فضيحةٌ كردية مسجَّلة

   إبراهيم محمود

بدايةً أقول من باب التوضيح، إني على استعداد في التضحية بكل ما أملك دفاعاً عن شعبي الكردي وإنسانيتي الكبرى التي أنتمي إليها، لحظة الشعور بأن هناك من يريد النيل من أرومتي الأثنية، بحجج لا تمت إلى الإنسانية بصلة، غير أنني- على طريقة أحدهم، مستعد أن أسمع الآخر، وأثني عليه، إذا ما وجَّه نقداً ملموساً  يقوّم اعوجاجاً يخصني، أو سلوكيات لا تتناسب والعصر بالنسبة للذين أنتسب إليهم في كرديتي، مؤيداً إياه ومسمّياً فيه تلك الإنسانية التي ترقى بنا جميعاً.
أما أن يكون الكردي هو الآخر، فالوضع مركَّب، عندما يتعالى على غيره، كما يتستر على عيوبه ومن يعتبرون رفقاء مهنته شديدة الخصوصية في العلاقات الاجتماعية وغيرها، أو على من هم حوله من بني جلدته، أو يتفوه بكلمات باسم النقد، لا تخلو من روح الاستهجان لذاته، ولكن يسمّيها، ومن يحاول النيل منه برغبة سادية مضلّلة لشخصه.
آتي إلى البدء بالموضوع المُعنون أعلاه، فأقول، إن أصله متشكل من أقوال تداولت هنا وهناك في الوسط الكردي، ومنذ فترة ليست ببعيدة من الزمن، ووجدتني متردداً في نشره وحتى التوقف عنده قليلاً، نظراً لخطورته، ولكنني في النهاية حسمت أمري، مشدّداً على أن الحقيقة متقدمة على كل انتماء ذاتي أو إنساني محلي ضيق وغيره.
إذ إن الذي تناهى إلي كما سمع به واطّلع عليه آخرون، ولو في دائرة محدودة، لأسباب ستتضح لاحقاً، هو أن رهطاً معتبراً من رموز الأحزاب الكردية ومن يتظللون بظلهم، عقدوا اجتماعاً لهم في مدينة قامشلو” مدينة الحب المطعون فيه”، وطال اجتماعهم إلى ساعة متأخرة من صباح اليوم التالي، متعرضين لما يجري في راهننا العصيب.
ما يهم هنا، هو أن واقعة جرت داخل الاجتماع التاريخي ذاك، تمت محاولة طمسها فيما بينهم، إلا أن صحفياً جسوراً، يهمه سرد القول حقيقةً (ولعلهم خُدعوا بدعوته إلى حضور الاجتماع، ليتشرَّف بمجريات الاجتماع المأثرة)، هذا الصحفي تمكن من أن يسجّل ما لا يخطر على بال كثيرين، وينشر واقعته بالتفصيل، تحت عنوان (فضيحة كردية مسجلة)، كما لو أنه كان يعلم أن أموراً كثيرة تحدث داخل اجتماعات من هذا النوع، لا تتم أرشفتها أو تسجيلها بالصوت والصورة، تمثّل تقريراً حياً ونافذ المفعول عن أبعاد الجاري في الحدث الصادم، وتلك نباهة من الصحفي المغامر، ناشد الحقيقة أولاً.
تعْلمنا الفضيحة، بأن أولي أمر أحزاب الكردية ومن ينالون شرف الجلوس معهم باعتبارهم أنصاراً لهم من كتاب وغيرهم، شعروا أن الاجتماع طال، فتوصلوا إلى صيغة مشتركة نسبياً، جرَّاء التعب الذي تملَّكهم جميعاً، تنص الصيغة على ضرورة أن يأخذوا قسطاً من الراحة، أي أن يغفوا لبعض الوقت، ليستعيدوا نشاطهم، ويكملوا ما بدأوا به.
وتم ذلك بالفعل، ولو بشكل تصاعدي أو تتابعي، ويظهر أن الغفوة تحولت إلى نوم ثقيل نسبياً، وحين استيقظوا أحسوا بثقل النوم حقاً، وبالكاد استمروا واتفقوا اضطراراً على نقاط تكون كغيرها في اجتماعات سابقة لهم.
لا شيء يلفت النظر حتى الآن، لكن الذي جرى، هو المتعلق بفترة النوم، حيث بقي الصحفي المغامر ذاك، ولفضول صحفي ومعرفي عجيب، في حالة يقظة، وربما على دراية بحصول ما لا يراد حصوله من قبل الغاطسين في نومهم.
إذ لم تمض لحظات، حتى صاروا يشخرون وينخرون، ويكْرِرون ويزمجرون في نومهم، وهي حالات نفسية وعصبية في آن واحد، تشمل المنطقة الواقعة بين الأنف والفم والصدر والمعدة أو البطن، في أصوات ذات دلالة.
ما تلا ذلك يمثّل واقعة (الفضيحة الكردية المسجلة)، إذ تتالت أصوات متقطعة من أفواه تكفلت بها شفاههم وبتفاوت، إيقاعياً:
أحدهم قال: يا أم فلان” ويقصد زوجته”، هؤلاء الذين سألتقي بهم، لا يستحقون الجلوس معهم، ولكنها القضية التي تجبرني على مجالستهم ومحادثتهم، ولي عقود طويلة في هذا “الكار” السياسي والحزبي وهم أغرار فيه.
آخر كان يقول: من أنتم لتتحدثوا في السياسة، فأنا أبزكم جميعاً، وكلكم إمَّعة فيما تقولونه وتفعلونه..
ثالث كان يقول: والله ما أحد فيكم يميّز بين الألف والباء، وأنا مبتل ٍ بكم، ولا أدري كيف المخرج من ذلك.
رابع تفوه بعبارة بذيئة من نوع” طز فيكم، وفي تاريخكم أجمعين..”..
خامس تقطعت عبارته ولكنها كانت واضحة: الحقيقة هي أنـ..ـكم لا تس…ـتحقون الأس..ـماء التي تعرَف..ـون بها، وأن الشعـ…ـب مخـد…وع بكم مذ كنـ..ـتم..
سادس أطلق كلمات غير مفهومة كما يجب، مثل: رجال لا رجال..تاريخ أسود..كرتون تالف..
سابع كان يشد على كلمات دون أخرى: نعم، نعم، لا أمل فيكم، كلنا في الطريق الخطأ، ولا أؤمن بكل ما يجري..
ثامن كان يقول بصوت صارخ تقريباً: النجدة، النجدة، لقد جاؤوا، جاؤونا..

اهربوا، هيا هيا، اقلبوا الكراسي.
تاسع كان يصدر صوتاً كالغناء: لولو لولو، زيق زيق، حزبي حزبي حَزْ بي…الخ
آخرون من أضرابهم أتوا بما هو مختلف، والذين يتظللون بظلهم اللاظل..
كل ما قيل تم تسجيله مع الصور الموضحة، وسعى جاهداً إلى ضبط الواقعة، وبقي زمناً متردداً في نشره، من خلال تأريخ الواقعة في موضوعه، وأنه اضطر إلى النشر لما في الموضوع من سبق صحفي ومن..دلالة فضائحية.
ونشر الموضوع في موقع كردي، مع التاريخ وتاريخ النشر، وقد اطلعتُ عليه مصادفة، إذ إنه سحب من الموقع، ولم يعد له من أثر، كما هو شأن موضوعات أخرى من هذا القبيل، ولحسن حظي أنني أرشفت الموضوع باسمه وموقعه وتاريخه في الحال، كونه لا يفوَّت..
المفارقة هي أن الموقع نفسه، نشر بياناً لا يخلو من ضبابية، يتحدث فيه الكاتب، حيث لا اسم بالدقة، لأن المذيَّل في الأسفل هو” مجموعة أحزاب كردية ومستقلين”، عن وجود طابور كردي خامس، وراء نشر موضوع يسيء إلى القضية الكردية، ويمثل إساءة شخصية مباشرة إلى الذين عناهم الصحفي الصعلوك والباحث عن نجومية رخيصة ونذلة، وأن الحاجة تكمن في ضرورة التنبه إلى أمثال هذا الصحفي ومن وراءه وهم يمدونه بالمال والمعلومات.
وفي الأسفل عبارة “النصر للشعب الكردي ومن يمثلونه خير تمثيل والخزي والعار لمن يسيء إليه برموزه”
اللافت أيضاً، هو أن نشر بيان ضراميٍّ كهذا أشعل فتيل الأقاويل أكثر، لأن التكذيب الذي شكل مضمونه، أثبت خلافه، من خلال حذف مادة الصحفي، إذ لو أوتي المعنيون بالموقع والذين نشروا خبر التكذيب وهو متبَّل بعبارات قادحة، بعضاً من الشجاعة وإرادة الحقيقة، لأُبقي َ على الموضوع ونشّر خبر التكذيب- على الأقل- في الأسفل.
الأمر الآخر، وكما رويَ هنا وهناك، وعلى ألسنة لا أظنهم طابوريين خامسياً، هو أن الذي جرى لاحقاً، بصدد الاجتماعات التي تتالت، وكما لوحظ من قبل شهود عياد ومن خلال التاريخ والتوقيت، أن الجلسة اللاحقة كانت تتحدد في زمن يتمكن فيه المؤتمرون أو المجتمعون من تداول ما يشغلهم، وحتى إلى اختصار الوقت تجنباً لما لا يحمد عقباه..
ما يقال أيضاً هو، أن كلاً منهم كان ينظر في كل اتجاه، ويحرك جسمه، وإذا تكلم فمن خلال تحريك يديه ورأسه، لئلا في المحظور السابق، أو ينبَّه في الحال إذا لوحظ خفوت في صوته أو إطباق نسبي لجفنيه..
وقال آخرون، إن هؤلاء، وتحت تأثير” الفضيحة” تلك، صاروا منضبطين أكثر مما يجب، حتى وهم في بيوتهم في مراقبة أنفسهم وهم مع أهل بيتهم، أو في بيوتهم الحزبية الخاصة، كما لو أن لعنة ” الفضيحة” عصفت بهم بالجملة..
ما يمكن قوله، وعلى سبيل المكاشفة للحدث التاريخي، هو أن الذي تردد كان يمثل الحقيقة الفعلية للواقع الفعلي لجملة هؤلاء الذين شكَّلوا أبطال” فضيحة مسجلة”، فالشارع يشهد على ذلك، والأخبار المتفرقة والصادرة عن هذا وذاك من المعنيين، لها صلة بتصريح أو تعقيب أو اعتراف مباغت في مكان، أيضاً تشهد على ذلك.

 ملاحظة تنويرية: حاولت إثر نشر المقال الأول للصحفي، وما أعقبه من بيان تكذيبي، أن أعثر على الصحفي الجريء، بغضّ النظر عما ذّيل باسم قد يكون حركياً، وأن ألتقي للسؤال عن المزيد، فلم أجد له أثراً حتى الآن.

لعله اختفى إثر تهديد ما، كونه لا بد أن عُرف بطرق لا تخفى على أحد من قبل حماة المجتمعين، أو لعله غيّر مكانه، وآثر الصمت، أو يراقب ما يجري، ويعد عدته في انتظار” فضيحة مسجلة” أخرى، لا تسرُّ إطلاقاً أياً من المعنيين بها، بقدر ما أن اختفاءه هذا، قد يشكل رعباً لآخرين، وفيما بينهم، في حالة اليقظة والنوم، خشية أن يقعوا في مصيدته المرعبة أو المريعة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…