هكذا نفهم وحدة الحركة الكردية السورية

صلاح بدرالدين

بادىء ذي بدء لابد من تبيان الفرق الشاسع بين التعريف الراهن ونحن في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين والذي سبقه خلال سنوات منتصف القرن العشرين في الأول تجسدت الحركة الكردية في اطار حزب قومي جماهيري استقطب مختلف الطبقات والفئات والأعمار ورغم تعدد المراكز الحزبية فيما بعد الا أن تعريف الحركة لم تتجاوز فعليا الأحزاب القائمة في غضون عدة عقود ولم يستمر الوضع طويلا الى مالانهاية بعد أن وجه النظام ضربة قوية لليسار القومي الديموقراطي الكردي المعارض منذ بداية التسعينات حيث كشفت الهبة الكردية الشعبية الدفاعية في ربيع عام 2004 ولأول مرة بأقصى درجات الوضوح عن أزمة العمل الحزبي وجوانب التقصير والعجز في أداء قيادات – مجموع الأحزاب الكردية –

 

 كما أظهرت على أرض الواقع بروز نواة قوى مستجدة في الساحة الكردية عمادها الشباب والجماهير اللاحزبية أو المستقلة من الذين لم يكن لهم صوت وهم من شكلوا وقود الهبة وجسمها وشهداءها وقد أفرز التحول العميق هذا حقائق جديدة على الأرض لايمكن تجاهلها وفي مقدمتها اعادة تعريف الحركة القومية الكردية التي لم تعد تقتصر على التنظيمات الحزبية القائمة لتشمل قطاعات واسعة جدا من الشعب مثل المستقلين والشباب والمرأة والمثقفين وفئات من الطبقة الوسطى ومناضلين قدامى ابتعدوا عن الصراعات الحزبية .

وباندلاع الانتفاضة الثورية السورية منذ سبعة شهور وتجاوب المناطق الكردية ومواقع التواجد الكردي معها عبر الشباب والتيارات الأكثر جذرية والشخصيات الوطنية وغياب شبه كامل للتنظيمات الحزبية حتى تراجع نفوذها في الوسط الشعبي وأصيب صدقيتها في الصميم وتعمق الفرز أكثر ليبشر بولادة قوى شبابية معبرة عن طموحات وأهداف الكرد ومجسدة لمصالح الحركة الكردية في المرحلة الراهنة التي تجتازها سوريا في ظل ثورتها الوطنية من أجل الحرية والكرامة واعادة بناء الدولة التعددية الحديثة والمناضلون الكرد السورييون يتميزون بتاريخ حافل في مجال مواجهة الاستبداد والتصدي للظلم ولحركتهم تراث ناصع حول نشدان الاصلاح والتغيير بدءا من انعطافة الخامس من آب عام 1965 ومرورا بهبة آذار وانتهاء بالانتفاضة الراهنة فالجماهير ترشد الآن من كان وصيا عليها من القائد والحزب والنخبة وعودة الموقع المركزي لها في حركة التاريخ ونحن أمام ثورة وطنية واجتماعية قد تطال استحقاقات الهوية والقلق على مستقبل مابعد الاستبداد وبدء المعركة من الآن في الساحة الكردية اسوة بالساحة السورية العامة .
في ظل الواقع الجديد وأمام معطيات الحقائق المستجدة في المجتمع الكردي وفي خضم تحولات قوى ومضامين الحركة الكردية بالذات لم يعد الخطاب الحزبوي القديم مقبولا ولا واقعيا بشأن جميع القضايا ذات الصلة بالكرد ومستقبلهم وبالخصوص حول الحركة القومية وتجلياتها السياسية وبرنامجها وموقعها في الانتفاضة ودورها الوطني العام وعلى قيادات التنظيمات الحزبية أن تعي أن زمام المبادرة القومية والوطنية ليس ملكها ولم تعد بأيديها كما كان قبل عقود ومن هنا يمكن تفسير الاستقبال الحذر من جانب الغالبية الكردية لدعواتها الى مؤتمرات واقامة مرجعيات والتساؤلات المتواصلة التي لن تتوقف مثل : لماذا المؤتمر هل من أجل وحدة الأحزاب أم وحدة الشعب ؟ هل من أجل نصرة الانتفاضة أم محاربتها ؟ والوحدة بين من ومن ؟ وما هوشكل الوحدة المطلوبة واطارها ؟ وما هو برنامج الحد الأدنى لأي اطار وحدوي في المؤتمر المنشود ؟ .
في البحث عن المصلحة الكردية في اطار المصالح الوطنية العامة نقول عادة ماتعقد مؤتمرات الحركات المناضلة من قومية وغيرها من أجل مراجعة القديم وطرح الجديد في ظروف تستدعي حدوث انعطافات في الفكر والموقف وفي الحالة السورية الراهنة والكردية منها على وجه الخصوص كان على كل حركة أو حزب أو تنظيم اما أن يكون قد عقد خلوات واجتماعات للتحضير للثورة والانتفاضة ووضع برنامجها وخطة عملها وتهيئة كل مستلزماتها قبل اندلاعها منذ سبعة أشهر أو يقوم بذلك اذا ما تخلف عن الركب بعد نجاح الثورة استقبالا للمرحلة الجديدة مابعد الاستبداد والسؤال المطروح الآن أمام أصحاب دعوات عقد المؤتمرات الوطنية أو القومية الكردية السورية وهم من قيادات الأحزاب والتنظيمات التقليدية لماذا الآن ولأي سبب ومن اجل أي هدف ؟ أنتم لم تحضروا لأي حراك ولم تشاركوا فعليا في الانتفاضة الثورية في جميع المناطق الكردية وفي أماكن التواجد الكردي ولم تدعوا لعقد حتى لقاءات شاملة من أجل تهيئة المكون الكردي لمواجهة ماسيحدث ولم ترفعوا سياسيا وعمليا شعار اسقاط النظام اسوة بتنسيقيات ومجاميع الشباب الكردي المساهم بفعالية في الثورة السورية ولم تنتهي المرحلة الأولى من الثورة أي اسقاط النظام حتى يتم بحث برنامج مرحلة مابعد نظام الأسد فنحن الآن في أصعب مراحل الانتفاضة الثورية التي تستدعي دون ابطاء وبكل بساطة الوقوف الى جانب الشباب والمساهمة كل من موقعه في انجاح الانتفاضة ولايحتاج الأمر الى مؤتمرات أو خلافها , هل ما يعلن من دعوات لعقد المؤتمر القومي أو الوطني أو بناء المرجعية الكردية بهدف العودة الى الوراء وتحييد الساحة الكردية بغية عزلها عن حراك الثورة السورية تحت حجج وذرائع واهية وغير واقعية من قبيل : ” حماية الكرد وعدم التدخل في الصراع الدائر أو الادعاء بأن ظهر الكرد مكشوف وأوراقهم قليلة أو أن حلفاءهم المفترضون في المعارضة العربية السورية غير مأموني الجانب أو اثارة التخوف من مواجهة كردية – عربية في المناطق المختلطة ” أصحاب تلك الحجج أدرى من غيرهم ببطلانها لأن الطريق الوحيد لانقاذ الشعب الكردي من محنته ورفع الاضطهاد عن كاهله والاستجابة لحقوقه المشروعة هو بتوفر النظام السياسي الديموقراطي الذي تسعى اليه الانتفاضة الثورية والكرد الى جانب كل المكونات الوطنية هم جزء من الصراع بين السوريين من جهة والنظام من الجهة الأخرى والظهر الكردي قوي بارادته ووحدته وتلاحمه مع العرب السوريين وباقي المكونات فالانتفاضة السورية خلقت وطنية جديدة تستند على التضامن والمصير الواحد بين الجميع والشراكة ولن تحدث مواجهات عنصرية بين الكرد وغيرهم كما يثبت التاريخ المشترك منذ مئات السنين وكما دلت الأشهر الانتفاضية الأخيرة واذا كانت تيارات معارضة اسلاموية وقوموية من اخوان مسلمين وبقايا بعثيين في صفوف المعارضة الخارجية خصوصا لم تلتزم بالحقوق الكردية حتى الآن فهناك قوى وتيارات لاحصر لها تقف الى جانبنا وخاصة تنسيقيات الانتفاضة في المناطق السورية التي رفعت الشعارات الكردية في درعا وحمص واللاذقية وادلب على سبيل المثال لاالحصر وأمام هذه الذرائع غير المقنعة قد يكون هدف قيادات التنظيمات الحزبية النأي عن زخم موجة التغيير التي تطال الأحزاب التقليدية في كل سوريا قيادات وبرامج ومواقف سياسية ومحاولة اعادة التموضع من جديد في ظل موازين قوى مائلة لصالح بقاء واستمرارية القيادات الفاشلة بعد أن اختلت بفعل الحراك الشبابي الكردي والقيادات الميدانية التي أفرزتها الجماهير في مختلف المناطق .
مما يزيد ويضاعف الحذر من عقد مؤتمرات قومية أو وطنية في ظل هذه الظروف السائدة وأمام المعطيات والتوقعات الواردة أعلاه عامل آخر أكثر خطورة يتمثل بالأسباب التالية :
أولا – كون غالبية الداعين تنتمي الى تنظيمات مازالت تتواصل مع السلطات عبر قنوات غير معلنة ولم تشترك في الانتفاضة الثورية في المناطق الكردية ولم تلتزم بشعار الثورة السورية الرئيسي : اسقاط النظام والتنظيمات الكلاسيكية الكردية التي فات أوانها وتربت تحت وطأة الأجهزة واشرافها لاتستطيع الخروج من دائرة التبعية تماما مثل حالة التنظيمات الوطنية السورية عامة من الأحزاب في جبهة النظام وخارجها .
ثانيا – بسبب ضعف التنظيمات الكردية وانقساماتها وعجزها عن تحقيق ولو جزء بسيط من شعاراتها وبرامجها ولأسباب تاريخية أخرى فانها وكعملية هروب الى الأمام تنحو باتجاه المبالغة في الولاء لقوى خارج الحدود عندما تواجه أي مأزق وليس دائما يجلب هذا الولاء الخير لكرد سوريا كما في حالتنا المشخصة الراهنة حيث تتقاطع عكسيا مصالح كل من قادة الاتحاد الوطني الكردستاني في العراق وحزب العمال الكردستاني في تركيا مع مصالح الجماهير الكردية السورية في تغيير النظام الحاكم بل تتوافق بحسب رؤية الطرفين وكل من موقعه مع نظام الأسد وهذا مايضفي اشارة استفهام أخرى على المعادلة التي نأمل أن لاتتجاوز حدودها وتبقى في اطار الخلاف بين الأشقاء والصراع السياسي الحضاري الذي ستثبت الأيام والشهور القادمة صحة خيار الجماهير الشعبية الكردية في الانتفاضة الثورية حتى دحر الاستبداد .
لسنا بحاجة كحركة كردية سورية الى خوض تجربة خاسرة بالمراهنة على نظام استبدادي قاتل يمارس الشوفينية والعنصرية ضد شعبنا منذ أكثر من أربعين عاما حتى لو أطلق الوعود والعهود الرنانة كما لسنا مجبرين على مخالفة حركة التاريخ والعودة الى الوراء لنختبر من جديد مدى جدية وصدقية من خسروا الرهان منذ أمد بعيد حتى لو قالوا بالحكم الذاتي أو الادارة الذاتية تحت رعاية الحاكم المستبد .
الحوار المتمدن

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…