اعتذار السوريين لكردهم.. وردةٌ حمراء

عمر كوجري

عبّر السوريون في جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية على طريقتهم التي اعتادوا عليها منذ عام كامل، وجاء اعتذارهم بذلاً للدماء، نصرةً ووفاءً لدماء إخوتهم الكرد السوريين الذين أججوا نار انتفاضة عارمة في المناطق الكردية في الخامس عشر من آذار 2004

لقد وجد الكرد في انتفاضتهم أنفسَهم مكشوفي الظهور أمام بطش السلطات التي تعاملت بطريقة أمنية، ففتحت الرصاص الحي على الجماهير العزلاء ممّا حدا بالشعب أن ينتفض من عين ديوار إلى عفرين وكوباني إلى  حي زورا آفا  بدمشق.
من التبسيط بمكان اختزال هذه الفورة والانتفاضة العارمة بمجرد لعبة رياضية.

الموضوع كان أبعد من ذلك، وكان للنظام دور أساس في زيادة الاحتقان والتوتر، وبالتالي قتل الأبرياء والعزّل، فجاء رد الفعل الكردي- غير متوقع- متوازياً مع حجم القهر والظلم الذي لحق بهم لعقود طويلة من الإنكار والغبن.
 كان رد فعل النظام عنيفاً جداً، وأراد أن يبعث رسالة واضحة للشعب الكردي وهي أن لا مجال للتفكير بالمنجز الذي تحقق لأشقائهم في كردستان العراق، وأن أي تفكير في هذا السياق سيقابل بالحديد والنار، وتعزز هذا الاعتقاد فيما بعد الانتفاضة الكردية، ولم يحاول النظام أن يقدم على أية خطوة تجاه جديّة لتجاوز الاحتقان الحاصل، بل ازدادت وتيرة التصعيد أكثر فأكثر، ولعل من أهمها اعتقال العديد من الناشطين والسياسيين، كما تم قتل أكثر من أربعين جندياً كردياً في خدمة الجيش، قيل إنهم انتحروا، إضافة إلى نقل وفصل والتضييق على الموظفين والعاملين الكرد في البلاد، وأصبحت محافظة الحسكة كلها منطقة حدودية وما تبع ذلك من خنق لحركة العقار والحياة.


الشعب الكردي أحس أنه تُرِكَ وحيداً في المواجهة غير المتكافئة، ولم يحصل على أي تأييد ولو معنوي من أية جهة سياسية أو ثقافية أو شعبية عامة في البلاد، بل أن الكثير من الأقلام ناصبت عداءها، وانحازت إلى جانب النظام ضد شريحة واسعة وفاعلة من المجتمع السوري المتنوع، وهي الشعب الكردي.
  لهذا جاء يوم الجمعة الماضي ليعتذر السوريون في أكثر من ستمئة وخمس عشرة نقطة تظاهرة رفعت فيها لافتة واحدة، وخرجت تحت مسمى واحد وهو « جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية » في تحية ثانية لمكون هام في الثورة السورية بعد جمعة « آزادي» السابقة.
نجح رهان الثورة على هذه التسمية، إذ خرج مئات الآلاف من الكرد السوريين في تظاهرات عارمة شملت معظم مناطق التواجد الكردي، والمأمول ألا يقتصر الخروج الزاخم للكرد في هذه الجمعة لخصوصية الاسم.
و حصل الكرد على اعتراف ممهور بالدماء السورية بهم، وهو أغلى من أي دستور أو قانون ورغم أن شهداء جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية هم شهداء سوريا جميعاً إلا أنهم يعدون شهداء انتفاضة آذار باقتدار لأنهم أفدوا بأرواحهم في ذلك اليوم نصرة للنسيج الوطني الذي بدا منذ سنة أكثر تماسكاً وقوة رغم ما حيك حياله من أوهام تبددت على طهارة الدماء السورية التي أعلنت نشدانها الحرية بأي ثمن.
emerkoceri@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…