الكلمة التي ألقيت في مؤتمر المعارضة السورية باستانبول 26-3-2012

د.

عبدالباسط سيدا

أيها الحضور الكريم يا أبناء وبنات شعبنا السوري العزيز

بداية اسمحوا لي أن أتوجه بالتحية والإجلال إلى أرواح شهدائنا، شهداء ثورة الحرية والكرامة السورية المستمرة؛ هذه الثورة التي دخلت قبل أيام عامها الثاني لتؤكد أن السوريين، كل السوريين، بكل مكوّناتهم وجهاتهم وتوجهاتهم، يثبتون اليوم أنهم خير أخلاف لأولئك الأسلاف الذين قدموا إلى العالم أبجدية الحرف والحرفة.

فها هم أحفادهم يقدمون إلى العالم أبجدية الشجاعة الأسطورية بكل مقاييسها، ويثبتون كل يوم أنهم لن يتراجعوا مهما حدث، ومهما تجاهلهم أولئك الذين باتت المصالح هي الموجهة لقيمهم.
عام مضى من عمر ثورتنا السورية؛ عام نتباهى به ونعتز، ولكنه في الوقت ذاته عام مفعم بعذابات وآلام لا يتصورها أي عقل، ولا يجد تفسيراً لها أي باحث سوى أنه عام يجسّد تراكمات عقود من الاستبداد والإفساد، استبداد سطّح العقول والضمائر، وإفساد مكّم التعفن من الوصول حتى إلى البواطن.
ولكن شبابنا وشاباتنا الذين هم مستقبل سورية الذين آلوا على أنفسهم أن يقطعوا مع النظام الاستبداد والإفساد، ومع أدوات تفكير الاستبداد ومنظومته المفهومية التي رسخت على مدى عقود طوال مسلمات زائفة، وقيم لم تنسجم قط مع أصالة ونبل شعبنا.
ما تشهده سورية اليوم هي ثورة شاملة ثورة ترمي إلى بناء سورية جديدة ديمقراطية تعددية مدنية، تكون بكل أبنائها ولكل أبنائها.

ثورة لتعيد بناء البيت السوري ليكون الوطن هو الحاضنة الدافئة التي تمنح الطمأنينة للجميع، وتؤكد للجميع أن شهداءنا، شقائق النعمان الذين ضحوا بأعز ما يمتلكه الإنسان وهم يحلمون بالربيع المنتظر لكل السوريين والسوريات.


عام مضى من عمر الثورة، وما زلنا نتحدث عن وحدة المعارضة، وهو أمر لافت بذاته، يؤكد بأننا لم نتمكن بعد من تمثل معاني وأبعاد ودلالات ثورة الشباب السوري؛ هذه الثورة التي تصر كل يوم على أن الهدف الأساسي هو القطع مع سلطة الاستبداد والإفساد، وهو الهدف المركزي المحوري الذي تتمفصل حوله سائر الأهداف الأخرى.
وهذا الهدف المحوري إذا تمثلناه، والتزمناه لأصبحت كل الخلافات بين من يريد الغيير فعلاً عبثية، هامشية.

وما نتمناه ونتوخاه هو أن يرتقي مؤتمرنا هذا إلى مستوى ما تطالب بع عذابات الأمهات، وتطلعات الأبناء والأحفاد.

أيها الأخوة، أيتها الأخوات

لقد عاش السوريون بكل مكوّناتهم ظلما قلّ نظيره في عالمنا المعاصر؛ لكن ظلم الشعب الكردي كان مركباً.

فقد عانى الكرد من الظلم العام الذي شمل كل السوريين، وعانوا في الوقت ذاته من ظلم تقصّده تحديداً بناء على انتمائهم القومي؛ وقد تمظهر هذا الظلم المركب في اضطهاد مزدوج تمثّل في حرمان الكرد من سائر حقوقهم القومية المشروعة من ثقافية وسياسية وإدارية واجتماعية وغيرها، وهي حقوق تنص عليها سائر المواثيق والأعراف الدولية؛ وتعرضهم في الوقت ذاته لجملة من السياسات والإجراءات التمييزية المنهجية المبرمجة، تجسدت في مصادرة الأراضي، ونزع الجنسية، والتعريب القسري، وسد أبواب كليات الشرطة والجيش والمنح الدراسية والوظائف العليا أمام الشباب الكردي.

هذا إلى جانب جعل المناطق الكردية في سورية من أكثر مناطق البلاد اهمالاً ونهباً.
وعلى الرغم من كل الظروف القاسية، خاض الكرد على مدى عقود نضالاً سلمياً ديمقراطياً عنيداً من أجل انتزاع حقوقهم المشروعة في إطار نظام ديمقراطي يضمن حقوق سائر السوريين؛ ولم تخل السجون السورية من السجناء السوريين الكرد في أي يوم من الأيام.

وقد كان الكرد سباقين إلى تحطيم الصنم أثناء الانتفاضة الكردية المباركة 2004.
وقد شارك الكرد إخوتهم العرب، وسائر المكونات السورية الأخرى الثورة السورية منذ أيامها الأولى، وذلك إيمانا منهم بضرورة القطع مع السلطة التي أنهكت البلاد والعباد.

وأرهقت الإنسان السوري على المستويين المادي الاقتصادي، والمعنوي القيمي.


ومن هنا، فإننا نرى ضرورة التعامل مع القضية الكردية في سورية بوصفها قضية عامة تخص كل السوريين، وهي تحل ضمن إطار سورية المدنية الديمقراطية التعددية الموحدة.

أيها الأخوة أيتها الأخوات

إن سورية المستقبل التي يتطلع إليها السوريون هي التي تطمئن سائر أبنائها بكل توجهاتهم وانتماءاتهم وطوائفهم ومذاهبهم، ولا يجوز لأي كان أن يخشى من المستقبل القادم، وهذا يستوجب إزالة الهواجس عبر عقود مكتوبة، وتعزيز الثقة عبر ممارسات فعلية على الأرض، والاتفاق منذ الآن على آلية لحل الخلافات التي يمكن أن تحدث مستقبلاً، بل أنها ستحدث من دون شك.

بمثل هذه الإرادة علينا أن نتحاور اليوم، ونسمو فوق الخلافات والنوزاع الشخصية، ونلتزم المصلحة العامة لشعبنا الثائر الذي هو اليوم بأمس الحاجة إلى تضامننا ووحدتنا أكثر من أي وقت مضى.
علينا أن نثبت لشعبنا وللعالم بأسره بأننا نتملك الرغبة والإرادة والقدرة لتوحيد الصف الوطني السوري، حتى نتمكن معاً من بناء سورية المستقبل التي ستعتز بكل أبنائها، وستكون واحة وئام وانسجام في المنطقة، تساهم بفاعلية في تحقيق الاستقرار والتمازج الحضاري بين كل شعوبها.

الرحمة لشهدائنا.

العزيمة لشبابنا وشاباتنا.

وعاشت سورية عزيزة حرة كريمة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…