وهنا تمتلك الحكومة تصوراً بتطبيق زيادة مباشرة تدريجية على اسعار مواد الطاقة مثل المازوت والبنزين والغاز على مدة خمس سنوات ، بينما تترك موضوع المواد الغذائية معتمدة على تغير عادات المستهلك ، واعتماده تدريجيا على المواد المطروحة في السوق حيث يمكن الغاء الدعم بشكل مباشر بعد خمس سنوات في حال النجاح في تحقيق مجموعة من الاهداف.
على رأس المواد ( الحساسة ) التي يضع الفريق الاقتصادي في نيته زيادة اسعارها تدريجيا بشكل مباشر هو المازوت ، وقد صرح نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري قبل ايام ان الدولة تستورد المشتقات النفطية بقيمة 4 مليارات دولار كل عام.
ومشكلة المازوت بانه يشكل مدخلا اوليا في انتاج وصناعة الكثير من المواد ابتداءا من الخبز مرورا بالمحاصيل المختلفة وصولا الى الصناعات الثقيلة.
وبالتالي فان زيادة سعره لا شك بانها ستتسبب في زيادة اسعار النقل والمنتجات الزراعية والمنتجات الصناعية وكثير من المواد الاستهلاكية ، خاصة ان نسبة الزيادة في السعر ستكون كبيرة فيكفي ان نعرف بان سعر ليتر المازوت بحسب الاسعار العالمية يصل الى 30 ل.س بينما السعر الحالي في السوق المحلية يساوي 7 ليرات سورية فقط.
لماذا رفع الدعم?
طبعا رفع الدعم يأتي بعدما اعتمدت سوريا نهج ” اقتصاد السوق ” الذي يعتمد بشكل كبير على المنافسة والربحية ، ويستلزم موارد كبيرة للتحول من اقتصاد موجه مركزي الى اقتصاد مفتوح حر يعتمد على المنافسة والتبادل التجاري ، بينما تخسر الدولة ما يقارب 25% من مواردها في تقديم الدعم للعديد من السلع الاساسية.
فضمن سياسات تحسين كفاءة الاداء ، وتحفيز المنافسة ، فان الحسابات تنحو باتجاه مغاير لما يمكن ان نسميه الوصاية الاجتماعية للدولة.
هذا من جهة، من جهة اخرى ان دعم بعض المواد ضمن نهج ” اقتصاد السوق ” ومفهوم التبادل الحر للسلع والبضائع ، هو مخالف لاحكام التجارة العالمية ، لانه بحسب هذه الاحكام يعد ممارسة تجارية غير شرعية ( الدعم ) ، من خلال تدخل الدولة بشكل مباشر في تخفيض تكاليف الانتاج للمنتجات ( بالنسبة لمواد الطاقة والكهرباء ).
من هذا المنطلق قررت الحكومة رفع الدعم عن هذه المواد بالتحديد ، بالتزامن مع وضع بدائل لاستمرار تمتع المواطن ( فقط ) بدعم لتخفيض اسعار استهلاك هذه المواد ، وتدرس حاليا مجموعة من الحلول من قبيل تخصيص كل فرد بكمية محددة من المازوت المدعوم ، او بمبلغ سنوي يعوض عليه خسارة الارتفاع ..
الخ.
ولكن مع الأسف ان هذه الحلول تبقى ناقصة ، إذا لم تترافق في رفع معدلات الرواتب والأجور ، لان خسارة المواطن لن تكون في فرق السعر في مادة المازوت ( على سبيل المثال ) وإنما في التضخم السعري الذي سينشأ ، كون المازوت يدخل كمادة اساسية في صناعة الكثير من المواد كما ذكرنا.
متى ؟
اذا هي خطوة مقررة ، ولكن اختيار تنفيذها يبقى امرا دقيقا وبحاجة الى دراسة عميقة.
وبالعودة الى تصريحات الدردري ، فقد اكد بانه لا يوجد رفع لسعر المازوت خلال الاشهر القادمة ، وحتى بعض انقضاء هذه الاشهر فان الاحتمال قائم بتأجيل هذه الخطوة ، وذلك بناءا على نقاشات حكومية معمقة تدرس بدقة فيما اذا كان المجتمع السوري قادراً على تحمل مثل هذا الثمن المؤلم في مثل الظروف التي نمر فيها.
ونتائج هذه النقاشات قد تؤدي الى اقرار تأجيل تنفيذ هذه السياسة لشهور اخرى ، وخاصة بان هناك تيار في الحكومة يؤيد تأجيل تنفيذ مثل هذه السياسات من جهة قناعته بان الوقت غير مناسب لتحميل المواطن السوري اعباءا اضافية في هذا الوقت.
ولكن ما يمكن التأكيد عليه ، بان الغاء الدعم هو سياسة مقررة ، وبُدء بتنفيذها بالفعل من خلال رفع اسعار البنزين قبل فترة ، اما الجدول الزمني للتنفيذ قد يخضع لبعض التعديلات وفقا للظروف الموضوعية التي تمر فيها سوريا ، وتؤثر بشكل مباشر على المواطن ، الذي سيتحمل القسط الاكبر من الالم الناشئ عن عملية التحول لاقتصاد السوق.
سيريا نيوز