وجهة نظر: الأقلية الكوردية في سوريا!

عبدالقادر مصطفى

في الربع الاول من القرن المنصرم ظهر العمل القومي الشبه السياسي والتنظيمي في غرب كوردستان, حيث تجسد هذا العمل في جمعية -خويبون- الكوردية بقيادة الامير جلادت بدرخان وبمؤازرة عدد كبير من رؤساء القبائل الذين كانوا قد لاذوا بالفرار الى سوريا من همجية وبطش كمال اتاتورك جراء دعمهم ومشاركتهم لانتفاضة شيخ سعيد بيران 1925.

تتفق الساسة والمؤرخون على ان انطلاقة هذه الجمعية كانت ايذانا على بداية الوعي القومي لدى اكراد سوريا وكانت لهم اليد الطولى في ارساء هذا الشعور,
 وبدورهم ابدوا السكان الاصليين اعجابهم وارتياحهم وتضامنهم مع هؤلاء الثوار القادة, ولكن هذا الحراك لم يستطع في النهاية التخلص من الاحلام التي كانت تراودها طيلة هذه السنين والعمل في اشعال انتفاضة اكثر قوة وتنظيما والعودة الى كوردستان الشمالية, بسبب المتغيرات المتسارعة التي واكبت المنطقة, حيث خابت آمالهم في الوصول الى مبتغاهم, ودبت الخلافات والانكسارات بين صفوفهم وظهرت بدائل اكثر واقعية وموضوعية واسس اول فعل سياسي بين اكراد سوريا عام 1957 اكثر جدية وواقعية معني بشؤون الكورد السوريين باالرغم انه ظل اسير مفاهيم كوردستانية وبقايا شعارات خويبون في التحرير والتوحيد.

في اول مواجهة فعلية دارت بين التنظيم والسلطات السورية كانت عام 1960, في اروقة محكمة امن الدولة العليا بتهمة الانتساب الى جمعية سياسية من اهدافها سلخ جزء من اراضي الجمهورية العربية المتحدة واقامة دولة كوردية تسمى “كوردستان” حيث كانت الصدمة في وقعها كبيرا على قادة التنظيم في اول مرافعة امام القاضي العسكري واستطاع الاخير ان يطرح جملة من الاسئلة والاستفسارات وهي بمثابة تهمة اليهم وفي مقدمتهم د.نورالدين ظاظا ورفاقه حول اهداف التنظيم وغاياته ولكن من سوء الحظ كان الدفاع في غاية الخفوت والوهن ولم يستطيعوا تقديم الاجوبة المفروضة ووضعها امام هيئة المحكمة كما يجب, ومن جراءه اهتز اركان التنظيم جملة وتفصيلا وبدأت النقاشات الحادة تحوم حول جملة من المفاهيم الاساسية للوجود الكوردي واولها, هل الاكراد في سوريا شعب ام اقلية؟.
بدأ الهم الكوردي السوري في منتصف الستينات ويعتبر كونفرانس آب1965 مدخلا حقيقيا في تعريف الوجود الكوردي في سوريا كمكون اساسي يعيش على ارضه التاريخية, اعتقد ان هذا الحدث لم يأت من فراغ اومن العدم بل كان محصلة مواجهة حقيقية على بعض المفاهيم التي تشكلت من جراء المواقف الهزيلة التي سجلت في بداية التأسيس, وحاول البعض تمريرها لتصبح منطلقا في العمل القومي وحدث ما حدث من انشقاق حقيقي حول الوجود والمصير بين رفاق الامس وتوزعوا يمنة ويسرة فيما بعد.
لست هنا بصدد الدفاع عن احد التيارين-يمين او يسار- بقدر ما يهمني الوصول الى حقائق وخلاصات وما آلت اليه هذه النقاشات المصيرية الى يومنا هذا وهنا لا بد من تسجيل بعض الحقائق في العمل السياسي الكوردي في غربي كوردستان:
اولا- المجتمع الكوردي السوري مجتمع حزبوي في سلوكه وتفكيره, تعرف على السياسة من خلال الانتماء الحزبي وانطلق في دعواه القومي عبر هذه المدرسة الايديولوجية وبتنا جميعا اسرى المفاهيم الحزبوية بدون منازع.
ثانيا- الاحزاب الكوردية في سوريا لم تحاول يوما من الايام وخلال هذه العقود الخمسة ان تجلس حول الطاولة المستديرة في التوصل الى عقد مشترك في العمل القومي, ولم تفلح في فتح قنوات تسري في رحابها منطق الحوار وقبول الآخر.
ثالثا- هناك قضايا مصيرية عالقة لم يتم الاتفاق عليها بعد منها حق الكورد في تقرير  مصيره والشكل المناسب لهذا الحق وايضا البعد الوطني وعلاقاته السورية وكذالك في رسم البعد الكوردستاني وتلوينها بما يتلائم الصورة الحقيقية المتكاملة في العلاقات الصحيحة ذات المنفعة المتبادلة واخيرا وليس آخرا قراءة الموقف من النظام خلال هذه العقود الاربعة.
بعض الاحزاب الكوردية وليست جميعهم (حرصا على الحقيقة هناك احزاب قدمت نضالات لا يستهان بها من احتجاجات ومواقف مشرفة وتعرضوا الى الاعتقالات تعسفية من النظام الدموي) وفي تعاملهم مع المسألتين الكوردية والوطنية السورية في منتهى الارتباك والقلق, مما يؤرقنا مجددا في البحث عن الاسس التي تنهل منها هذه المجموعات مواقفهم المشينة وشرحهم غير الدقيق في القضايا المصيرية للشعب الكوردي في سوريا.
اعتقد, ان غياب في الرؤية الجلية والواضحة من جانب هؤلاء حول الوجود الكوردي التاريخي والقومي والثقافي في الجزء الغربي من كوردستان قد يكون المشكل الرئيسي والاول في عدم القدرة على ايجاد خطاب كوردي سياسي موحد, وليس من الانصاف مطلقا الخلط المتعمد من جانب البعض في تركيبة غير مقدسة تتساوى فيها الطالع والطالح, المناضل وعكسه مثلما ما جرى في مؤتمر ناوبردان1970, واعني هنا المجلس الوطني الكوردي, فشتان بين الذين قادوا انتفاضة 2004 ودفعوا ثمنا باهظا في السجون والمعتقلات وبين الذين كانوا وما يزالون يختبئون وراء الخطوط الرمادية على حساب الثورة وقضايا الشعب الكوردي!!!!.
الشارع الكوردي كما الشارع العربي منقسم الى تيارين لا ثالث بينهما, في كل الثورات والانتفاضات هناك اختياران, نحن جميعا امام تحولات نوعية ومصيرية في آن واحد, هذه ليست الاولى ولا الاخيرة في التاريخ السياسي الكوردي في سوريا, على سبيل المثال الانقسام الذي حصل في1965 اليس بين تيارين في اختيار العمل القومي -يمين و يسار- الا يشبه اليوم بالبارحة وان اختلفت المسميات والالوان ولكن الجوهر يبقى كما هو لاننا ايضا امام احد الاختيارين لا ثالث لهما.
القلق والارتباك والتنصل من المشاركة الحقيقية في الثورة والتأخير المتعمد من اتخاذ القرارات الحاسمة ليست من صفات قادة الشعوب, بل هي من سلوكيات الاقليات التي تخاف على ضياعها في مهب الثورة, اما الكورد في سوريا شعب بكامل مواصفاته الوجودية ومن الاجدر ان يكونوا رقما صعبا في قيادة الثورة والانتفاضة ومن المفترض ان يقدم نفسه شريكا مستحقا في سوريا الجديدة كشعب اصيل.


mustafa52@live.se

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…