حسين جلبي
لا المجلس الوطني السوري بمجموع أعضائه و مؤازريه رفٌ من الملائكة، و لا المجلس الوطني الكُردي و معاضديه فطاحلَ سياسة، فالأول لا يرى مظاهرات الكُرد ضد النظام مهما كان حجمها أو تأثيرها، و لا يضع بالتالي على كفة ميزانه إلا كمية الدماء التي يريقها النظام خلال تلك التظاهرات، و الثاني يرى نفسه صاحب قضية عادلة و كفى، و بسبب عدالة القضية فهو يرغب بالوصول إلى النتيجة بأسهل الطرق و أقلها تكلفة.
إن أقل توصيف يمكن إطلاقه على ما جرى في إسطنبول خلال الأيام القيليلة الماضية هو فشل المجلس الوطني الكُردي في إقناع المعارضين السوريين بوجهة نظره، و ذلك بإيراد مقترحاته حول حل القضية الكُردية في سوريا في و ثيقة العهد الوطني، و فشل المجلس الوطني السوري نفسه في تجاوز العقلية الإقصائية، و هي الوباء الذي يضرب أطنابه في المنطقة منذ عقود، هذا الفشل المزدوج صب في النهاية في طاحونة النظام السوري.
لكن الحقيقة هي أن فشل المجلس الوطني الكُردي كان مجلجلاً، فلقد ذهب و في جعبته ورقة لا يقبل التفاوض عليها، فإما الأخذ بها كما هي غير منقوصة أو لا شئ آخر، و الأمر الثاني هو الذي حصل فعلياً من خلال عودته خالي الوفاض.
و قد كان بإمكان هذا المجلس قبل التوجه إلى إسطنبول إستقصاء أجواءها فيما إذا كانت ترجح التوجه نحو الإقرار بمضمون و ثيقته، و البحث عن بدائل لذلك في جميع الأحوال، كان بإمكانه الإمتناع عن الذهاب في حال وجد الوضع غير ملائم، لإن الإنسحاب الذي تم هو للأسف أسلوب هواة و ليس لغة أصحاب الحقوق، و هو قد أساء إلى صورة الكُرد، إذ أظهرهم و كأنهم العائق الذي يحول دون وحدة المعارضة السورية، من خلال الإتفاق على توحيد وجهة نظرها في سوريا المستقبل، و هذه الحجة ـ أي تشتت المعارضة ـ هي ما يستند إليها الكثيرون في سحب إعترافهم بالنظام السوري و نقل هذا الإعتراف إلى المعارضة السورية ممثلةً بالمجلس الوطني الذي إختاره الثوار على الأرض كممثل شرعي للشعب السوري، و يزيد نتيجة ذلك من المآسي على الأرض.
أما المجلس الوطني السوري فيبدو و كأنه لا يبالي كثيراً بإنسحاب الكُرد من الإنضمام إلى وثيقة العهد الوطني، إذ يظهر هذا المجلس و كأنه يعيش نشوة جمع طيف واسع من معارضي النظام، و كأن الكُرد هم مجرد فصيل معارض و ليس مكون مختلف له حقوقه، و لذلك يترقب السوري مؤتمر إصدقاء سوريا المقبل من موقع قوة، و هو يقول تارةً بأنه لا يزال يقر بحقوق الكُرد الواردة في مؤتمره السابق في تونس، و لا زال يجري إتصالات جانبية مع المجلس الكُردي في محاولة التوصل معه إلى تقريب وجهات النظر معه تارة أُخرى.
و حقيقةً فإن (وثيقة العهد الوطني) ليست سوى وثيقة مؤقتة لن تتجاوز في تأثيرها و حتى في مضمونها اليوم التالي لسقوط النظام، إذ لن يعود أحدٌ يتذكرها بعد ذلك، و الغاية الرئيسية منها هي إظهار المعارضة السورية موحدة تجاه العالم سداً للذرائع، و خاصةً تجاه أولئك الذين يتحججون بتشتت المعارضة كسببٍ في الإمتناع عن دعمها.
إن مشكلة المجلس الوطني الكُردي هي في توجهه بكل طاقته للمطالبة بحقوق الشعب الكُردي إلى من لا يملك هذه الحقوق و لا يستطيع بالتالي إعطاءها، و كأن الوثيقة العتيدة هي كل شئ، و يتناسى هنا أن حقوق الشعب الكُردي يتفق عليها الكُرد بعد سقوط النظام مع شركاءهم الحقيقين في الوطن، أولئك الذين يخرجون يومياً إلى شوارع سوريا للتظاهر ضد الديكتاتورية، الذين عرفوا طعم الظلم و ليسوا بوارد إلحاقه بغيرهم، إذ إنه و بعد سقوط النظام سيكون من السهل تحقيق حقوق جميع السوريين كاملةً غير منقوصة، فما أكثر الوسائل السلمية لتحصيلها، من المفاوضات إلى التظاهر إلى الإعتصامات التي ربما لن يحتاج أحدٌ للجوء إليها، و هي إن تمت فلن تجابه بعنف، إذ لا طائرات و لا دبابات و لا شبيحة ستتعرض للكُرد بعد السقوط.
إن أخطر ما يجري الآن هو محاولة تعميم خيبة الأمل هذه في الشارع السوري، و هو ما سيؤدي إلى خلق إنقسام بين الشارعين الكُردي و العربي و كأن المشكلة هي مع الأشقاء العرب و ليس خلاف مع مجموعة إكتسبت شرعية التمثيل في ظروف إستثنائية و من الممكن أن تفقده في حال زالت تلك الظروف، كما أخذ البعض يدعو إلى فك الإرتباط مع المعارضة السورية متناسين أن الأساس في تلك الروابط هو وحدة الدم الذي يسيل اليوم بيد القاتل نفسه، لا بل أن هناك شعورٌ بدء يتكون بضرورة الإنكفاء على الذات و إعادة النظر في جميع الخيارات المتاحة حتى لو أدى أحدها إلى النظام، و هذا أخطر ما في الأمر.
إن وثيقة العهد الوطني هي وثيقة عامة لا تتطرق للتفاصيل موجهة إلى الخارج، كنا نود حقاً لو أنها تضمنت تفاصيل حقوق الشعوب السورية و الشعب الكُردي المتعطش لرؤية حقوقه متجسدة في وثائق رسمية، لكن ذلك لم يحصل و هذا ليس نهاية العالم، لأن ثمة حقيقة يجب أن لا تغيب عن أحد هي أن لا أحد مهما كان حجمه، و لا وثيقة مهما كانت قوتها أو لونها تستطيع أن تحرم الكُرد من حقوقهم التي تقر بها المواثيق و العهود الدولية.
لكن الحقيقة هي أن فشل المجلس الوطني الكُردي كان مجلجلاً، فلقد ذهب و في جعبته ورقة لا يقبل التفاوض عليها، فإما الأخذ بها كما هي غير منقوصة أو لا شئ آخر، و الأمر الثاني هو الذي حصل فعلياً من خلال عودته خالي الوفاض.
و قد كان بإمكان هذا المجلس قبل التوجه إلى إسطنبول إستقصاء أجواءها فيما إذا كانت ترجح التوجه نحو الإقرار بمضمون و ثيقته، و البحث عن بدائل لذلك في جميع الأحوال، كان بإمكانه الإمتناع عن الذهاب في حال وجد الوضع غير ملائم، لإن الإنسحاب الذي تم هو للأسف أسلوب هواة و ليس لغة أصحاب الحقوق، و هو قد أساء إلى صورة الكُرد، إذ أظهرهم و كأنهم العائق الذي يحول دون وحدة المعارضة السورية، من خلال الإتفاق على توحيد وجهة نظرها في سوريا المستقبل، و هذه الحجة ـ أي تشتت المعارضة ـ هي ما يستند إليها الكثيرون في سحب إعترافهم بالنظام السوري و نقل هذا الإعتراف إلى المعارضة السورية ممثلةً بالمجلس الوطني الذي إختاره الثوار على الأرض كممثل شرعي للشعب السوري، و يزيد نتيجة ذلك من المآسي على الأرض.
أما المجلس الوطني السوري فيبدو و كأنه لا يبالي كثيراً بإنسحاب الكُرد من الإنضمام إلى وثيقة العهد الوطني، إذ يظهر هذا المجلس و كأنه يعيش نشوة جمع طيف واسع من معارضي النظام، و كأن الكُرد هم مجرد فصيل معارض و ليس مكون مختلف له حقوقه، و لذلك يترقب السوري مؤتمر إصدقاء سوريا المقبل من موقع قوة، و هو يقول تارةً بأنه لا يزال يقر بحقوق الكُرد الواردة في مؤتمره السابق في تونس، و لا زال يجري إتصالات جانبية مع المجلس الكُردي في محاولة التوصل معه إلى تقريب وجهات النظر معه تارة أُخرى.
و حقيقةً فإن (وثيقة العهد الوطني) ليست سوى وثيقة مؤقتة لن تتجاوز في تأثيرها و حتى في مضمونها اليوم التالي لسقوط النظام، إذ لن يعود أحدٌ يتذكرها بعد ذلك، و الغاية الرئيسية منها هي إظهار المعارضة السورية موحدة تجاه العالم سداً للذرائع، و خاصةً تجاه أولئك الذين يتحججون بتشتت المعارضة كسببٍ في الإمتناع عن دعمها.
إن مشكلة المجلس الوطني الكُردي هي في توجهه بكل طاقته للمطالبة بحقوق الشعب الكُردي إلى من لا يملك هذه الحقوق و لا يستطيع بالتالي إعطاءها، و كأن الوثيقة العتيدة هي كل شئ، و يتناسى هنا أن حقوق الشعب الكُردي يتفق عليها الكُرد بعد سقوط النظام مع شركاءهم الحقيقين في الوطن، أولئك الذين يخرجون يومياً إلى شوارع سوريا للتظاهر ضد الديكتاتورية، الذين عرفوا طعم الظلم و ليسوا بوارد إلحاقه بغيرهم، إذ إنه و بعد سقوط النظام سيكون من السهل تحقيق حقوق جميع السوريين كاملةً غير منقوصة، فما أكثر الوسائل السلمية لتحصيلها، من المفاوضات إلى التظاهر إلى الإعتصامات التي ربما لن يحتاج أحدٌ للجوء إليها، و هي إن تمت فلن تجابه بعنف، إذ لا طائرات و لا دبابات و لا شبيحة ستتعرض للكُرد بعد السقوط.
إن أخطر ما يجري الآن هو محاولة تعميم خيبة الأمل هذه في الشارع السوري، و هو ما سيؤدي إلى خلق إنقسام بين الشارعين الكُردي و العربي و كأن المشكلة هي مع الأشقاء العرب و ليس خلاف مع مجموعة إكتسبت شرعية التمثيل في ظروف إستثنائية و من الممكن أن تفقده في حال زالت تلك الظروف، كما أخذ البعض يدعو إلى فك الإرتباط مع المعارضة السورية متناسين أن الأساس في تلك الروابط هو وحدة الدم الذي يسيل اليوم بيد القاتل نفسه، لا بل أن هناك شعورٌ بدء يتكون بضرورة الإنكفاء على الذات و إعادة النظر في جميع الخيارات المتاحة حتى لو أدى أحدها إلى النظام، و هذا أخطر ما في الأمر.
إن وثيقة العهد الوطني هي وثيقة عامة لا تتطرق للتفاصيل موجهة إلى الخارج، كنا نود حقاً لو أنها تضمنت تفاصيل حقوق الشعوب السورية و الشعب الكُردي المتعطش لرؤية حقوقه متجسدة في وثائق رسمية، لكن ذلك لم يحصل و هذا ليس نهاية العالم، لأن ثمة حقيقة يجب أن لا تغيب عن أحد هي أن لا أحد مهما كان حجمه، و لا وثيقة مهما كانت قوتها أو لونها تستطيع أن تحرم الكُرد من حقوقهم التي تقر بها المواثيق و العهود الدولية.