محاكمة صلاح الدين في القرن الحادي والعشرين !!

علاء الدين عبد الرزاق جنكو

كانت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم فترة ملتهبة في الصراع بين الفكر الماركسي والفكر الديني والإسلامي خاصة ، وفي خضم هذا الصراع المرير يقف شاب كردي ليسأل أحد ساستنا الكرد الكبار – وكان ذو توجه يساري – ما رأيك بتغيير اسم مدرسة صلاح الدين ؟
وما إن انتهى الشاب من النطق بإسم صلاح الدين حتى رشق هذا المناضل شخصية صلاح الدين الأيوبي بوابل من الشتائم والمسبات ومؤكداً أنه ليس بكردي !!
استفسر الشاب عن سبب اتخاذه هذا الموقف المتشنج ؟ فرد قائلاً : إن صلاح الدين لم يقدم شيئاً للكرد ولم يخدم القضية الكردية بشيء !!
سيطرت الدهشة على الشاب فسأله : وماذا فعل القائد ( رستمي زال ) للأكراد وأنت تمدحه في محاضراتك وندواتك وتتباهى به على الرغم أن كرديته مشكوك بها ، أما صلاح الدين فأجمعت المصادر على نسبه الكردي ؟!
ردّ السياسي المحنك : رستمي زال أيضاً ليس بكردي !!

اطرق الشاب قليلا ثم بادره متسائلا : ومنذ متى يبدأ التاريخ الكردي يا سيدي ؟
فرد عليه السيد المناضل : تاريخ الكرد الفعلي والحقيقي يبدأ منذ بدايات القرن العشرين !!
وصل الشاب إلى قمة دهشته مما سمع ؛ ليقف أمام هذا المناضل ويقول له ناصحاً : يا سيدي ما تقوله أمر في غاية الخطورة ، كيف تمحق تاريخ أمة بأكملها نتيجة ردة فعل لا مبرر لها … يا سيدي ..

إن أمة عمرها مئة سنة لا تستحق أن تسمى أمة ، إنما هي      ( قبائل غجر ) !!!!  وأنت رجل في هذا المستوى وفي هذا المركز ، ماذا ستقول لو وقف أمامك صحفي عالمي يسألك ويناقشك عن تاريخ الكرد بدلاً مني !!
تأخرت فعلا عن الكتابة عن جدي صلاح الدين الأيوبي ، فكنت أحاول أن أقنع نفسي أن هذه الزوبعة التي تثار حول هذا القائد الكبير في طريقها للزوال ، ولكني رأيت المسألة تأخذ أبعاداً أخرى ، فبعض الكتاب يستغل الصراع بين الغرب والإرهابيين بصورة جبانة ؛ ليحققوا ما كانوا عاجزين عنه في السابق من طرح الاتهامات ، بل وحتى النيل من الإسلام الحنيف …
وما النيل من قائد مثل صلاح الدين إلا هو في الحقيقة نيل من عقيدته لا من شخصه ، لأني وبكل ثقة أقولها لو كان صلاح الدين قائدا غير مسلم لكان بطلا في أعين هؤلاء حتى لو بنى مجده على جماجم الكرد …
وإذا كان هناك نفر قليل من الكرد من هو متحامل على صلاح الدين نتيجة موقفه من القوميين العرب الذين استغلوا الدين في عداء قضيتنا أسألهم : هل سيتبرأ الكردي من رموز كرديته عندما يرى البعض يقطعون آذان إخوتهم ويرهبون الكرد باسم القضية الكردية ؟
الذين يحاكمون صلاح الدين أنه لم يقم دولة كردية ، لماذا لا يحاكمون أمتهم العريقة التي كانت عقيمة عن إنجاب الأبطال إلى ظهور قائد بهذا المستوى ، وهم يتحدثون صباحاً مساءً عن أمجاد الأمة الكردية قبل أن يخلق صلاح الدين بآلاف السنين ؟
إن التشكيك في الاعتزاز بهذا البطل والقائد الكردي المسلم قاهر الملوك ومحرر الأقصى الذي شهد له الخصوم قبل الأصدقاء – هذا التشكيك – هو قطع بين حاضر الكرد وماضيهم بل هو أقوى دليل يقدم لخصوم الكرد بأن الكرد ليسوا إلا قطعان من البشر جمعتها جبال صامتة جامدة !!
كما أنه قطع لكل روابط الإخوة التي تربط الكرد كشعب مسالم راق متحضر صانع للخير وداع للأمن – مع إخوته العرب الذين بنوا معا تاريخا مشتركا يشكل أقوى سياج أمام من يحاول النيل من الشعبين …
ومن يحاكم صلاح الدين ، لماذا لا يحاكم زرادشت ( وهو نبي كردي ) بأنه لم يقم دولة كردية ؟ هذا النبي الذي يقول عنه الفرس بأنه أصل الحضارة الفارسية …
وإذا كان الكرد غير المسلمين ينتمون إلى زرادشت – كما يقولون – منذ فجر التاريخ ويمتلكون حضارة قبل وصول العرب البدو إليهم باسم الإسلام لماذا لم يقيموا دولة كردية ؟!! ولماذا يطالبون ويحاكمون صلاح الدين ؟ فإن كان السبب هو خدمة العرب فليتبرؤوا من زرادشت لأنه خدم الفرس والهنود !!!
ومحاكمة صلاح الدين وهو في القرن الثاني عشر الميلادي بمقاييس القرن الحادي والعشرين ظلم للحقيقة قبل أن يكون ظلما لصلاح الدين .
وأي دعوة توجه لصلاح الدين بأنه كان عليه أن يستيقظ من نوم الديانة إلى صحو القومية دعوة غير عاقلة لا ينطق بها من له أدنى حظ من الموضوعية ، وهو كمن يحاكم شخصاً في القرن الحادي والثلاثين بأنه خدم القومية الكردية ولم يقم دولة عشائرية للعشيرة الفلانية ، وبعد عشرة قرون أخرى يحاكم شخصاً آخر لأنه لم يقم دولة عائلية.
كردية صلاح أكبر دليل ورد على أولئك الذين يتهمون الكرد بأنهم ضيوف على المنطقة ، وبكل تأكيد هو دليل – لكل العالم – على أن أمة أنجبت صلاح الدين ليس بأقل قدراً من أمة أنجبت نابليون بونابرت أو رتشارد قلب الأسد ، فعندما تتوافر الظروف للكرد كما لغيرهم بإمكانهم أن يتقلدوا قيادة الحضارة بأسمى معانيها الأخلاقية التي تمثلت بالخلق الإسلامي الكردي عندما عامل صلاح الدين الصليبيين عكس ما كانوا يتصورون …….
وفي هذا المقام أقف بكل تقدير واحترام لمواقف المثقفين والكتاب الكرد المعتبرين على مستوى كردستان بأكلمها من هذا البطل وعلى رأسهم الشاعر الكبير جكر خوين الذي زين قصيدته الرائعة (   Kîme Ez   )  باسم هذا القائد الأسطورة مفتخرا بأمجاده وشخصيته ..
ويبدو بالفعل أن صلاح الدين لا يستحق أن يكتب فيه إلا الكبار ، أما الصغار فلينشغلوا بما يناسب مستواهم ….
أما ما نشر من سخافات وادعاءات بأن صلاح الدين قتل أخوه لأنه لم يقم دولة كردية فهو خبر يترفع الإنسان عن الخوض في نقاشه لأنه أتفه من أن يناقش !!!
ليس عجباً بأن نسمع ونحن على بعد/ 814 سنة من يتهم صلاح الدين بأنه خدم العرب ولم يخدم الكرد ، وقد سمعنا في عام / 1992م من بعض رموزنا الكردية من يتهم الشرفاء الأكراد في كردستان العراق المحافظين على وحدة العراق كما يحافظون على وحدة أجسادهم بأنهم جيب عميل لأعداء المنطقة !!!
سمعت العجائب والعجائب في تاريخ هذا البطل الذي عجزت النساء أن تلدن مثله ، لكن أغرب ما سمعته عن كاتب يرى من نفسه مجددا في طرح عقيدة ( دين كرد ) ؟!! يقول عن صلاح الدين : لم يكن بين جيش صلاح الدين الأيوبي رجلا كرديا يؤمن بدين محمد !!!
فلا أدري هل الكاتب يتحدث عن شخصية أخرى بهذا الاسم … أم أكذب أذني وعيني لما سمعت وقرأت … أم أكذب حقيقة وجود صلاح الدين أصلا وأعتبرها من أساطير الأولين !!!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…