في الاستكراد المعني.. استغباء!!

عمر كوجري

في ذمة التاريخ السياسي الكلاسيكي أو الأكاديمي ثمة مدلولات أخذت حيّز المصطلحات المتعارف عليها علمياً، كالاستشراق الذي عنى رغبة الآخر الغربي للتعرف على تاريخ الشرق ودياناته وطقوسه الروحية، وخلافها، والاستغراق في الاستشراق من خلال البعثات التي أخذت طابعاً معرفياً وثقافياً، بالتعاضد العلماء المهتمين بالجانب الأركيولوجي والتاريخي للمنطقة، لكنها كانت في دواخلها بعثات تبشيرية أرادت التبشير بالديانة المسيحية، وشجعت الناس للدخول في الدين المسيحي وخاصة في أواسط القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين.

 

 وفي مرحلة ما حاول المثقفون العرب بل مثقفو الشرق الإسلامي بمحاكاة وتقليد الغرب المسيحي لكنهم لم ينجحوا كما نجح خصومهم، ولكن أن تجري عملية تحويل وتحوير ظالمة بحق مفردة أخرى متشاكلة مع مفردات الاستشراق ” من الشرق”  والاستغراب ” من الغرب” وهي مفردة” الاستكراد” التي لا تعني نقل حضارة وثقافة كردية إلى الشعوب الأخرى، بل معنى آخر مناف تماماً للمعنى التوعوي أو الحضاري للكلمة
المطلع على الإعلام العربي في الفترة الأخيرة على وجه التحديد يتوصل إلى نتيجة أن هذا الإعلام بقصد أو غير قصد يأتي على ذكر الكرد بالسوء، ولعل الجملة الأثيرة لدى هؤلاء هي : لا تستكردونا، والله حاولنا أن نستكردكم، هل تودون أن نصدقكم، ونستكرد؟! ولا تنسى هذه المحطات والفضائيات أو تردف في نهاية هذه الجمل أن تقول: طبعاً نعتذر من إخوتنا الأكراد.
بمجمل الأحوال لفظة الاستكراد عند هؤلاء ثقيلي الظل والسمجين هي المقترنة بالاستعلاء القومي الذي أصبح في ذمة الماضي البغيض، إنهم يتقصّدون، ويتعمّدون بالاستغباء، والنظر إلى الآخر وكأنه من اليسر الضحك على عقله، وهؤلاء من حيث يدرون أولا يدرون يسيئون إلى قومية تعداد سكانها أكثر من أربعين مليوناً، وتعيش بالجوار التاريخي والجغرافي، وتجمع بين الأمة الكردية وهؤلاء أواصر الدين والإرادة وغيرها مما يستوجب عدم الخوض في مجال الإساءة بسبب وبلا سبب.
هل من الضرورة أن يكتب أو يتحدث مثقف كردي عما أثاره ابن خلدون منذ مئات السنين عن العربان ” من العرب” حينما قال إنهم أشد الشعوب كرهاً للحضارة والرقي،  ورأى أنهم  « في طور البداوة المتوحشة الذين يفرون من الاستقرار والعمران، ويهدمون المباني لتحويل أحجارها إلى أثافٍ للقدور، ويهدمون السقف ليتخذوا من أخشابها أوتاداً للخيام»
إن استعادة مفاهيم ابن خلدون عن العرب غير مجدية ومفيدة حالياً، وأي تسويق لهذا الكلام غير منطقي ولا مجد، فلماذا يتنطع بعض المثقفين العرب للحديث بالسوء عن الكرد بمناسبة وغير مناسبة، و الكثير من الطيف الثقافي والسياسي الكردي يرون أمة العرب أمة عظيمة لأن عناصر التواشج بين الشعبين الكردي والعربي أكثر من أن تحصى، أو تختصر.
آن الأوان لكي يتخلص المثقفون أو بعض المثقفين العرب من وهم استعداء الكرد ولو في لا شعورهم الجمعي، هذا الاستعداء لا يخدم لا الثقافة العربية ولا الإسلامية، ولا يخدم إنسان الألفية الثالثة حيث تذوب الفوارق، وتتصدع فوالق التنافر والتنابذ لمصلحة الشعوب الحية.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…