الرقص على إيقاع دمشق

طارق الحميد

تظاهرت المزة، في قلب دمشق، فاهتز الجميع؛ النظام، وبعض الدول، إقليميا ودوليا، خصوصا المتلكئين، وبالطبع أنصار الأسد، والأمر نفسه انطبق على الساسة، مما يعني أن الجميع سيرقص في قادم الأيام على إيقاع دمشق.

فسيلحظ المتابع للشأن السوري تغيرات في المواقف، وتقلبات لم تكن متوقعة، وقد يصل الأمر إلى انشقاقات عن النظام الأسدي نفسه! فإقليميا، ها هي مصر تسحب سفيرها من دمشق، والحديث الآن هو عن ضرورة قطع العلاقات المصرية الأسدية، بل إن هناك استغرابا من تأخر الموقف المصري، داخل مصر نفسها، ويعزو البعض الموقف المصري الأخير إلى التصعيد الإخواني في مصر ضد نظام الأسد مما أحرج صناع القرار المصريين، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن السبب الأهم هو ما حدث بدمشق.
 فبعد أن خرجت المظاهرات هناك، وبشكل كبير – وهو ما لم يحدث حتى في طرابلس أيام الثورة على القذافي – لم يتبقَّ شيء يشفع لمريدي الأسد، أو المتلكئين، فما لم يتنبه إليه البعض أن مظاهرات دمشق كانت على بعد سبعمائة متر فقط من قصر الأسد! ومن شأن ذلك أن ينعكس على تركيبة النظام الأسدي نفسه، مما يعجل بالانشقاقات الداخلية، كما أسلفنا، خصوصا أن هناك معلومات عن اقتراب لحظة الانشقاقات تلك، وهو ما سيتضح مع قادم الأيام.

فاهتزاز العاصمة، أي عاصمة، يعني أن النظام بدأ يهتز.

فالحديث الآن بات صريحا عن خروج بعض رجال الأعمال من سوريا حفاظا على أنفسهم، وأبنائهم، وأموالهم، هذا عدا عن الحديث عن أن الحكومة الأسدية باتت مفككة عمليا اليوم على أرض الواقع.

المؤشر الآخر على أن الساسة سيرقصون على إيقاع دمشق، هو التصريح الصادر عن الخارجية الصينية، والذي يناقض ما نقلته وكالة أنباء النظام الأسدي بعد زيارة نائب وزير الخارجية الصيني، فبينما قالت الوكالة الأسدية إن المبعوث الصيني نقل للأسد تأييد بلاده الكامل له، قال بيان الخارجية الصينية إن نائب وزير خارجيتها أبلغ الأسد بأن بكين تتبنى المبادرة العربية، وهذه دلالة مهمة جدا، فمعناها أن الصين تحاول مداواة خطئها الفادح بمجلس الأمن مؤخرا، كما أنها تحاول تبرئة ساحتها من جرائم النظام الأسدي الأخيرة.


والأمر الآخر هنا أيضا هو قول الروس علنا بأن موسكو ما زالت تنتظر ردا خليجيا على طلبها للاجتماع معهم، وهو ما كشفناه الأسبوع الماضي، وبالتأكيد فإن السؤال الذي سيتبادر إلى ذهن القارئ هنا هو: لماذا تغيرت النغمة الصينية الروسية الآن؟ والإجابة المنطقية لذلك هي أن تحرك دمشق أجبر، وسيجبر، الجميع، بمن فيهم موسكو وبكين، على الرقص على إيقاع دمشق، كما أن فظاعة المجازر الأسدية المرتكبة في سوريا لن تسمح بأن تجاهر أي دولة بالتحالف مع قاتل الأطفال.

وقد يقول قائل: وماذا عن إيران؟ هنا تكون الإجابة مختلفة تماما، فبقاء الأسد بالنسبة لطهران مسألة حياة أو موت، لأن سقوط الأسد يعني قطع أيدي إيران في المنطقة من دون شك!
وعليه، فبعد أن ثمل الأسد بدماء السوريين، وأكل «المزة»، فعلينا ترقب أن يطرحه إيقاع دمشق؟

tariq@asharqalawsat.com  

الشرق الأوسط

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…