1- ما الذي حققته “الثورة” السورية بعد عام من انطلاقها؟.
2-كيف ترى مستقبل سوريا؟.
وننشر فيما يلي اجاباتهم.
بدرخان علي- كاتب ومحلل سياسي
ما تشهده المدن والساحات السورية من احتجاجات متواصلة منذ أوساط آذار الماضي لم تعرفه سورية من قبل.
انتفض السوريون في وجه النظام الحاكم الذي بالغ في احتقاره لكرامة المواطنين وحرياتهم الشخصيّة والعامّة، ويتحمّل المسؤولية عن تدهور أحوال عيشهم اليوميّ.
ما تحقّق هو هذه المحاولة السيزيفية الجبارة من أجل استرداد الكرامة والحرية والصوت الخاصّ.
هذا فريد في دولة مثل سورية لطالما اعتبرت، وكانت فعليّاً، ملكاً لحكامها ورئيسها تحديداً منذ العام 1970.
مخاض عسير
لم يتحقّق أيّ من أهداف المنتفضين بعد.
لكن أن تبقى سورية أسيرة للرئيس وحلقته الضيقة، وللنظام المخابراتيّ-العسكريّ لم يعد ممكناً.
رغم التضحيات الباهظة وغموض الأفق فإن الحلقة الضيّقة المكوّنة للسلطة الاستبداديّة في طريقها للتفكّك، وإن ببطء شديد وبكلفة كبيرة على الدولة والمجتمع.
ليس هناك ما يبشر بالتفاؤل والخير راهناً.
مستقبل سورية بعد الحقبة الديكتاتورية سوف يرتبط بشكل وثيق بكيفيّة سقوط السلطة المستوليّة على جميع مفاصل الدولة وإمساكها ببنى المجتمع، وبحجم الدمار الحاصل في مؤسسّات “الدولة”-وهي هشّة أصلاً- وفي بنية المجتمع الذي تعرّض لرضوض هائلة، خصوصاً خلال عمر الانتفاضة السوريّة المخضّبة بدماء عزيزة.
لكن أيضاً هناك مفاعيل التدخّلات الخارجية في الشأن السوريّ وتداعيات التوتر الطائفيّ المتزايد والمقاومة المسلّحة واحتمالات الفوضى الأمنيّة.
من الواضح أنّ حقبة التسلّطيّة المطلقة وحكم المخابرات إلى زوال أكيد( عبر مخاضٍ عسير ومنهك) لكن فرص بناء ديمقراطية متوازنة ودولة مستقرّة ومجتمع متماسك لن تكون متوفرة على الفور للأسف تبعاً لما هو مذكور أعلاه.
هذه معركة أخرى يتعيّن على الشعب السوري خوضها من جديد بعد نيله حقّه في تقرير مصيره الغائب والمستلب.
سميرة المسالمة- كاتبة وصحفية في دمشق
أمتار ليست بالكثيرة تبعدها عن قصر الحكم في دمشق، و بحضور تلونت انتماءاته السياسة ومرجعياته الفكرية كانت الأصوات عالية تريد ان تسمع صداها الآخر، تشاركنا السمع ولم نكن على طاولة واحدة.
لم يقصد أصحاب المقهى تقارب المقاعد تأكيدا على التودد لكنها المساحة فرضت منطقها، كان صوته هادرا بلهجته التي تضم أوائل الكلمات: مجزرة اثر مجزرة وحمص مقبرة الخوف، الحرية ضد الرصاص والموت يذهب بالأجساد بينما تبقى الأرواح تنادي “حرية وبس”.
ملامح سوريا الجديدة ترتسم في الوجوه، في وجه نادل بلا آذان طويلة يوزع ابتساماته على الحضور سرا وعلانية، أؤلئك الذين تزينت اذرعهم بعبارات “الى الابد” والذين احترقت بعض أطرافهم تعذيبا.
الرصاص الذي قتل الخوف وبعبع الصمت، هو الرصاص ذاته الذي انتج حراكا لم يهدأ ولن يهدأ الا بتحقيق أهدافه كاملة دون ان يتقاسمها متمسك بالسلطة من هنا أو موعود بها هناك.
حراك لا يستطيع أحد ادعاء قيادته أو تمثيله أو شرف التخطيط له لأنه شعبي ولد من رحم الصبر ودفع هذا الشعب أثمانا باهظة حتى أشعل بداخل النفوس جذوته.
تتقاسمنا كشعب اليوم كيانات تدعي تمثيل الحراك او مناهضته ولكن الحقيقة على الأرض تكذب الادعاءات، ويبقى الحراك معلقا بدماء الناس دون رادع او تغيير اللهم الا موت الخوف وكثير من الدماء تسيل، وحقيقة لا يستطيع أي طرف أن ينكرها أن آلة صناعة التغيير تدور وتدور وهو قادم لا محالة وان طال انتظاره.
قتامة
ولكن ليس سهلا اليوم الحديث عن مستقبل سورية بينما هي تنزف من أكثر من مكان، فالوقوف على الواقع القائم اليوم بين دعوات للتسليح أو الاصرار على سلوك الحل السياسي والجلوس الى طاولة حوار تتفاوض الاطراف حولها على مستقبل سورية يزيد من قتامة هذا المستقبل على المدى القصير، حيث يستقوي كل طرف مدعو الى التحاور أو التفاوض بقوى في حقيقتها غير متحمسة لحل سريع يعيد التوازن الى موقع سوريا الجغرافي أو السياسي.
مما يرجح اطالة أمد الأزمة ويفتح مجالا اكبر أمام احتمالات أن تكون سورية مسرحا لحرب باردة تتصارع فيها القوى العظمى وتدخل في متاهة الحرب الأهلية التي تبعدها الى أجل غير مسمى عن أي دور في المنطقة والعالم.
بشار عيسى- فنان تشكيلي يعيش في المهجر
منذ الشهر الاول قطع الشعب حاجز الخوف بتمرده على القهر وجبروت السلطة بإعلان الثأر لكرامته في الشارع وكأن خمسين سنة من القمع والرعب والفساد والافساد لم تكن.
لقد اسقط السوريون على مختلف شرائحهم في سائر البلاد السورية هيبة وشرعية سلطة وكيان استولى بقوة الجند على مصير وثروات البلد بتواطؤ دولي وعربي.
ارغمت الثورة السلطة على كشف وجهها الطائفي القبيح مثلما ارغمت حلفاء النظام على خلع اقنعتهم الديماغوجية عن المقاومة والممانعة مثل ايران وحزب الله وقوى فلسطينية تابعة.
واجه شباب الثورة بسلمية ونبل رائعين وبصدور عارية الرصاص المتفجر وقنابل الدبابات والمدفعية.
تحدى الشعب الجوع والبرد والرصاص وهو يحتضن ثورة شباب صاغ مبكرا شعارات مدنية عصرية في الحرية والكرامة والمواطنة، شعارات سرعان ما غدت انشودة البلاد السورية من حدود الجولان الى ضفاف دجلة.
جمعت الثورة الشباب الكردي الى العربي، الارياف الى المدن، قطعوا مع ارث اربعين سنة لسلطة ابتلعت الدولة واقامت حدودا بين الاقوام والثقافات السورية، في وحدة وطنية يندر مثالها بثقافة عصرية الهمت عزيمة شابات وشباب لشعب اكتشف كم هو موحّد في مواجهة سلطة قمعية.
طوفان الدم
لقد انتصرت الثورة رغم طوفان الدم اليومي، بشرعية تمثيل واستقطاب الشارع الوطني، لقد نجحت الثورة في عبورها برزخ الموت غناء في محاصرة سلطة قمع لا حدود لطغيانها واخرجتها من سائر الشارع الوطني.
يتكشف المستقبل السوري اليوم، حيث رئيس يتلذذ بقتل مواطنيه وشبيحة فئوية تتقدم جيشا نظاميا تقتل وتفحش وتغتصب وتمثل بالجثامين بمشاهد ناطقة وقنوات اعلامية فاجرة وحلفاء دوليين واقليميين لا قيمة لحقوق الانسان في ثقافتهم، عن هوة لم يعد بالإمكان ردمها بمصالحة تاريخية كنا نتمناها وتغيير سلمي للسلطة، مثلما حدث في جنوب افريقيا.
الفحش الذي تمادت فيه السلطة بالقتل بالآلاف وتدمير أحياء سكنية وتهجيرا كبيرا للسكان لمناطق محددة لإثارة نعرات طائفية ساهم سكوت النخب العلوية في الجيش والمؤسسات المدنية ان لم نقل المشاركة الفاعلة فيها، يوحي بأن سلطة الاسد اقتنعت بخسارتها الحرب على الشعب والثورة.
فانحازت السلطة الى مشروع تفتيت وتقسيم سوريا مقابل الحماية الدولية التي وفرتها اسرائيل لسلطة بشار الاسد حتى اللحظة الراهنة.
BBC العربية