“ها أنا على بعد رمية خنجر،فحسب..
كي أشعل النار ويسقط الضحاك…!”
كاوا حداد..
في ترجمة لم تتم لسفر الرؤيا الشِّفاهية..
إلى شهداء الغويران وبابا عمرو
بيد أن آذارعام 2004 شهد في الثاني عشر منه، إطلاقاً للرصاص على المواطنين في الملعب البلدي في قامشلي، وسقط إثر ذلك عدد من الشهداء، اندلعت لأجل ذلك أولى انتفاضة في تاريخ سوريا، اهتز إثرها عرش الاستبداد، بأقوى، من أقصى البلاد إلى أقصاها، وتعرض الكردي للتنكيل، والسجن، والتضييق عليه، بوتيرة أعلى، وهو ما استمر حتى الآن.
إن كل ما يمكن سرده عن تفاصيل الثاني عشر من آذار، قد قيل حقاً، على صعيد التوثيق، من قبل الكتاب الآذاريين، على نحو خاص، وهو موجود في ذاكرة الشعب الكردي في سوريا، وما أجدر أن يعاد الاعتبار إليه سورياً، بعد مرورثماني سنوات عليه، ويكون ذلك بتحقيق مقترح اللجنة الإعلامية لاتحاد تنسيقيات شباب الكرد في سوريا وغيرهم بكل تأكيد، كي تسمى الجمعة المقبلة ب”جمعة الوفاء ل12 آذار والكورد، وهو أمر جد مهم، لترميم تلك الأواصر التي تربط بين أبناء سوريا جميعاً، ولاسيما في ما يخص العلاقة مع الكرد، إذ استطاع النظام أن يشوه صورة الكردي، على امتداد عقود، وهو يسعى بكل ما أوتي من قمع، واستبداد، لمحو ملامح خصوصيته، ووجوده، وصهره في بوتقة القومية الأكبر، لدرجة أن من كان يترجم كتاباً عن تاريخ الكرد، صار مطالباً بتزوير الحقيقة، والحديث عن الكرد في ثلاثة أجزاء من كردستان، فقط، لذلك فما أكثرمن بات يقول: الكرد العرب السوريون، جرياً على نظرية “المفكر الجهبذي العلامة” أحمد الحاج علي، تبت يداه، وسود الله وجهه ووجوه أسياده وأضرار به من المرتزقة مزوري الحقائق..!.
يحل نوروز هذا العام، وهو مخضَّب بدماء أبناء سوريا، على اختلاف مللها ونحلها، أو أشكالها الفسيفسائية، حيث النظام لم يترك أحداً دون دفع فاتورة الضريبة والدم، لعل وعسى أن يستطيع الحفاظ على كرسي الفساد والاستبداد، لذلك فقد تشكلت خريطة سورية، فيها دماء حمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش وغياث مطر ومشعل التمو ونصرالدين برهك، وأبناء ريف دمشق، وحمص، حماة، وإدلب وجسر الشغور والحسكة، في ملحمة سورية عظيمة، قوامها عشرة آلاف شهيد، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى، والمعتقلين، والمهجرين، ومجهولي المصير، و هي الأولى من نوعها، من حيث شراسة المستبد، وغله، من جهة، وبسالة السوري، وإبائه، وإصراره على تحريربلده من رجس الطغاة، من جهة أخرى.
السوري ينحر، ويمارس في حقه الإعدام الميداني في بابا عمرالبطلة، أم ملاحم الثورة، والعالم لايزال يرمي مفرقعات حلوله، شمالاً ويميناً، على أنها حبوب مخدِّرة، يأباها السوري في دفعه لضريبة الحرب الكونية الدائرة ضده، وهو جائع، ظامىء، بلا مأوى، في عزِّ قرِّ الشتاء القارص، جرحاه يئنون أمام أعين العالم، من دون أن يتوافرله الدواء، بينما هذا العالم يهرب إلى الأمام، وهويمنح الطاغية، وأزلامه الفرصة تلو الأخرى، ربما حالماً أن يجعل من سوريا مسرحاً لاختبار نظرياته، وليزجّ بالشعب السوري في مختبره السياسي، في تواطؤمع استراتيجية النظام الدموي نفسه، منذ أولى لحظات الثورة، كي يئد كل شرايين الإخاء التي تربطه بأخيه، في حدود الوطن.
الدم السوري يصبح واحداً، منذ أولى قطرة أريقت على أيدي زبَّانية النظام، وإلى هذه اللحظة التي يحيي فيها الدم الدم، ويستذكر الجرح الجرح، لتكون الأنَّة واحدة الأرومة، كردية كانت، أم عربية، أم آشورية، أم تركمانية، حيث تكتمل اللوحة بتدرجات لون الدم، حسب تقويمه الزماني، ليجعل أحرارسوريا أقرب إلى بعضهم بعضاً، فتبكي الأم الكردية لأنين جريح لطفل في بابا عمر وهو في انتظار حسوة ماء أو حليب أو حنان، غير عارف كيف يقرأ سورة جرحه، في بيت تهدَّم، تفوح منه رائحة الدم، والموت، و لم يعد يسمع فيه دبيب خطوات أخوته أو والديه، وإن كان لايزال يدندن بأسمائهم واحداً تلو آخر، من دون أن يلاقي صدى أنينه، واستغاثاته، أذناً، وهو تماماً ما يذكِّرني بصديق رقيِّ،مهاجر، تعرفت عليه في العالم الافتراضي، قال لي بما لن أنساه: لقد وحد دم مشعل التمو عويلنا السوري، في مقام دمه، إلى الدرجة التي ودَّ الملايين أن يكونوا كرداً…!.
إذاً، إنَّ سقوط النظام الدموي لن يختصر في مجرد كفّ يدٍ له، في مجال هيمنته على دفة الحكم، بل إن كل أفانينه، وأضاليله، ومؤامراته، على الوحدة الوطنية، ستسقط هي الأخرى، كي يعرف السوري كم أن وطنه جميل!، مادام هتاف الشباب الثائر يهدر في لحظة الكتابة، هذه، في حلب الشهداء والشهباء ، في ستِّ جهات الكون، حيث يتجمهر الآلاف أمام القصر العدلي في حلب، محتجين على اعتقالى نشامى حلب: هي يالله هي يالله…..ما نركع إلا لله…..آزادي…آزادي..
آزادي.، بل مادام أن المزيد من التنكيل بالشعب السوري يؤدي إلى مزيد من الإصرار على إسقاط النظام، وما اتساع مساحة الاحتجاجات لتكون طبق خريطة سوريا، إلا مؤشر على أن حلول القتل، تزيد من إصرار الثوَّار، على أن لاقوة تثنيهم عن إسقاط النظام، لبناء سوريا الحرة، وإن كان هناك من لايلبث يبدع فكرة المؤتمر تلو المؤتمر متواطئاً مع هذا النظام الغاشم، ليطيل من أمد الدم، والتآمر، والاستبداد، حتى وإن ارتدى ثياب الوطنية، أو الأيديولوجيا، والطهارة، أو الثورة …….!.
5آذار2012