أين الأصالة الكردية

دلكش مرعي

  هناك العديد من العوامل والقيم التراثية التي ساهمت في تكريس حالة الشقاق والتبعثر التي ابتلي بها الشعب الكردي تاريخياً فعلى الرغم من إن تأثير الظواهر الاجتماعية وقيمها تبقى نسبية ولا يمكن تعميمها أوصفها بأنها هي الحقيقة الكلية المطلقة ولكن في الجانب الآخر هناك وقائع تاريخية ودلائل تثبت بأن القيم التراثية قد لعبت دوراً مهماً في حياة الشعوب كالأصالة والشجاعة والتضحية والوعي اختصاراً نقول بأن هناك عوامل عديدة قد ساهمت ومازالت تساهم في تكريس حالة الشقاق والتناحر والصراع داخل المجتمع الكردي ومن بين هذه العوامل التي نحن بأشد الحاجة إليها يمكن الإشارة إلى ندرة عامل ” الأصالة ” بقيمها العامة …
 والأصالة الكردية كما هي معروف لدى الجميع بأنها تشير إلى ذاك الذي يمتلك قيماً انسانية نبيلة يحترم من خلالها ذاته وذات الآخرين ويعمل من أجل خدمة شعبه ووطنه وخدمة الإنسانية   … والأصالة لها العديد من التعاريف فهناك من يربطها بالإنجازات التي حققها الشعوب في الماضي أو في الراهن المعاصر ولكن نحن نعتقد بأن افضل هذه التعاريف تميزاً هي تلك التي كانت تقول  ” بأن الأصيل يتجاوز مفهوم الزمن ” أي أن قيم الأصالة كانت صالحة في الماضي وهي ذاتها صالحة للحاضر وستكون صالحة للمستقبل وهذا التمايز والخاصية للأصالة تجعلها تتجاوز مفهوم الزمن ..

ففي الدول المتطورة تكرس قيم الأصالة كاحترام انسانية الانسان ورأيه وحقوقه العامة وحتى حقوق الحيوان تكرس وتجسد هذه الأخلاقيات في قيم وسلوكيات الأفراد عبر مناهج علمية من خلال وسائل التربية المتنوعة ناهيك بأن جوهر الأصالة قد كرست في دساتير هذه الشعوب فالذي يعتدي على حقوق البشر والعبث بكرامتهم يحاسب مهما كان موقعه ومكانته في السلم الاجتماعي “وقصة بن كلنتون مع مونيكا ورئيس البنك الدولي لخير مثال على ذلك” ناهيك بأن الأصالة التي تحلت بها شخصيات من داخل بعض الكيانات الاجتماعية لدى بعض الشعوب قد لعبت دورأ مهماً وبارزاً في حياة هذه الشعوب فالعائلات الأوربية الأصيلة والتي سميت بالبرجوازية الوطنية قد ساهمت في بناء أوربا الحديثة وحتى العائلات الأصيلة التي كانت تقود العشائر العربية في الخليج العربي قد ساهمت في بناء دول الخليج بغض النظر من وجود بعض قيم الاستبداد في قيم بعض تلك العائلات وكمثال للتوضيح فلو أخذنا الزعيم الكردي الخالد مصطفى البرزاني كمثال من أبناء الشعب الكردي والشيخ زايد آل نهيان أمير الأمارات كمثال من أبناء الشعب العربي وألقينا نظرة على مؤهلات هذين الشخصين فسنلاحظ بأنهما لم يكونا عالما اجتماع أو يحملان شهادات عليا في السياسة والاقتصاد أو الفلسفة بل كان مؤهلهم الأبرز كانت تكمن في الأصالة الإنسانية بقيمها النبيلة  فالبرزاني الخالد قد استطاع عبر الأصالة الكردية  التي كان يتمتع بها من استيقاظ الشعور الوطني لدى الشعب الكردي بنضاله الدءوب على ذرى جبال كردستان وقد ناضل طيلة حياته من أجل احقاق حقوق هذا الشعب وقد استطاع عبر هذا النضال أن ينال احترام ابناء شعبه واحترام العديد من احرار العالم وقد كان لهذه العائلة الدور الأبرز في وجود إقليم كردستان العراق بصورته الحالية الشبه المستقلة … والأمير زايد هو الآخر وكما هو معروف قد استطاع ان يبني صروحاً عمرانية واقتصادية متطورة أصبح ينافس عبرها اقتصاد العديد من الدول المتطورة فقد وصل الأمر بهذه الإمارة الصغيرة من أن تحصل على تأجير الموانئ الأمريكية ناهيك عن وجود عشرات الآلاف من العمال من مختلف انحاء العالم من الذين يعملون على أرض هذه الإمارة الصغيرة لإعالة اسرهم بينما الجمهوريات الوراثية التي كانت تنقصها الأصالة والتي ادعت زوراً وبهتاناً العلمانية وبأنها ستكون خادمة الجماهير وستحقق لها العدالة الاجتماعية وستقضي على الظلم والاستغلال وغيرها من الشعارات الفضفاضة الذي كان ترفعها هذه الأنظمة كنظام السوري والليبي والتونسي والجزائري والمصري وغيرهم فقد تحول هؤلاء عديم الأصل والأصالة إلى طغاة ومستبدين وقتلة يحكمون شعوبهم بالحديد والنار …..

صفوة القول هنا هو أن تحقيق العدالة واحترام انسانية الانسان وحقوقه العامة لا تحتاجان إلى الكثير من التفلسف أو الثرثرة العقائدية بقيمها الشمولية الجامدة بل تحتاج إلى قيم انسانية أصيلة ونبيلة تهدف وتعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وصيانة إنسانية الانسان واحترام حقوقه العامة… أما اسباب ندرة الأصالة الكردية فهي تكمن في عدة اسباب فهناك من يقول بأن معظم هذه العائلات التي كانت تمتلك هذه الخاصية قد رحلت مع صلاح الدين الأيوبي وقد أدمجوا مع الشعب العربي في مصر وبلاد الشام أم البقية الباقية في شمال كردستان فقد تم تصفية معظمها من قبل الأتراك ففي البداية وحسب ” اسماعيل بيشكجي ” بدأ الأتراك بالقضاء على أمراء الكرد ومن ثم القضاء على باشاواتهم وأخيراً قاموا بتصفية العائلات الوطنية ” أي قضوا على معظم قيادات الشعب الكردي في هذا الجزء ومن المؤسف أن نقول بأن بعض الأحزاب من ذوي المفاهيم الشمولية قد أنتجوا نوع من الخلط بين العائلات الوطنية الشريفة والعائلات الظالمة العميلة حتى أصبح هذه العائلات جميعاً في نظر عامة الشعب عائلات ظالمة ومن طينة واحدة علماً أن الظلم يبقى ظلماً والاعتداء على حقوق البشر يبقى اعتداء وهذه الأعمال هي مدانة ومرفوضة مهما كان مصدرها أن كان هذا المعتدي أو الظالم ينتمي إلى شريحة فقيرة أو إلى أعلى الشرائح الاجتماعية بالإضافة إلى ذلك فأن الأصالة هي ليست محصورة في شريحة اجتماعية محددة بل هي موجود بالرغم من ندرتها لدى بعض الأفراد في معظم هذه الشرائح  والسؤال المطروح هنا وبقوة هل الأحزاب الكردية التي تشرذم وتبعثر قوة هذا الشعب وتبددها هل هي تمتلك الأصالة الكردية أم سلوك … نترك الجواب للقارئ

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…