الكلمات عندما تفقد دلالتها، ومعانيها « عودة الجاهلية»

محمد قاسم ” ابن الجزيرة “
m.qibnjezire@hotmail.com

لا يخفى ، أن الكلمات هي مجرد حروف وأصوات، وأنها تستمد حيويتها وأهميتها وقيمتها، من المعاني التي تختزنها.
أو بعبارة أخرى مما تعبر عنها من مضامين.

لذا فإن الكلمات التي لا دلالة واضحة لها توصف بـ “كلمات فارغة” أو” لغو” أو “ثرثرة” أو ” جدل “… الخ.
 وهناك حالات متعمدة من تحريف معاني الكلمات ودلالاتها ، تسمى في المنطق: “مغالطة“.

فهي تبدو وكأنها تعبر عن معنى منطقي (حقيقة عقلية)، ولكنها واقعيا تكون مموّهة.

 
إن المغالطة تتعمد تغليب مخالفة الحقيقة، وتلبسه رداء الحقيقة ؛ بقصد التعمية والتضليل لغاية خاصة.
وفي الأدبيات الشعبية –قبل النخبوية – تعتبر “الثرثرة” من عيوب الحديث ،  يقول”  جبران خليل جبران”  ما معناه:
 تعلمت من بعضهم قيما ،لا فضل لهم علي فيه ، ويعد منهم: “الثرثار”. فيقول: تعلمت أن الناس يكرهون الثرثرة، فتعلمت أن الثرثرة سلوك سيء ،وتجنبته.
لكن قد يكون الأخطر، هو اللجوء إلى تحريف المعاني عامدا، وخاصة من قبل الأحزاب السياسية –والنظم-الأيديولوجية – باعتبارها  تعتمد على البعد الذاتي في صياغتها، عبر أسلوب يبدو فلسفيا من حيث الشكل،  و يسعى- حقيقة- لغاية مختلفة، وهي:
 تثبيت مفاهيم محددة تخدم غايات معينة مسبقا… وهذا يميز الأيديولوجيا السياسية – وان لبست لبوسا فلسفيا –عن البحث الفلسفي الذي قد ينتهي إلى مذهب مؤطر شبيه بـ “الأيديولوجيا”  .
  المفاهيم في الأيديولوجيا السياسية ينتجها مثقفون سياسيون،  بينما مثقفوا الاتجاه المختلف–  أي الباحثون، هم مثقفون علماء، وفلاسفة-وقليل منهم يهتم بـ”الممارسة” السياسية..وان كان التفكير السياسي النظري يشكل موضوعا لأبحاثهم…
وكمثال، فإن “أرسطو” الفيلسوف اليوناني  المعروف ، كان من كبار العقول الفلسفية تاريخيا، ولا تزال فلسفته تتفاعل -وتدرّس – كمذهب فلسفي – ودون تبني أية جهة سياسية متنفذة لها، (لأنها لا تتوافق مع منهجهم الأيديولوجي السياسي) ولا تجيز هذه الفلسفة قيما سلبية ضد الإنسانية تشرعنها الأيديولوجيا مثل: القتل من أجل تحكم سلطوي بلا مشروعية، والاغتيال السياسي، أو تبرير شراء الذمم، والكذب …الخ.

بعناوين مختلفة تدغدغ المشاعر والمصالح الذاتية.
إن دور السياسة الأيديولوجية يتجاوز الدور المفترض للسياسة في حياة البشر، عندما تتبنى منظومة فكرية خلاصتها:
 التحكم بحريات الآخرين تحت شعارات  أيديولوجية مختلفة تنتهي جميعا إلى وصاية الحكام على الشعوب وتكريس نهج استبدادي مثل “دكتاتورية البروليتاريا”  أو “لا صوت يعلو صوت المعركة” وسن قوانين الطوارئ بحجج مختلفة، تهدف إلى تعزيز قواعد الحكام فضلا عن تضخم هائل لأجهزة استخبارية فوق القوانين..
وهذه  المفاهيم “الشعارات” تكون -عادة- ذات إيقاع خاص له صدى في الذهنية والسيكولوجية الشعبوية ، وتتخذها الأيديولوجية السياسية مطية للوصول إلى التحكم بأسماء براقة كالمشروعية الثورية … وأهداف  بأسماء صاعقة للوعي الشعبوي البسيط… اعتمادا على نتائج دراسات نفسية لتحقيق أهداف خاصة، خلفيتها المصالح.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…