المعارضة السورية … الى أين ؟

صلاح بدرالدين

منذ ماقبل الاعلان عن – المجلس الوطني السوري – في استانبول بحوالي الاسبوعين تداعت نخبة من المعارضين في القاهرة خلال تواجد وفد موسع من كافة الأطياف للتحاور وللمرة الأولى مع القوى السياسية المصرية وكنت من بينهم وبالتزامن مع انعقاد اجتماع لجماعات من المعارضة هناك وبينهم من ظهرت أسماءهم في قائمة – مجلس أنقرة – وممثلون عن تنسيقيات شباب الانتفاضة الثورية وبعض الاتجاهات السياسية من (ليبراليين وقوميين واخوان مسلمين وحركة كردية ورجال أعمال) للبحث والتشاور في كيفية وضع أسس متينة ومدروسة لاقامة مجلس وطني انتقالي
 وفي حصيلة اجتماعات مكثفة متواصلة شارك في بعضها مناضلون حقوقييون جاؤا من دمشق لأغراض مهنية أخرى وكانت فرصة لاستمزاج آرائهم واشراكهم في المناقشات وتم التوافق على تشكيل لجنة تحضيرية تمثل كل الأطياف والتيارات وتعمل في سبيل تحقيق عقد مؤتمر وطني معارض عام يحبذ أن يكون المكان القاهرة أو تونس لرمزية الساحتين بعد انتصار الثورتين التونسية والمصرية في مرحلتهما الأولى للاعلان من أحدهما عن المجلس المنشود وخلال تلك الاجتماعات تم الاتصال ببعض ناشطي ما أطلق عليهم – بجماعة استانبول – ومن بينهم السيد – عبيدة نحاس – ووضعهم بالصورة وتحذيرهم من مغبة التفرد والتسرع باتخاذ أية خطوة باتجاه فرض أمر واقع لن يكون مقبولا كما تم الاتصال أيضا بالسيد – برهان غليون – الذي كان متواجدا في العاصمة القطرية وأبدى موافقته المبدئية على الخطوط العامة لمشروعنا أما السيد – هيثم المالح –الذي كنا نرغب في أن يكون جزءا من المشروع وبعد أن تم اعلامه رفض التعاون مصرحا بأن لديه مشروع خاص سيقوم بالعمل من أجل تحقيقه وقبل انفراط عقد أصحاب المشروع وتوجه كل واحد الى مكان اقامته طلب السيد – ملهم الدروبي – القيادي الاخواني وكان أحد شركائنا بمنحهم مهلة عدة أيام لحين انعقاد مجلس شورى الاخوان وأكد على أن الفكرة ستكون مقبولة لدى جماعته ومضى باتجاه استانبول وقطع بنا الاتصال ونكص بوعده نهارا جهارا  ثم شارك مع آخرين في اعلان – مجلسهم – من دون العودة الى من اتفق معهم وعاهدهم حول ذلك المشروع وهنا ظهر للمرة الألف أن جماعة الاخوان المسلمين أبعد ماتكون عن الديموقراطية والعمل الجماعي المشترك وسارت هذه المرة أيضا متبعة حساباتها في الربح والخسارة على طريقة التاجر اليهودي واستغلت عطف الحزب الحاكم التركي لدعمها في اعلان مجلس يكون تحت قبضتها أفضل من مجلس ديموقراطي موحد موسع فاعل من دون التحكم به .

     مناسبة العودة الى بعض صفحات الماضي القريب هي ما نسمعه الآن من فضائيات معروفة عن انسحابات من المجلس من جانب أشخاص بعضهم ليس مقبولا في الشارع السوري منذ زمن طويل  انضموا حديثا من دون أن يردعهم كل الأسباب والشروط والعوامل الأساسية الوجيهة التي رافقت قيام هذا المجلس بل ساهموا بدورهم في تزكية الاعوجاج وافساد المجلس أكثر مما يعيد الى الأذهان احتمال أن تكون دوافع المنسحبين محض شخصية تتعلق بالمواقع والمناصب مع الاقرار بوجود أزمة مزمنة بالمجلس منذ قيامه وليس في المدة الأخيرة فحسب نقول ذلك استنادا الى مبررات هؤلاء التي تخلو من أي مضمون سياسي اذا لم تكن غامضة أصلا بالترافق مع – خطابات  – كلامية مفاجئة تصدر من دول خليجية مؤثرة مزايدة حتى على الثورة السورية والمعارضة من دون التشاور مع أي طرف معارض كما أن ما يطرحه هؤلاء من الجزم في عقد مؤتمر وطني قريبا في استانبول لايختلف عن نفس الطريقة التي سلكتها جماعة المجلس عند قيامه وقبل توجيه الاتهام الى القوى الاقليمية في الهيمنة وتنصيب الموالين لها على مقدرات المجلس السوري علينا الاعتراف بأن العلة فينا ودود الخل منه وفيه والصورة واضحة لدينا منذ عام وحتى اليوم  .
     لقد أعلنا مرارا وتكرارا أن السبيل الى معارضة وطنية موحدة في الخارج تكون ملتزمة بقرار الداخل الثوري هو سلوك أحد خيارين : اما اعادة هيكلة – المجلس الوطني السوري – برنامجا وهيئاتا وأشخاصا وقيادة وقرارا وتمثيلا باعادة بنائه من جديد وبمشاركة واسعة من القوى والتيارات والشخصيات التي مازالت خارجه وبما أن هذا الخيار بات شبه مستحيل جراء امتناع –الأربعة المبشرين – من أصحاب القرار بالمجلس بالالتزام به والتهرب منه وبالتالي العجز عن تطبيقه فهناك الخيار الثاني وهو بشقين أو بخطوتين الأولى وهي تشكيل لجنة تحضيرية توافقية من خمسة عشر عضوا تمثل مبدئيا مختلف المكونات والتيارات والكتل والمجوعات والتنسيقيات ومن ضمنها ممثلو المجلس تجتمع على الفور وتضع الترتيبات لعقد مؤتمر وطني عام بمشاركة واسعة من جميع المعارضين بما في ذلك الجيش السوري الحر الذين يهدفون الى اسقاط النظام وتفكيك السلطة الأمنية العائلية من دون اقصاء أحد تتمخض عنه مؤسسة ديموقراطية ثورية منظمة تحت أي اسم تريده الغالبية تقوم بمهام اسقاط النظام وتكون بمستوى المهام الجديدة التي تطرح كل الاحتمالات من ضمنها الكفاح المسلح وتتهيأ لمرحلة مابعد الاستبداد في تشخيص شكل النظام السياسي التعددي ومشروع الدستور السوري الجديد والالتزام بحل القضية الكردية ديموقراطيا وسلميا حسب ارادة الشعب الكردي في اطار سوريا الجديدة الموحدة .
      ان اي عمل غير مدروس وغير جماعي في معالجة أزمة المجلس والمعارضة السورية بشكل عام سيزيد الخلافات وسيكرس المزيد من الشقاق ونحن شعب سوريا بغنى عنها بهذه المرحلة الدقيقة والخطيرة وحول هذا الموضوع بالذات أرى بضرورة الاشارة الى جانب من الدور السلبي للفضائيتين الخليجيتين المعروفتين بخصوص المعارضة على وجه الخصوص وذلك لدى قيامهما بتسويق أشخاص معينين وتلميع بعضهم ثم استبدالهم بغيرهم بعد حين أو منع البعض الآخر من الظهور لدواعي سياسية أو عنصرية بخصوص الكرد بحسب أوامر وتوجيهات الأجهزة الأمنية في بلدان القرار مما يلحق الأذى بالثورة السورية ويفرض على ذهنية المشاهد أنماطا معينة من الآيديولوجيات والتيارات والأفراد .
      للتذكير نقول منذ حوالي الأربعة أشهر قمنا كمجموعة من المعارضين الوطنيين السوريين بطرح ” المبادرة الوطنية لتوحيد المعارضة السورية ” وأصدرنا وثائق بهذا الشأن سلمناها الى المجلس وباقي الأطياف والى الجامعة العربية بمناسبة اعلانها عن الاستعداد لرعاية أي مؤتمر توحيدي وما زلنا نعمل جاهدين لتحقيق مانصبو اليه في اعادة بناء الجسم السليم للمعارضة ولاشك أننا سنمد أيادينا الى كل من يعمل بهذا الاتجاه الآن وغدا ودائما .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

فرحان مرعي هل القضية الكردية قضية إنسانية عاطفية أم قضية سياسية؟ بعد أن (تنورز) العالم في نوروز هذا َالعام ٢٠٢٥م والذي كان بحقّ عاماً كردياً بامتياز. جميل أن نورد هنا أن نوروز قد أضيف إلى قائمة التراث الإنساني من قبل منظمة اليونسكو عام ٢٠١٠- مما يوحي تسويقه سياحياً – عالمياً فأصبح العالم يتكلم كوردي، كما أصبح الكرد ظاهرة عالمية وموضوع…

شيركوه كنعان عكيد تتميز سوريا كما يعرف الجميع بتنوعها القومي والديني وكذلك الطائفي، هذا التنوع الذي استطاعت السلطة البائدة أن تبقيه تحت السيطرة والتحكم لعقود طويلة في ظل سياسة طائفية غير معلنة، ورغم أن علاقة الدين بالدولة بقيت متشابكة، إلا أنها لم تصل إلى حد هيمنة العقلية الدينية أو الطائفية على مؤسسات الدولة بصورة صريحة. أدى ذلك الوضع تدريجيًا إلى…

علي جزيري نشرت جريدة قاسيون، في الخميس المصادف في 17 نيسان 2025 مقالاً تحت عنوان: “لماذا نحن ضد الفيدرالية؟” انتهج القائمون عليها سياسة الكيل بمكيالين البائسة بغية تسويق حجتهم تلك، فراحوا يبرّرون تارة الفيدرالية في بلدان تحت زعم اتساع مساحتها، ويستثنون سوريا لصغر مساحتها…! وتارة أخرى يدّعون أن سويسرا ذات (أنموذج تركيبي)، يليق بها ثوب الفيدرالية، أما سوريا فلا تناسبها…

صلاح عمر منذ أن خُطّت أولى مبادئ القانون الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، ترسخ في الوعي الإنساني أن الشعوب لا تُقاس بعددها ولا بحدودها، بل بكرامتها وحقها في تقرير مصيرها. ومنذ ذلك الحين، أُقرّ أن لكل شعب الحق في أن يختار شكله السياسي، وأن ينظّم حياته وفق هويته وتاريخه وثقافته. هذا المبدأ لم يُولد من رحم القوة، بل من عمق…