محي الدين شيخ آلي: الـكرد والمعـارضـة السـوريـة*

السـادة الحضـور …
تحيــةً واحتـراماً …

معروف بأنه في ظل حكم نظام البعث على مدى 49 عام بقي الشعب السوري بكرده وعربه محروماً من ألفباء الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وكذلك استمرار الشوفينية والعنصرية حيال الشعب الكردي وبقاء السياسة الرسمية القاضية بإنكار الوجود الكردي معمولاً بها .

إن القمع والتمييز بمختلف أشكاله الخفية والظاهرة في حياة المجتمع على قدم وساق ، مما يدفع الشعب السوري برمته إلى شعورٍ مؤلم وقلق عميق .

 

إن قلق ومعاناة الكرد ليس فقط حيال ما يجري من قمعٍ وسفكٍ للدماء في بعض المناطق السورية ، بل وكذلك حيال ضبابية قوى المعارضة السورية وما تعانيه من تناقضات وعدم تآلف ، فبقدر إظهارها في الإعلام العربي والعالمي ، بقدر ما تعاني من خلافاتٍ وأمراضٍ مزمنة ومؤسفة ، مردها في الأساس التشوه الذي أصاب المجتمع وحياة وتطور القوى السياسية عبر السنين الطويلة من تسلط حزب البعث ، حيث من الوارد والمحق أن يكون للكرد أيضاً عنواناً سياسياً وممثلية خاصة تليق بهم ، لتواكب متطلبات المرحلة والعصر .

في هذا السياق كان انعقاد المؤتمر الوطني الكردي في سوريا في شهر تشرين الأول من العام المنصرم ضرورة تاريخية ، وإن تعرضته ملاحظات وانتقادات من الواجب الحرص عليه والعمل معاً لتطويره .
* في الآونة الأخيرة أقدمت أحزاب الحركة الوطنية الكردية في سوريا صاحبة الدعوة لانعقاد المؤتمر الوطني ذاك ، على اتخاذ قرارها بتعليق عضويتها في أطر المعارضة العربية – السورية ، وذلك إنسجاماً مع توصيات وتوجهات المؤتمر من جهة ، وخطوة صوب تحقيق تلاقي ووحدة الموقف والصف بغية بلورة ممثلية قادرة على الدفاع عن قضية شعبٍ مغبون من جهةٍ ثانية .
* ومن الأهمية بمكان ألا يستشف من خطوةٍ كهذه ، بأن الحركة الكردية في سوريا تدير ظهرها للمعارضة السورية أو تسد طرق وسبل التعاون والتنسيق مع قوى المعارضة العربية السورية ، بل الهدف من وراء هذه الخطوة هو تآلف وتوحيد الصف الكردي السوري لتجنب الانجرار وراء عناوين وشعارات بعض أوساط المعارضة السورية والتحول إلى مطية لأجنداتها من جانب ، ولتتمكن الممثلية الكردية باسم المجلس الوطني الكردي في سوريا المنبثق عن المؤتمر ، من أداء دورٍ إيجابي بناء ونشط في تقريب وجهات نظر قوى المعارضة السورية وتآلفها ووحدتها وفق تعامل ديمقراطي مسؤول من جانب آخر .
السـادة الحضـور …
إن أرشيف وتاريخ حياة سوريا السياسية يظهر بجلاء بأن الكرد ومنذ عام 1957 شكلوا الكتلة السياسية الوحيدة التي انفردت في طرح وإبراز مصطلح الديمقراطية ومفهوم حقوق الإنسان في سوريا والدفاع عنها بلا تردد ، في وقتٍ كان فيه اليسار واليمين في الوسط العربي بدءاً بالحزب الشيوعي مروراً بالإخوان المسلمين وصولاً إلى حزب البعث … الخ ، يتجنبون وينأون بأنفسهم من إيراد مفهوم الديمقراطية ومعاني حقوق الإنسان في برامجهم النظرية والعملية على أرض الواقع في سوريا ، مما جعلت الحركة السياسية الكردية تناضل وتجهد وسط مناخ وظروف في غاية المشقة والصعوبات ، وواصلت نضالها العادل ولاتزال ، حيث ذاق الآلاف من المناضلين الكرد السوريين عذاب السجون والمحاكم الصورية ، وشُرد عشرات الألوف منهم ، ناهيك عمن ذهبت أرواحهم ضحايا شهداء ، دفاعاً عن الكرد وقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا .
* إن حقيقة الوجود الكردي وحراكه السياسي في سوريا – في الأمس واليوم – تبقى تشكل معارضة قائمة بذاتها حيال القمع وغياب الديمقراطية وسياسة الإنكار المعتمدة لدى أنظمة الحكم ، وبالتالي فإنها أي الحركة الكردية ، ليست معارضة موسمية ، حيث يبقى الهدف هو تحقيق تغيير حقيقي واسع وشامل في الوضع السوري القائم الذي بات اليوم هذا التغيير يشكل ضرورة مجتمعية – تاريخية ، لبناء سورية جديدة على قاعدة إزالة وتفكيك أسس وبنية نظام الحزب الواحد ، وذلك تلبيةً لمطلب ومصالح الشعب الكردي بقدر ما يلبي ويجسد مصالح ومطلب الجمهور السوري عموماً .
* إلا أن تحقيق هذا التغيير المنشود ، بقدر ما يكون سلمياً ، بقدر ما يكون في صالح وخدمة الكرد والعرب ومختلف ألوان الطيف السوري ، وعلى هذا الأساس ، فإن المطلب العاجل هو وقف سفك الدماء ودوامة العنف قبل أي اعتبار آخر .
وأما سيناريوهات تدخل عسكري خارجي تحت أي غطاء كان ، فإنه يحمل في طياته مزيداً من إراقة الدماء والكره والعداوة وأعمال القتل ، لينتشر ويعم الفوضى سائر أنحاء سوريا وأطيافها المجتمعية .
إزاء ملامح هذا الخيار المدمر والمنبوذ ، فإن الحركة الكردية صاحبة موقف ودور تاريخي يتجسد بتمسكها الثابت بالمنهج السلمي ومبدأ اللاعنف ، ورفض كافة أشكال ودعوات العسكرة وتسليح المنتفضين الذي لا ولن يصب في خدمة مصلحة ومستقبل الشعب السوري .
* على صعيد آخر ، من الأهمية بمكان ، ضرورة تفهم وإدراك خصوصية الوضع الكردي في سوريا ، والتنبه حيال التوزع الديمغرافي – الجغرافي السكاني – للمناطق الثلاث (جبال الكرد – عفرين ، كوباني عين العرب ، الجزيرة) على تخوم معينة من الحدود الدولية السورية التركية البالغة طولها 910 كم ، وكذلك الأبعاد الحيوية لموقع سوريا على ضفاف شرق البحر المتوسط ، مما يحمل الحركة الكردية على وجوب التحلي بالحذر واليقظة ، كي لا يقع الكرد ضحية تجاذبات وألاعيب السياسة الدولية التي من العبث الثقة بها أو الرهان عليها من قريب أو بعيد .
* وليكون واضحاً للجميع بأن حالة المخاض وغليان الوضع القائم جراء الأزمة الشاملة الاستثنائية والخاصة التي تعيشها سوريا منذ أحد عشر شهراً ، ويقع يومياً عشرات القتلى ومئات الجرحى والمعتقلين ، لا شك بأن نظام البعث وحكم نمطية الحزب الواحد – موديل شاوشيسكو – يتحمل كامل المسؤولية ، وإن التعنت وكافة أشكال التشدد والقمع ومصادرة الرأي الآخر أياً كان مصدره ، لا ولن يفسح الطريق أمام بلورة حلٍ سياسي للأزمة ، وفي هذا الصدد فإن الكرد كما في الأمس واليوم ، ينبذون لغة التحريض وخطاب التهييج ، وذلك درءاً لمخاطر التشدد والإرهاب ، حيث أن الغالبية الساحقة من الكرد في سوريا يرون بأن استخدام وتجيير مشاعر الدين والمعتقدات لأغراض السياسة والمصالح الآنية ، أمرٌ شائن ، غير مقبول وموضع قلق ، حيث أن الانزلاق وراء هكذا سياق لا يهدد أو يجرح وحدة وتآلف المجتمع السوري فحسب ، بل ويسد الطريق أمام التغيير الديمقراطي المنشود ، ويجعل إيجاد حلٍ للمسألة القومية للشعب الكردي أمراً بعيد المنال.
* إن حقيقة تركيبة اللوحة المجتمعية للشعب السوري لا تتمثل فقط بوجود قوميتين رئيسيتين ، العربية والكردية في ثناياه ، بل ثمة تململ ونزعات باتجاه إسلام سياسي سني ، علوي ، درزي وإسماعيلي ، إلى جانب الطابع الخاص للأخوة المسيحيين ، ناهيك عن مسعى إحياء العشائرية وما إلى هنالك من ظواهر لاوطنية … حيث أن الكرد في هذا الإطار ومن خلال مواقعهم وثقلهم الشعبي وحراكهم السياسي المتزن والمتنامي ، يشكلون رافعة أساسية في حماية وحدة الوطن السوري ، وهذا ما يخدم حياة ومصلحة الشعب الكردي وحلّ قضيته القومية الذي لطالما يكمن في إطار وحدة البلاد وحياةٍ ديمقراطية ، حياةٍ تصان فيها حرية وكرامة الإنسان ، وتحترم حقوق الشعوب والقوميات على قاعدة نبذ التمييز وإحلال المساواة .
ختاماً ، نتقدم بجزيل الشكر والامتنان لمقام رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق على استضافتها لهكذا كونفرانس ، وكذلك لجهود لجنته التحضيرية .
النصر والنجاح لقضية السلم والحرية والمساواة …
لقضية الشعب الكردي العادلة …
حلب 26/1/2012
أخوكم
محي الدين شيخ آلي
سكرتير حزب الوحـدة الديمقراطي الكردي في سوريا ( يكيتي )
==================
* ترجمة النص الكردي للكلمة التي كان قد تم توجيهها إلى كونفرانس الجالية الكردية السورية في الخارج والذي انعقد في أربيل – عاصمة إقليم كردستان العراق في 28 – 29 /1/2012 ، وسلمت في حينه إلى ديوان الرئاسة لتكون من وثائق الكونفرانس .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…

نظام مير محمدي* عادةً ما تواجه الأنظمة الديكتاتورية في مراحلها الأخيرة سلسلةً من الأزمات المعقدة والمتنوعة. هذه الأزمات، الناجمة عن عقود من القمع والفساد المنهجي وسوء الإدارة الاقتصادية والعزلة الدولية، تؤدي إلى تفاقم المشكلات بدلاً من حلها. وكل قرارٍ يتخذ لحل مشكلة ما يؤدي إلى نشوء أزمات جديدة أو يزيد من حدة الأزمات القائمة. وهكذا يغرق النظام في دائرة…