كوردستان ـ سوريا لن تصبح الحديقة الخلفية لاي كان

علي صالح ميراني

تشهد كوردستان ـ سوريا حالة غير مألوفة من التجاذبات الحادة بين بعض مكوناته المحلية وبأيد خارجية، وصلت ـ بكل اسف ـ الى درجة تصفية الحسابات القديمة بالرصاص الطائش، ولا نأتي بجديد اذا قلنا ان مصدر تلك الحالة من القلق والخشية من الوصول الى نهاية نفق مظلم لا يحمد عقباه، هي تدخلات الجوار القريب، وكأن واحدهم يريد ان يستدفأ بحك جلودنا نحن، وليس جلده، علاوة عن خبث القوى الاقليمية المتربصة بنا، ويمكن رصد تلك التجاذبات والانعطافات الحادة عبر مؤشرات كثيرة لا تخطأها العين، اللهم كل عين معصوبة او عمياء، وهذا لا يعني اننا نهمل الدور المخرب لممارسات النظام السوري ونفسيات بعض الساسة الكورد في تحمل القدر الاكبر فيما وصلت اليه الامور من التردي والسوء.

 

    لقد بدأت بعض القوى خارج حدود كوردستان ـ سوريا، بمواصلة ليلها بنهارها، لتثبيت مواقعها في ساحته اكثر من اي وقت سابق، استعدادا لتسخير استحقاقات الكورد السوريين المقبلة لصالحهم، والسيطرة على مقدراتهم، وكسب شبابهم في معاركها الجانبية، وكأن ليس للكورد السوريين معاركهم خاصة بهم، والتي تأتي في مقدمتها معركة بناء قراهم وبلداتهم ومدنهم المتهدمة، وهي التي لم تألو آلة البعث الرهيبة في هدم ومحو كل اثر للتطور فيها عبر عقود مظلمة من التاريخ.

والغريب ان افرادا ومكونات كوردية سورية، تجد في نفسها هوى وميلا قويا في ان تكون الوكيل الامين لتنفيذ مهام واجندات خارجة عن حدوده الجغرافية والتاريخية، بذرائع لاتستقيم في الواقع المعاش بادنى درجاته، وكأن كوردستان ـ سوريا ليست ارضا كوردستانية هي الاخرى مثلها مثل غيرها من اجزاء كوردستان الاخرى، وانه ليست للاجزاء الكوردستانية اي فضل عليها لا قديما ولا حديثا، باستثناء الروابط القومية التي تجمع بين جميع ابناء كوردستان، هذا اذا لم نقبل ان كوردستان ـ سوريا كانت ولاتزال هي صاحبة اليد الطولى في مدهم بالدعم اللازم عبر كل مراحل التاريخ، واولها الدم الكوردي السوري الذي روى كل اجزاء كوردستان من دون تمييز او تفريق.
وبناء عليه، فان اي برنامج سياسي لاي حزب كوردي ما لا يحمل بين ثناياه، مبدأ تحسين اوضاع الكورد السوريين المعيشية وتأمين مستوى العيش الكريم لهم بعد كل تلك العذابات، وتحصيل حقوقهم القومية المشروعة وعلى رأسها الحقوق السياسية والديمقراطية، واقرار كل ذلك في الدستور السوري المقبل، وخلق بنية تحتية قوية في مناطقه شبه المنكوبة، سيكون بلاشك برنامجا دخيلا ـ وايا حمل من المسميات القومية والدينية ـ وبذرة خبيثة تحاول تسخير قضيتهم في سبيل تحقيق اهدافهم الخاصة بهم.
كثيرة هي القوى التي تحاول جعل كوردستان ـ سوريا حديقتها الخلفية، فالدولة التركية لن تقف مكتوفة الايدي كعادتها، وستبذل جهودها في خلق جبهة كوردية سورية تبرر لها افعالها الوحشية بحق اخواننا هناك، وسيكون مخلبها في ذلك بعض الشخصيات التي ادمنت الربح السريع على حساب هموم الفقراء، وبعض “المتدينيين” الذين لايزالون يعتقدون ان تركيا العثمانية هي خليفة عموم المسلمين في الارض، ودولة العراق الجارة الشرقية لكوردستان ـ سوريا ستصبح هي الاخرى وكيلة لايران في كسب شريحة واسعة من الكورد السوريين، وستزرع بعض عملائها هنا وهناك، وستدعمهم بالمال العراقي والايراني الوافر، وستساهم في خلق جمعيات واحزاب كرتونية تحمل اجندات عراقية ـ ايرانية واضحة، وعلاوة عن تركيا والعراق، هاهي مصر “الاخوانية” تهيأ اروقة قاعات القاهرة لضيافة كورد سوريين محسوبين على فكرها الاخواني قبل ايام، ولسان حالهم يردد: هل يعقل ان يكون لنا تنظيمات في 72 دولة وان لا يكون لهم تنظمهم في كوردستان ـ سوريا؟

    ان الايام تخبأ للكورد السوريين الكثير من المفاجأت والمنغصات، وكل الامل معقود على الشباب الكوردي الواعي والمؤمن بخصوصية كوردستان ـ سوريا، وانها ارض احلام اكثر من ثلاثة ملايين كوردي من حقهم ان يبنوا مؤسساتهم الديمقراطية والعلمية والدستورية، قبل الالتفات الى اي شيء اخر، وان ينعموا بالراحة ويهيأوا انفسهم للعمل الجبار بعد عقود من الخراب والدمار، وان يفهموا جيدا ان مصلحتهم تكمن في ان لا يصبحوا الحديقة الخلفية لاي جهة كانت، ومهما كانت المبررات المثارة، وغير هذا فانهم سيكونون الوقود لمشاريع الاخرين، الذين لم يجدوا فيه ـ طوال عقود خلت ـ غير الاخ الصغير الفاقد للاهلية، واللقمة السائغة لاجندة بعض المتربصين وباقنعتهم المزيفة المكشوفة.

وخلاصة القول اننا نأمل ان تبقى كوردستان ـ سوريا كتلة صخرية ملتحمة، وخرسان طبيعي غير قابل للقسمة.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…