بعد عام على الثورة السورية: آذار صانعاً للحرية

إبراهيم اليوسف

   “ها أنا على بعد رمية خنجر،فحسب..

كي أشعل النار ويسقط الضحاك…!”
كاوا حداد..

في ترجمة لم تتم لسفر الرؤيا الشِّفاهية..

إلى شهداء الغويران وبابا عمرو
 

 يسجل شهر آذار لهذه السنة، وهو يكاد يختم مسيرة حول من عمر الثورة السورية، دلالات ومعاني جديدة، في ذاكرة السوريبن بعامة، والكرد بخاصة، لا لأنه الشهر الذي اقترن بالفرح والحزن، في آن واحد، في ذاكرتنا، وإنما لأنه فضاء مفتوح على حلم قيد الإنجاز، حلم مؤكد، وحتمي، ينتظر السوريون، من عين ديوار إلى درعا، قطوفه المؤجلة، على أحر من دم شاخب، وجرح نازفـ، وفي تواطؤ أممي باهظ الأكلاف،
 فهو الذي طالما كان يشهد هوسات البعثيين، وهلوساتهم، وهتافاتهم التي برعوا فيها، في ثامن أيامه منذ1963  وإلى عشية سقوط هذا النظام، ودأبوا يلزمون  قوافل الطلاب، والعمال، والموظفين، والنقابات، لينخرطوا فيها، مساقين كالدواب، مكرهين، مهانين، مطعونين في وطنيتهم، وآدميتهم، يسمعون نفاق المهرجين، حيث يرتفع الخطّ البياني لكتابة التقارير فيه، ضدّ كل من لا يلهب كفَّيه بالتصفيق، وحنجرته بالهتاف، وفمه بالابتسامة المزوّرة، ليكون مهرجاناً للنفاق والمنافقين، بامتياز، إلى الدرجة التي يكاد يوم المرأة العالمي يمحى فيه، لولا احتفالات خجلى تقام هنا وهناك، سرية الطابع، غالباً، و ليكون فيه يوم للمعلم الأكثر بؤساً في معجم موظفي سوريا، بيد أن كرد سوريا-بملايينهم الأربعة- وبالرغم من سوء طالعهم في هذا الشهر، أو حسنه،أحياناً،كانوا يحيون فيه نوروزهم، في شتى الظروف، مواجهين آلة القمع، في ظل منعهم من إحياء المناسبة،إلى أن  استشهد سليمان محمد أمين آدي في عام  1986 ،واستطاع حافظ الأسد، أن يمتص نقمة الكرد السوريين، بعد أن أصاب حرسه آدي بالرصاص، في مواجهة أولى مسيرة احتجاجية في تاريخ سوريا، توجهت إلى قصره، بعد منع كرد دمشق من الخروج إلى أحضان الطبيعة، و ساهم في هذه المسيرة الآلاف من  الجماهير الكردية الغاضبة،واهتز على إثرها عرش الاستبداد،  إلى أن أصدر الأسد الأب-على عجل- مرسوماً يقضي بتسمية هذا اليوم ب”عيد الأم” ليعطل فيه الكردي، ويحتفل بعيده، وليكون آدي شهيد نوروز الأول في سوريا، من دون أن تتم محاكة قتلته.

بيد أن آذارعام 2004 شهد في الثاني عشر منه، إطلاقاً للرصاص على المواطنين في الملعب البلدي في قامشلي، وسقط إثر ذلك عدد من الشهداء، اندلعت لأجل ذلك أولى انتفاضة في تاريخ سوريا، اهتز إثرها عرش الاستبداد، بأقوى، من أقصى البلاد إلى أقصاها، وتعرض الكردي للتنكيل، والسجن، والتضييق عليه، بوتيرة أعلى، وهو ما استمر حتى الآن.

إن كل ما يمكن سرده عن تفاصيل الثاني عشر من آذار، قد قيل حقاً، على صعيد التوثيق، من قبل الكتاب الآذاريين، على نحو خاص، وهو موجود في ذاكرة الشعب الكردي في سوريا، وما أجدر أن يعاد الاعتبار إليه سورياً، بعد مرورثماني سنوات عليه، ويكون ذلك بتحقيق مقترح اللجنة الإعلامية لاتحاد تنسيقيات شباب الكرد في سوريا وغيرهم بكل تأكيد، كي تسمى الجمعة المقبلة ب”جمعة الوفاء ل12 آذار والكورد، وهو أمر جد مهم، لترميم تلك الأواصر التي تربط بين أبناء سوريا جميعاً، ولاسيما في ما يخص العلاقة مع الكرد، إذ استطاع النظام أن يشوه صورة الكردي، على امتداد عقود، وهو يسعى بكل ما أوتي من قمع، واستبداد، لمحو ملامح خصوصيته، ووجوده، وصهره في بوتقة القومية الأكبر، لدرجة أن من كان يترجم كتاباً عن تاريخ الكرد، صار مطالباً بتزوير الحقيقة، والحديث عن الكرد في ثلاثة أجزاء من كردستان، فقط، لذلك فما أكثرمن بات يقول: الكرد العرب السوريون، جرياً على نظرية “المفكر الجهبذي العلامة” أحمد الحاج علي، تبت يداه، وسود الله وجهه ووجوه أسياده وأضرار به من المرتزقة مزوري الحقائق..!.
يحل نوروز هذا العام، وهو مخضَّب بدماء أبناء سوريا، على اختلاف مللها ونحلها، أو أشكالها الفسيفسائية، حيث النظام لم يترك أحداً دون دفع فاتورة الضريبة والدم، لعل وعسى أن يستطيع الحفاظ على كرسي الفساد والاستبداد، لذلك فقد تشكلت خريطة سورية، فيها دماء حمزة الخطيب وإبراهيم قاشوش وغياث مطر ومشعل التمو ونصرالدين برهك، وأبناء ريف دمشق، وحمص، حماة، وإدلب وجسر الشغور والحسكة، في ملحمة سورية عظيمة، قوامها عشرة آلاف شهيد، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى، والمعتقلين، والمهجرين، ومجهولي المصير، و هي الأولى من نوعها، من حيث شراسة المستبد، وغله، من جهة، وبسالة السوري، وإبائه، وإصراره على تحريربلده من رجس الطغاة، من جهة أخرى.
السوري ينحر، ويمارس في حقه الإعدام الميداني في بابا عمرالبطلة، أم ملاحم الثورة، والعالم لايزال يرمي مفرقعات حلوله، شمالاً ويميناً، على أنها حبوب مخدِّرة، يأباها السوري في دفعه لضريبة الحرب الكونية الدائرة ضده، وهو جائع، ظامىء، بلا مأوى، في عزِّ قرِّ الشتاء القارص، جرحاه يئنون أمام أعين العالم،  من دون أن يتوافرله الدواء، بينما هذا العالم يهرب إلى الأمام، وهويمنح الطاغية، وأزلامه الفرصة تلو الأخرى، ربما حالماً أن يجعل من سوريا مسرحاً لاختبار نظرياته، وليزجّ بالشعب السوري في مختبره السياسي، في تواطؤمع استراتيجية النظام الدموي نفسه، منذ أولى لحظات الثورة، كي يئد كل شرايين الإخاء التي تربطه بأخيه، في حدود الوطن.
الدم السوري يصبح واحداً، منذ أولى قطرة أريقت على أيدي زبَّانية النظام، وإلى هذه اللحظة التي يحيي فيها الدم الدم، ويستذكر الجرح الجرح، لتكون الأنَّة واحدة الأرومة، كردية كانت، أم عربية، أم آشورية، أم تركمانية، حيث تكتمل اللوحة بتدرجات لون الدم، حسب تقويمه الزماني، ليجعل أحرارسوريا أقرب إلى بعضهم بعضاً، فتبكي الأم الكردية لأنين  جريح لطفل في بابا عمر وهو في انتظار حسوة ماء أو حليب أو حنان، غير عارف كيف يقرأ سورة جرحه، في بيت تهدَّم، تفوح منه رائحة الدم، والموت، و لم يعد يسمع فيه دبيب خطوات أخوته أو والديه، وإن كان لايزال يدندن بأسمائهم واحداً تلو آخر، من دون أن يلاقي صدى أنينه، واستغاثاته، أذناً، وهو تماماً ما يذكِّرني بصديق رقيِّ،مهاجر، تعرفت عليه في العالم الافتراضي، قال لي بما لن أنساه: لقد وحد دم مشعل التمو عويلنا السوري، في مقام دمه، إلى الدرجة التي ودَّ الملايين أن يكونوا كرداً…!.
  إذاً، إنَّ سقوط النظام الدموي لن يختصر في  مجرد كفّ يدٍ له، في مجال هيمنته على دفة الحكم، بل إن كل أفانينه، وأضاليله، ومؤامراته، على الوحدة الوطنية، ستسقط هي الأخرى، كي يعرف السوري كم أن وطنه جميل!، مادام هتاف الشباب الثائر يهدر في لحظة الكتابة، هذه، في حلب الشهداء والشهباء ، في ستِّ جهات الكون، حيث يتجمهر الآلاف أمام القصر العدلي في حلب، محتجين على اعتقالى نشامى حلب: هي يالله هي يالله…..ما نركع إلا لله…..آزادي…آزادي..

آزادي.، بل مادام أن المزيد من التنكيل بالشعب السوري يؤدي إلى مزيد من الإصرار على إسقاط النظام، وما اتساع مساحة الاحتجاجات لتكون طبق خريطة سوريا، إلا مؤشر على أن حلول القتل، تزيد من إصرار الثوَّار، على أن لاقوة تثنيهم عن إسقاط النظام، لبناء سوريا الحرة، وإن كان هناك من لايلبث يبدع فكرة المؤتمر تلو المؤتمر متواطئاً مع هذا النظام الغاشم، ليطيل من أمد الدم، والتآمر، والاستبداد، حتى وإن ارتدى ثياب الوطنية، أو الأيديولوجيا، والطهارة، أو الثورة …….!.


5آذار2012

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…