطبخة المعتبَرة كردية اليوم أو راهناً، يكتسب أهميته من خلال طبيعة المستجدات لا بل والتحديات المصيرية التي نعيشها محلياً وإقليمياً وعالمياً كذلك، حيث الكردي المتابع لما يجري سورياً وخارج نطاق السوري، على علم لمّاح بما يجري من إعداد طبخات: سريعة ونافذة المفعول، وطبخات تُعد بمهارة وحصافة، وعلى أعلى مستوى، تغري بمراقبتها وشمها وحتى تذوقها، رغم كل المخاطر المحتملة، لأن ثمة جوعاً أدهى من الجوع الذي يشن هجومه الجسدي من المعدة المقرقرة، جوع إلى الحياة التي يُتنافَس عليها، بينما يجري الحديث، ويا له من حديث صادم للذوق، حديث مزمن، يجري، عن طبخة كردية لم تستوف شروط طبختها بعد، وحولها انتشر طباخون، كل منهم يهز مغرفة تفوقه طولاً، في وجه الواقف أمامه، أو يدير ظهره إلى الطنجرة الطباخة، مواجهاً أنصاره ورفاقه والذين يريدهم أن يأخذوا بأمره علماً، أن ليس لطبخته وطريقته في الطبخ من نظير، وثمة رائحة البخار التي تتصاعد وتملأ الأجواء إلى درجة غياب طباخينا الكرد” الشيفيين” عن أنظار عامتهم، وهي تنش وتفش..ششششششششششششش!
هنا تأتي الطبخة كعملية لاحقة على كل بدء بالعمل المطبخي.
إن الطبخة لا تقال، إلا بوجود من هم معنيون بها من الطباخين، أو لا بد أن يكونوا على بيّنة من أصول الطبخ، وقد تنوعت عناصر الطبخ ومواده وأدواته بمعدّيه ومنتظريه.
في الحالات كافة، ثمة إمكان إعداد الطبخة من قبل شخص واحد أو أكثر حسب نوعيتها أو أهميتها، وخاصة في عالم اليوم، وقد تنوعت الأصناف واختلفت الأذواق وتغيرت الأمكنة وثقافة الطعام، وصار من الضروري التنبُّه إلى أهمية الطبخ في عالم العلاقات الاجتماعية وضبطها أو تنويعها والالتفاتة إلى مكانتها الرمزية (العزيمة أو الوليمة أكثر من طبخة، في قائمة علاقات اجتماعية تشمل أفراداً وجماعات، وتدل على طبائع وقيم وأذواق أو سجايا يحتّمها نوع المطبوخ)، حيث إن عالم الطبخ الواسع اليوم لم يعد مقتصراً على ما هو خاص بالمطبخ الكردي أو العربي أو التركي أو غيره، من خلال انتشار المطاعم أو اختلاط البشر بقدر ما اتسعت حدوده، وتداخلت الأذواق من خلال ما هو جاهز ومدفوع الثمن.
إلا أن كل هذا التحول العولمي، لا يمنع من الحديث عن المطبخ ودوره في عالم اليوم، ومن يكونون قيمين عليه بالنسبة لجماعة بشرية كاملة، إذ تجاوز المطبخ حدود الطعام المعدّ، وصار يحوز على ما نهتم به في علاقاتنا، نظراً لقابلية هذا الاسم وإمكان تطبيقه على سواه، نظراً لانفتاحه على حياة كاملة، وإمكان القول بالمطبخ السياسي والاجتماعي والثقافي والأدبي والفولكلوري والجمالي، وللائحة الروائح فتنتها ودورها الفعال في تقصّي نوعية المطبوخ ومكانة طابخه.
لم يعد الطبخ مقتصراً على جنس معين، حيث الكلام لا يأتي على ذكر (ست البيت) عند البعض، كما هو حال الطباخين الذكور في أغلبية المطاعم، من خلال مفهوم (الشيف: المعلم، ليبقى الشيف باسمه ودلالته، أكثر تداولاً من المعلم، نظراً للأثر غير الحميد أحياناً له)، وصار المطبخ متنقلاً، متداولاً، رحالة، من خلال المعنيين به، والروائح منتشرة أو دالة عليه بقدر ما تكون مسمّية القيمين عليه حين يوجد أكثر من شيف، في المطابخ الكبيرة).
تعلِمنا الطبخة هنا بمدلولها السياسي مباشرة، أو بما يتم الإعداد له وترقب انتشار رائحة، رائحة محددة دالة، ومن هم منتظرو هذه الطبخة، ومدى تأثيرها على معدِهم أو ميولهم أو أذواقهم.
إن الطبخة تختصر طرقاً كثيرة للتعريف برموزها.
إن هذا الثراء الكبير للمطبخ، وما يكونه الطبخ في متحولات عناصره من خلال التسخين وضبط الحرارة..الخ، وما انتهت إليه الطبخة كسلوك مركَّب يشمل المهضوم معدياً والمقدَّر ذوقياً أو عقلياً، والجاري تقديره صحياً، إن هذا الثراء هو الذي أضفى على الطبخة مكانة لافتة، وخطورة أثر، إلى درجة التيقظ مما يحضَّر، لأن المطبوخ يغذي جماعة أو أمة، وأن الذي يردُ منه هو المنتظَر من شعب كامل أو قطاع محتسب فيه، فيكون الطعام قيماً وترجمان أحوال وسجلاً لها.
ربما طال الحديث عن الطبخ ومكوناته وموقعه في عالم الإنسان، وهو لم يكن كذلك إلا لقول المنتظَر، كما هي فعالية الطبخة في الزمان والمكان، عندما يمكن الحديث عن دور الكردي فيما يطبخه أو فيما يطبخ له ذاتياً أو من خارجه.
بالتأكيد، لن يتلمظ أحد من الكرد، لحظة قراءة المكتوب هنا، حتى لو استبد الجوع به، ربما العكس هو الصحيح، أي إنه سينسى أن له معدة أو دافع جوع مثار، لأن ثمة ما هو اجتماعي متقدم، وبالتالي، فإنه يتهيأ لما هو محفّز له: أن يركّز حاسة شمه، أو يشد على أنفه، أو يشده الفضول لمعرفة المخبأ في طنجرة الطبخ العادية أو البخارية أو غيرها،إذ لا أحد يجهل التاريخ الحافل بالطبخات السيئة والمسمومة والمعدَّة للكردي، طبخات تنسيه تاريخه، وميزته عن سواه، أو طبخات أعدت له بتأن” على نار هادئة ، وخفية”، وأُعلِم أنه موعود بأكل لم يعهده من قبل، كما هو شأن الذين تمكنوا منه خارجاً.
لا أحد يُلام هنا، وهو غريب طبعاً، ويتربص به الدوائر “أي بالكردي”، لتسميمه أو جعله مجرد “حيوان معدة” لينسى أنه صاحب اسم ومكان وتاريخ وثقافة، لا تذكَر المعدة إلا في حالات محددة جداً، لأن المطبخ مبني بعيداً عنه، والطبخة التي أعدت له بغير علمه أو دون إخباره بمكوناتها، ليجري تركيبه في نفسه وذاكرته على قياس أهل الطبخة أولاء.
أظن أن اللبيب من الكرد، يمتلك حاسة متقدمة الآن، وهو إزاء المثار حتى اللحظة، وأنه مفارق معدته، ولو أن به جوعاً، نظراً للقرحات التي سببتها له معدته بسبب الطبخات التي أعِدت له، ليس من قبل أعدائه هذه المرة، وإنما من جهة الذين طمأنوه وأوعزوا إليه على أن كل شيء محضَّر بدقة، وأن لا داعي – حتى- للسؤال- عن الطبخة ومن يشرف عليها، لأن المصلحة واحدة، لا بل أكثر من ذلك، لأن أهل الطبخ أكثر اطلاعاً ومعرفة بنوعية حاجات السائل وما يناسبه من أطعمة.
فكان ما كان، حيث إن قراءة تاريخنا الكردي، تري فداحة وفضائحية في المطبوخ ومن سمَّوا أنفسهم “شيفيين” كرداً! منذ عقود زمنية طويلة، وسيرة الطبخات الكردية سيئة الصيت، من خلال روائحها التي تزكم الأنوف، لأن الذين أسلموا القياد لأهل” الرشاد” أحالوهم دون العباد، وقد شتتوا شملهم في البلاد، وأن الطبخة التي تلت أختها، كانت تنافسها في رداءة المطبوخ من خلال الأثر الرجعي، كما هو المرئي أو المشموم في المطبخ الكردي المتحول هنا وهناك.
ربما هي الثقة المطلقة التي فعَّلت ما فعلته في الطبخة الكردية الشائطة أو التي تواصل احتراقها، الثقة التي منحها الكردي الذي يؤمن أن مجرد سماع كلمة الكردي من سواه، تغنيه عن مطالبة الآخر بشهادة حسن سلوك اجتماعية، ومهارة في الطبخ، وهي الثقة التي لمّا تزل قائمة بنسب مختلفة، وإلا، فكيف نبرر وجود هذا الكم اللافت من الطبخات ذات الأحجام والأصناف المختلفة، وسط كم لافت من الطباخين، وكل منهم يتوعد البقية أو يتهدده ولو في السر أن طبخته أكثر تناسباً مع أذواق كرده العاديين أو من حزبييه الكرد، وأن انتشاء كل منهم، وهو في موقعه السياسي، محاطاً بعدة مطبخه وأدواته وتوابله المغلفة وغيرها ممن فقدت صلاحية الاستعمال منذ زمن، هو انتشاء يؤخَذ به، لأنه يجعله يفكر في نوعية الضربة الموجهة إلى خصومه أو منافسيه في الطبخ، لتبقى الطبخة على نارها زقوماً على زقوم.
لا أتحدث هنا، بلغة التشفي من الطباخ السياسي” إذا كان مدركاً للسياسة في عالم اليوم كما يجب!”، إنها الوقائع التي تتحدث وهي تلزمني في أن ألتفت إليها، حيث الروائح الحرّيفة تصدم الأنف وحتى العين لحدّتها وشدتها، دون نسيان أن ثمة أحاديث عن طبخات قائمة ليست أكثر من وهم، ولأن رائحة الشم الفطرية، من أي كردي حريص على كرديته، وعلى علاقته المتوازنة مع آخرين يختلفون عنه انتماء أثنياً، رائحة لا تخطيء في تحديد نوعية الطبخة و “شيفها”..
تُرى كم عدد طباخينا الكرد من ساسة أحزاب مخضرمين، ومن برسم الخضرمة، ومن يعتبرون أنفسهم ذوي صلاحية في إعداد كل الطبخات، من خلال بطاقات معدَّة لهذا الغرض، ومن يتحركون في ركابهم، ويمارسون دعاية لهم، أو بث إعلانات متنقلة ومصورة، أي بالصوت والصورة، ممن يعـِدُون معدهم بما هو شهي مؤجَّل حتى اللحظة، تحت تأثير قناعة مسوَّقة من داخل هذا المطبخ التحزبي أو ذاك، كما لو أن التفكير بالطبخ غير وارد دون المرور بطباخ من هؤلاء، حيث إن التفكير في الكلمة المتداخلة معها” خبطة”: كل طبخة خبطة، تتوعد بما صادم للمعدة هنا وهناك! إن الحديث عن الطبخ، وعن الطبخة المعتبَرة كردية اليوم أو راهناً، يكتسب أهميته من خلال طبيعة المستجدات لا بل والتحديات المصيرية التي نعيشها محلياً وإقليمياً وعالمياً كذلك، حيث الكردي المتابع لما يجري سورياً وخارج نطاق السوري، على علم لمّاح بما يجري من إعداد طبخات: سريعة ونافذة المفعول، وطبخات تُعد بمهارة وحصافة، وعلى أعلى مستوى، تغري بمراقبتها وشمها وحتى تذوقها، رغم كل المخاطر المحتملة، لأن ثمة جوعاً أدهى من الجوع الذي يشن هجومه الجسدي من المعدة المقرقرة، جوع إلى الحياة التي يُتنافَس عليها، بينما يجري الحديث، ويا له من حديث صادم للذوق، حديث مزمن، يجري، عن طبخة كردية لم تستوف شروط طبختها بعد، وحولها انتشر طباخون، كل منهم يهز مغرفة تفوقه طولاً، في وجه الواقف أمامه، أو يدير ظهره إلى الطنجرة الطباخة، مواجهاً أنصاره ورفاقه والذين يريدهم أن يأخذوا بأمره علماً، أن ليس لطبخته وطريقته في الطبخ من نظير، وثمة رائحة البخار التي تتصاعد وتملأ الأجواء إلى درجة غياب طباخينا الكرد” الشيفيين” عن أنظار عامتهم، وهي تنش وتفش..ششششششششششششش!
==========