د.
آلان كيكاني
آلان كيكاني
كلما دق الكوز بالجرة في هذا الظرف الاستثنائي العصيب الذي تمر به سوريا خرج علينا الكاتب الكردي جان دوست مبدياً امتعاضه واستيائه من سلوك الثوار متحججاً بالصبغة الدينية الإسلامية السنية التي تصطبغ بها اسماء الجُمع وكتائب الجيش الحر .
مثلُه مثلُ الشاعر السوري الكبير أدونيس الذي يعيب على الثورة خروجها من المساجد .
لعل كاتبنا ينسى الظرف الطارئ الذي يمر به السوريون وما لهذا الظرف من ضرورات يمكن أن تبيح الكثير من المحظورات في ظل نظام يستبيح المحظور بمناسبة وبدون مناسبة .
مثلُه مثلُ الشاعر السوري الكبير أدونيس الذي يعيب على الثورة خروجها من المساجد .
لعل كاتبنا ينسى الظرف الطارئ الذي يمر به السوريون وما لهذا الظرف من ضرورات يمكن أن تبيح الكثير من المحظورات في ظل نظام يستبيح المحظور بمناسبة وبدون مناسبة .
لكل ظاهرة سببها , والتوجه الطائفي للثوار السوريين في هذه الأيام له مبرراته .
فالنظام هو الذي استهل بالطائفية وجيش طائفته وسلحها وأخافها من المستقبل فيما إذا تخلت عنه ناهيك على أن المجلس الوطني السوري لم يتريث لحظة واحدة عن الاستنجاد والاستنصار بالغرب والشرق والشمال والجنوب والعالم كله أدار ظهره للسوريين لكي يلقوا مصيرهم على أيدي جلاديهم بطرق غاية في الوحشية … العالم قال للسوري ما قاله بنو إسرائيل لموسى حين قالوا : أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا باقون .
إذن لماذا نأخذ على السوري توجهه الأصولي في هذه الأيام وهو يذبح وما من مغيث سوى الطائفة ؟
أكاد أتفهم تأثير الغرب عليك , عزيزي جان , وأنت تعايش حضارته بكل زخمها الإنساني البديع إلا أني آخذ عليك تناسيك أن كل حدث حدث في شرقنا هذا منذ مقتل الخليفة الأموي عثمان بن عفان إلى لحظة كتابة هذه السطور لا يخلو من دافع ديني أو طائفي , عدَّها مثلاً : حروب الفتح الإسلامي ثم الحروب الصليبية وجهود الزنكيين والأيوبيين الحثيثة للقضاء على المد الشيعي في بلاد الشام وشمال أفريقيا ثم الصراع ذو الجذور الطائفية بين العثمانيين والصفويين وانتهاء بالحرب العراقية الإيرانية .
حتى في ذروة سيطرة الفكر القومي على عقول شعوب الشرق في القرن الماضي كان باطن الأحداث طائفياً بامتياز , وإلّا , ما الذي جعل حافظ الأسد يدعم الخميني ضد العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية وهو العربي العروبي الذي يسعى لتحرير الأرض والإنسان العربيين ؟ وما الذي جعل ابنه يرتمي في أحضان ملالي إيران ويتعكز بأداتهم حزب الله ويتكئ على واليهم في بغداد ؟ إزاء هذا الوضع كان الاحتقان الطائفي منذ سبعينات القرن الماضي وقد انفجر الآن والنظام هو البادئ وهو الأظلم في جرائمه البشعة التي يتم فيها قنص رؤوس المتظاهرين العزل بصورة لا يفعلها ألد الأعداء وأكثرهم وحشية .
قذائف النظام , يا سيدي جان , هي محشوة بحقد طائفي بغيض منذ أول يوم بدأت فيه الثورة السورية .
والسؤال ماذا على الثوار فعله على الأرض ؟ وبمن سيستنجدون وأي شعارات سيرفعون ؟ يأتي الجواب سلساً وهو أن اللجوء يكون إلى الطائفة وقد جعل النظام في أذنيه وقراً وعلى قلبه غشاء حتى لا يرى ولا يسمع أصوات المستغيثين ونداء المصلحين .
لا شيء يثير همَّة العربي وحفيظته ويشحذ غيرته وشهامته ونخوته أكثر من دينه , سالفاً وحاضراً فلماذا تلوم الجيش الحر على استثماره الدين في هذا المجال ؟ .
ثم لماذا هذا الخوف من الشعار الديني في هذه المرحلة ؟ وإذا حكم الإسلاميون فليكن , لنجربهم كما قال أخونا هوشنك أوسي قبل أيام في مقال له , ألم يعط الإسلاميون دفعاً لتركيا خلال عشر سنوات ما لم تعطه أية حكومة أخرى منذ تشكيل الجمهورية التركية قبل حوالي قرن من الزمن ؟
يقول جان في معرض مقاله (إن مواجهة جيش طائفي بجيش طائفي آخر لا يعني إلا حرباً أهلية بشعة كريهة المنظر) كلام جميل ولكن الحرب الطائفية بدأت يا سيدي , وبدأها النظام عندما استغاث بإيران وحزب الله على شعبه الأعزل .
وهنا من حق كل طرف استخدام ما توفر له من السلاح المعنوي واللوجستي ومن حق السني استنهاض طائفته في هذه الحالة .
ثم يذهب كاتبنا مستنكراً دعوات بعض المنشقين الطائفية القريبة إلى السلفية وينسى عزيزنا أن مثل هذه الصرخات اليوتيوبية بحاجة إلى الإثبات قبل أن تنسب إلى أحد .
وأن رجال النظام مبدعون في فنون التزوير والفبركة للصق التهم على من يريدون ليستعطفوا الأوربيين والأمريكيين ويستميلوهم ضد “القاعدة” .
فكم من مسرحية ألفوها وكم من كذبة لفقوها , والفضيحة التي أخرجها المعلم لا يزال صداها يتردد بين الناس حتى هذه اللحظة .
يبدو لي أنك تقصد الأخوان في معرض حديثك عن أطراف تريد الاستحواذ على الثورة ومغانمها فيما بعد وفي هذه أقول أن ساحة الثورة مفتوحة لكل الملل والنحل والشرائح التي يتكون منها الشعب السوري (يلي بيسبق بياكل بندق) .
فإذا ضحى الأخوان بآلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين مقابل أطراف أخرى تعمل شبيحة للنظام , حينها يكون من حق الأخوان أن يكون لهم حصة الأسد في سورية ما بعد الأسد .
ثم ما الذي يمنع العلوي من الانشقاق عن النظام وتشكيل كتيبة يسميها كتيبة الحسن بن مكزون السنجاري أو لواء حسين بن حمدان الخصيبي مثلاً وهما اسمان لامعان في تاريخ الطائفة العلوية ؟ ما العيب في ذلك ؟ ألم تكن الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين على هذه الشاكلة : الجبل وصالح العلي العلوي .
والشمال وإبراهيم هنانو الكردي السني , والجنوب وسلطان باشا الاطرش الدرزي .
الم تخرج سورية منتصرة وسليمة وعلمانية آنذاك ؟ فلماذا الخوف من الحرب الأهلية الآن والتي إن تأججت فيكون النظام سببها وليس الثوار .
يأخذ السيد جان على الجيش الحر تسمية كتائبه باسماء من التاريخ الإسلامي ….
كل شعوب العالم تسمي كتائب جيوشها على اسماء أبطالها التاريخيين أياً كانت توجهات هؤلاء الأبطال فلماذا عيب على الجيش الحر تسمية كتائبه بأسماء القادة المسلمين الذين تركوا أثراً كبيراً في التاريخ من أمثال خالد بن الوليد وعمر بن العاص وطارق بن زياد .
ثم ما البديل إذا لم تسمَّ الكتائب بهذه الأسماء: كتيبة مصطفى طلاس أم كتيبة نانسي عجرم مثلاً ؟
على عكس ما ترمي إليه يا سيدي فأنا أدعو الكرد إلى تشكيل كتيبة باسم القائد الكردي العظيم , بطل حطين , ومحرر القدس صلاح الدين الأيوبي لحماية الشعب الكردي فيما إذا تفاقمت الأمور ودخلت البلاد حرباً أهلية مفتوحة : أجل , كتيبة صلاح الدين الأيوبي ولا مانع من أن يقودها أحد الخزنويين فالشريحة الدينية الكردية أثبتت عبر التاريخ وطنيتها وحبها لشعبها .
رغم أنّ نظرتي للدين لا تختلف عن نظرتك أنت .
عزيزي جان إن أقل ما يمكن قوله في طرحك المشكور أنه ليس وقته الآن , فإن أخوة لنا في الإنسانية والوطن هم الآن يموتون تحت الركام والأنقاض , وأطفالهم يقصفون بقذائف الدبابات والصواريخ ليسقطوا جثثاً هامدة أمام أعين ذويهم , وثمة أناس يذبحون بالسكاكين كالنعاج في بيوتهم وأمام ذويهم , أمام هذا الظرف لا ضير من الاستنجاد حتى بالشياطين لإنهاء هذه الحالة الكارثية الشاذة غير الإنسانية وعودة الحياة إلى طبيعتها .
ومن ثم تُناقش مسالة التسميات في إطار ثقافي وقانوني وسياسي بهدوء واسترخاء في سهرة مع فنجان من القهوة .
وقد علمني الطب أن المريض ذا الحالة الحرجة إذا حضر فبادئ ذي بدأ عليّ أن أتأكد من مجرى هواء التنفس وعمل القلب والرئتين .
وفيما عدا ذلك فإن جرحاً هنا وخدشاً هنا وكسرعظم هناك لا تتعدى كونها مثل التهام فطيرة كما يقول الإنكليز .
تقبل تحيتي .
فالنظام هو الذي استهل بالطائفية وجيش طائفته وسلحها وأخافها من المستقبل فيما إذا تخلت عنه ناهيك على أن المجلس الوطني السوري لم يتريث لحظة واحدة عن الاستنجاد والاستنصار بالغرب والشرق والشمال والجنوب والعالم كله أدار ظهره للسوريين لكي يلقوا مصيرهم على أيدي جلاديهم بطرق غاية في الوحشية … العالم قال للسوري ما قاله بنو إسرائيل لموسى حين قالوا : أذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا باقون .
إذن لماذا نأخذ على السوري توجهه الأصولي في هذه الأيام وهو يذبح وما من مغيث سوى الطائفة ؟
أكاد أتفهم تأثير الغرب عليك , عزيزي جان , وأنت تعايش حضارته بكل زخمها الإنساني البديع إلا أني آخذ عليك تناسيك أن كل حدث حدث في شرقنا هذا منذ مقتل الخليفة الأموي عثمان بن عفان إلى لحظة كتابة هذه السطور لا يخلو من دافع ديني أو طائفي , عدَّها مثلاً : حروب الفتح الإسلامي ثم الحروب الصليبية وجهود الزنكيين والأيوبيين الحثيثة للقضاء على المد الشيعي في بلاد الشام وشمال أفريقيا ثم الصراع ذو الجذور الطائفية بين العثمانيين والصفويين وانتهاء بالحرب العراقية الإيرانية .
حتى في ذروة سيطرة الفكر القومي على عقول شعوب الشرق في القرن الماضي كان باطن الأحداث طائفياً بامتياز , وإلّا , ما الذي جعل حافظ الأسد يدعم الخميني ضد العراق إبان الحرب العراقية الإيرانية وهو العربي العروبي الذي يسعى لتحرير الأرض والإنسان العربيين ؟ وما الذي جعل ابنه يرتمي في أحضان ملالي إيران ويتعكز بأداتهم حزب الله ويتكئ على واليهم في بغداد ؟ إزاء هذا الوضع كان الاحتقان الطائفي منذ سبعينات القرن الماضي وقد انفجر الآن والنظام هو البادئ وهو الأظلم في جرائمه البشعة التي يتم فيها قنص رؤوس المتظاهرين العزل بصورة لا يفعلها ألد الأعداء وأكثرهم وحشية .
قذائف النظام , يا سيدي جان , هي محشوة بحقد طائفي بغيض منذ أول يوم بدأت فيه الثورة السورية .
والسؤال ماذا على الثوار فعله على الأرض ؟ وبمن سيستنجدون وأي شعارات سيرفعون ؟ يأتي الجواب سلساً وهو أن اللجوء يكون إلى الطائفة وقد جعل النظام في أذنيه وقراً وعلى قلبه غشاء حتى لا يرى ولا يسمع أصوات المستغيثين ونداء المصلحين .
لا شيء يثير همَّة العربي وحفيظته ويشحذ غيرته وشهامته ونخوته أكثر من دينه , سالفاً وحاضراً فلماذا تلوم الجيش الحر على استثماره الدين في هذا المجال ؟ .
ثم لماذا هذا الخوف من الشعار الديني في هذه المرحلة ؟ وإذا حكم الإسلاميون فليكن , لنجربهم كما قال أخونا هوشنك أوسي قبل أيام في مقال له , ألم يعط الإسلاميون دفعاً لتركيا خلال عشر سنوات ما لم تعطه أية حكومة أخرى منذ تشكيل الجمهورية التركية قبل حوالي قرن من الزمن ؟
يقول جان في معرض مقاله (إن مواجهة جيش طائفي بجيش طائفي آخر لا يعني إلا حرباً أهلية بشعة كريهة المنظر) كلام جميل ولكن الحرب الطائفية بدأت يا سيدي , وبدأها النظام عندما استغاث بإيران وحزب الله على شعبه الأعزل .
وهنا من حق كل طرف استخدام ما توفر له من السلاح المعنوي واللوجستي ومن حق السني استنهاض طائفته في هذه الحالة .
ثم يذهب كاتبنا مستنكراً دعوات بعض المنشقين الطائفية القريبة إلى السلفية وينسى عزيزنا أن مثل هذه الصرخات اليوتيوبية بحاجة إلى الإثبات قبل أن تنسب إلى أحد .
وأن رجال النظام مبدعون في فنون التزوير والفبركة للصق التهم على من يريدون ليستعطفوا الأوربيين والأمريكيين ويستميلوهم ضد “القاعدة” .
فكم من مسرحية ألفوها وكم من كذبة لفقوها , والفضيحة التي أخرجها المعلم لا يزال صداها يتردد بين الناس حتى هذه اللحظة .
يبدو لي أنك تقصد الأخوان في معرض حديثك عن أطراف تريد الاستحواذ على الثورة ومغانمها فيما بعد وفي هذه أقول أن ساحة الثورة مفتوحة لكل الملل والنحل والشرائح التي يتكون منها الشعب السوري (يلي بيسبق بياكل بندق) .
فإذا ضحى الأخوان بآلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والمشردين مقابل أطراف أخرى تعمل شبيحة للنظام , حينها يكون من حق الأخوان أن يكون لهم حصة الأسد في سورية ما بعد الأسد .
ثم ما الذي يمنع العلوي من الانشقاق عن النظام وتشكيل كتيبة يسميها كتيبة الحسن بن مكزون السنجاري أو لواء حسين بن حمدان الخصيبي مثلاً وهما اسمان لامعان في تاريخ الطائفة العلوية ؟ ما العيب في ذلك ؟ ألم تكن الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين على هذه الشاكلة : الجبل وصالح العلي العلوي .
والشمال وإبراهيم هنانو الكردي السني , والجنوب وسلطان باشا الاطرش الدرزي .
الم تخرج سورية منتصرة وسليمة وعلمانية آنذاك ؟ فلماذا الخوف من الحرب الأهلية الآن والتي إن تأججت فيكون النظام سببها وليس الثوار .
يأخذ السيد جان على الجيش الحر تسمية كتائبه باسماء من التاريخ الإسلامي ….
كل شعوب العالم تسمي كتائب جيوشها على اسماء أبطالها التاريخيين أياً كانت توجهات هؤلاء الأبطال فلماذا عيب على الجيش الحر تسمية كتائبه بأسماء القادة المسلمين الذين تركوا أثراً كبيراً في التاريخ من أمثال خالد بن الوليد وعمر بن العاص وطارق بن زياد .
ثم ما البديل إذا لم تسمَّ الكتائب بهذه الأسماء: كتيبة مصطفى طلاس أم كتيبة نانسي عجرم مثلاً ؟
على عكس ما ترمي إليه يا سيدي فأنا أدعو الكرد إلى تشكيل كتيبة باسم القائد الكردي العظيم , بطل حطين , ومحرر القدس صلاح الدين الأيوبي لحماية الشعب الكردي فيما إذا تفاقمت الأمور ودخلت البلاد حرباً أهلية مفتوحة : أجل , كتيبة صلاح الدين الأيوبي ولا مانع من أن يقودها أحد الخزنويين فالشريحة الدينية الكردية أثبتت عبر التاريخ وطنيتها وحبها لشعبها .
رغم أنّ نظرتي للدين لا تختلف عن نظرتك أنت .
عزيزي جان إن أقل ما يمكن قوله في طرحك المشكور أنه ليس وقته الآن , فإن أخوة لنا في الإنسانية والوطن هم الآن يموتون تحت الركام والأنقاض , وأطفالهم يقصفون بقذائف الدبابات والصواريخ ليسقطوا جثثاً هامدة أمام أعين ذويهم , وثمة أناس يذبحون بالسكاكين كالنعاج في بيوتهم وأمام ذويهم , أمام هذا الظرف لا ضير من الاستنجاد حتى بالشياطين لإنهاء هذه الحالة الكارثية الشاذة غير الإنسانية وعودة الحياة إلى طبيعتها .
ومن ثم تُناقش مسالة التسميات في إطار ثقافي وقانوني وسياسي بهدوء واسترخاء في سهرة مع فنجان من القهوة .
وقد علمني الطب أن المريض ذا الحالة الحرجة إذا حضر فبادئ ذي بدأ عليّ أن أتأكد من مجرى هواء التنفس وعمل القلب والرئتين .
وفيما عدا ذلك فإن جرحاً هنا وخدشاً هنا وكسرعظم هناك لا تتعدى كونها مثل التهام فطيرة كما يقول الإنكليز .
تقبل تحيتي .
د آلان كيكاني