المعادلة الكردية المشوهة (الإنقسام في الوحدة) رؤية من الداخل.

  فؤادعليكو

إن المتتبع للوحة السياسية الكردية في الوقت الراهن يصاب بالذهول من مفارقات الخطاب السياسي الممارس اليوم من قبل النخب السياسية والثفافية الكردية بمختلف اطيافها وتلاوينها.

فالكل يدعو الى الحاجة الماسة الى توحيد الموقف السياسي، نظراً لحساسية المرحلة التي نمر بها وبالتالي توحيد الخطاب السياسي وهذا منطق سليم وضروري جداً لتجاوز المرحلة خاصةً إذا علمنا بأننا نعيش مرحلة ثورة سورية حقيقية سوف تطال التغيير البنية الأساسية للنظام السوري الممارس منذ أكثر من نصف قرن وحتى اليوم والتي كانت من أهم معالمها الأساسية كردياً تهميشه عن الحياة السياسية كلياً، وممارسة أقصى أنواع السياسات العنصرية بحقه (تجريد من الجنسية—نزع الأراضي وتوزيعها على مستوطنين عرب –تعريب اسماء المدن والقرى الكردية—الفصل والنقل التسفي للشباب الكرد-عدم تسلمهم الادارات والوظائف الحساسة0000الخ0)
وكل هذه الإجراءات تندرج تحت عنوان عريض –سياسة الصهر القومي-ومع كل ذلك قاوم الكرد بكل عناد هذه السياسة وقدموا في سبيل ذلك الكثير من التضحيات(اعتقال وسجن وقتل وتجويع) طيلة هذه المدة الطويلة، واليوم نحن أمام مرحلة تاريخية جديدة وفاصلة في الحياة السياسية السورية أي أننا أمام عتبة تشكل خارطة سياسية لسورية الجديدة سورية المستقبل، وهذا ما يتطلب تضافر كافة قوى المجتمع الكردي، سياسيين، مثقفين، شباب، للعمل معاً وفق رؤية سياسية موحدة وعلى كافة الصعد ووضع الخلافات الحزبية الجزئية جانباً في هذه المرحلة وتأسيس تصور واضح ودقيق لحل القضية الكردية في سورية وكذلك مسألة الديمقراطية والنظام السياسي بشكل عام كوننا جزءاً اساسياً ومهماً في المعادلة السياسية السورية ومن حقنا أن يكون لنا رؤيتنا في الوضع السوري العام وأن لا نقبل على أنفسنا أن نبقى متلقين وهامشيين كما كنا منذ نصف قرن ولدينا من الكفاءات ما يؤهلنا لذلك، وهذا ما يتطلب منا جميعاً العمل عليه اليوم.

وهذا ما كان الهدف منه تاسيس مرجعية شاملة بعض نقاشات ماراتونية صعبة بين اثني عشر كياناً كردياً (انسحب اثنان منهم فيما بعد) ثم تمخضت النقاشات عن ولادة المجلس الوطني الكردي في 26/10/2011 وتفائل الشارع السياسي الكردي خيراً بما تم تحقيقه، وللحقيقة القول هو انجاز كبير قياساً عما كان ممارساً منذ فترة ليست بالقصيرة من صراعات وانقسام بين الأحزاب معظمها شخصية أو ثانوية غير مبررة، لكن في الجانب الآخر حمل المجلس بذور تناقضاته معه حين أعتمد مبدأ المساواة الكاملة في تمثيل الأحزاب داخل المجلس بغض النظر عن حجمه وتمثيله الجغرافي ونشاطه وعدم وضع معايير مقبولة لذلك، مما افسح المجال واسعاً لسهام النقد والهجوم من قبل التنظيمات التي رفضت حضور المؤتمر أو أبعدت بطريقة لبقة، كما أفسح المجال أيضاً على ظهور تكتل آخر وإن كان أ قل حجما وتأثيراً على الشارع لكنه تماشياً مع مبدأ( ما في حدا احسن من حدا) كان الإعلان عن ذلك التكتل، إضافة الى ظهور تجمعات جديدة تحت مسميات مختلفة وليس غريباً أن نجد خلال الشهرين المنصرمين ظهور أربعة أحزاب احداهم من داخل المجلس الوطني الكردي وليس مستبعداً أن نشهد في الشهور القادمة أرقاماً مماثلة أو أكثر طالما لايوجد ضابط أو معيار متفق علية لتأسيس مثل هذه التجمعات، والساحة الكردية حبلى بالكثير منها ولا يحتاج الأمر سوى أن تجتمع مجموعة من الأفراد مع بعضها وتعلن على النت عن تكتل آخر وتدعو الى(وحدة الموقف والصف الكردي) ومن ثم تبحث عن حلفاء مماثلة لها في الساحة الكردية والعربية، وبذلك ندخل في دوامة اعلان أحزاب جديدة ونشوء تكتلات جديدة والمطالبة بوحدة الصف الكردي أنها (مهزلة) ولوحة تراجيدية للواقع السياسي الكردي بكل تجلياته وحالة انحطاط معرفي بأبجديات الف –باء السياسة ولا يمكن تسميتها وفهمها إلا من خلال اللوحة القبلية العشائرية أي أن تكوين هذه الأحزاب حالة تكبيرية للواقع القبلي المتخلف والتي من أبرز سماته حب الزعامة والإفتخار بها لا أكثر دون أي إحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذه المرحلة الحساسة تجاه شعبه0
وبناء على ماتقدم نلاحظ أننا أمام لوحة سوداوية للواقع السياسي المتشتت في العمق والتي تزداد تشتتاً يوما بعد آخر إذا لم يتم تدارك الموضوع ومعالجة الأزمة بوسائل جذرية غير قابلة للتصدع بين فترة وأخرى، سنصبح بذلك اوراقاً رخيصة بيد الآخرين يلعب فينا كما يريدون، ويختاروا لنا حقوقنا وواجباتنا وفق ما تقتضيه مصالحهم0 لذلك يتطلب منا جميعاً –سياسيين ومثقفين- البحث عن آلية او آليات جديدة تؤدي الى تأطير الحركة الكردية بشكل يؤمن الأستقرار في بنيته التنظيمية وسد الطريق أمام كل من يحاول دفعها باتجاه التشتت والإنقسام، وأرى بأننا أمام خيارين لا ثالث لهما:
الخيار الأول: العمل على دمج التنظيمات القائمة في عدد من الأحزاب لا يتجاوز عددها عن أربع على أبعد تقدير بما فيها التنظيمات الموجودة خارج المجلس الوطني الكردي، مع اعتماد الرؤية السياسية العامة للمجلس الوطني الكردي كقاعدة أساسية لهذه الوحدة، وهذا العمل الكبير يحتاج الى قليل من التضحية بالذات الشخصية وعقلية الزعامة القبلية، لأن وجود المرء كعضو عادي في تنظيم يحظى بإحترام شعبه أفضل مائة مرة من تنظيم يتعرض لسهام النقد والسخرية احياناً أخرى، وبعض ذلك يتفق على معيار محدد فيما بينهم لإضفاء الشرعية على حزب ما، كي لا يترك الباب مفتوحاً لكل من يحاول إنشاء حزب انترنيتي كما يحلو له.
الخيار الثاني: أعتماد التمثيل النسبي للأحزاب أثناء تأسيس التكلات الكردية والأتفاق على معايير عملية (بشرية –جغرافية –اقتصادية-ميدانية)، وبوضع هذه المعايير قيد التنفيذ يغلق الباب أمام الكتل ااصغيرة مما يدفعها أما إلى النشاط بشكل فعال بين الجماهير لتقوية ذاتها من جميع الجوانب أو يدفعها الأمر الى العمل والبحث جدياً عن أحزاب قريبة منها سياسياً لتوحيد صفوفها مجاراتاً مع المعيار المعتمد من قبل الجميع، وكذلك يقطع الطريق أمام تكوين تكلات جديدة.
أما بالنسبة للمجلس الوطني الكردي فيجب إعادة النظر في تشكيل هيكلها من جديد، بحيث يتم إنتخاب الممثلين للمؤتمر القادم على أساس الشرائح المجتعية وهذا ما يتطلب تشكيل مؤسسات هذه الشرائح أي تأسيس النقابات او المنظمات الشعبية للمجتمع المدني ومن ثم إنتخاب ممثليهم من بينهم حصراً وبذلك نقترب كثيراً من التمثيل الحقيقي المفترض.
أما إذا لم نتبع  أي من الخيارين فسنبقى ندور في حلقة مفرغة وانقسامات لا نهاية لها ونفوت على شعبنا فرصة تاريخية قد لا يتكرر بعد خمسين عاماً، فهل لدينا الأمكانية والحكمة لأن نستفيد من أخطاء آبائنا وأجدادنا وبأن خلافاتهم كانت سبب ماساتنا اليوم فهل نتعظ.؟

12-1-2012   قامشلو

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…