دلور ميقري
1
صيغة “الجمع” في الجملة الفائتة، أحيلها لما كان معروفاً عن تشرذم المعارضة تلك، العتيدة، ومحاولات كلّ من أطرافها شدّ القوى الفاعلة على أرض الوطن؛ وخصوصاً كرد العراق.
هؤلاء الأخيرين، خضعوا بدورهم لشروط اللعبة، التي كان نظام الأسد يمسك بخيوطها ويشدّها على طريقته.
ما أشبه اليوم بالبارحة؛ كما اعتدنا التعبيرَ.
الشبهة هنا، يُمكن لنا افتراضها سواءً بسواء فيما يتعلق بوضع المعارضة السورية، كما وبوضع نظام الوراثة الأسدية.
إذ يُكرر هذا النظامُ مسلكَ سلفِهِ، منذ الأشهر الأولى من ثورة الحرية والكرامة، بينما يُواصل معارضوه تعميق انقساماتهم بدأب وإصرار.
الأسد الصغير، مثله في ذلك مثل أبيه من قبل، يَعتقد بأنه اسمٌ على مُسمّى؛ أنه بهذه الصفة، الغضنفرية، يستطيع صيدَ ثور المعارضة عن طريق الإمساك بقرنيْه.
وبما أننا نتكلم عن الاعتقاد وملاحقه، فأعتقدُ من جهتي بأنّ البعضَ سيعتقدُ بأنني أقصدُ بالقرنيْن، المُهيبَيْن، كلاً من المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الكذا.
ولكن، ماذا عن كرد سورية، ممن ينخرطون بنشاط في احتجاجات الشارع، جنباً لجنب مع انخراط أحزابهم، المعارضة، بنشاط مماثل؛ إنما في أروقة ومطاعم ومقاصف فنادق الخمسة نجوم في عواصم المشرق والغرب..؟
2
قلنا أن المعارضة العراقية، سابقا، كانت تؤسّس الجبهات في سورية بدعم من النظام البعثي القرداحي للتنكيد على شقيقه، النظام البعثي التكريتي.
ومن لديه ذاكرة مثلي، يُحسَد عليها ولا غرو، فإنه يتذكر الرموز التي اشتهرت بها تجمعات تلك المعارضة، المتناحرة؛ مثل ” جود ” و ” جوقد “: أيْ الجبهة الوطنية الديمقراطية للأولى، بإضافة القومية للأخرى.
حتى الحزبيْن الكرديَيْن، الرئيسيَيْن، والمُوزع كل منهما على هاتيْن الجبهتيْن، فإنه حظيَ برمزه الخاص: ” حدك “، هوَ مُختصر الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ و” اوك “، هوَ مختصر الاتحاد الوطني الكردستاني.
هذا الأخير، سيُختزل أيضاً وجودُهُ في الإقليم الفيدرالي في الآونة الأخيرة، ولصالح السيطرة شبه المطلقة للحزب الآخر، اللدود.
ولكن هذا، حديث آخر.
وبطبيعة الحال، فالأحزاب الكردية، السورية، كان لها طبيعتها الخاصّة.
هذه، كانت أسماءُ زعمائها هيَ رموزها، التي تعرَّف بها منذ عقود وعقود: يكفي أن تقولَ ” جماعة حميد “، لكي يَعرف مُحادثكَ الحزبَ المقصود.
وهكذا الأمر بالنسبة لجماعة فلان وعلان، حتى ليكاد يخيّل لكَ أن الحركة الكردية في سورية هيَ مضافة ريفية.
من جهة أخرى، وبما أنّ أحزابنا من الكثرة أنها أشعلت الغيرة في نفوس ” كرد ما وراء الخط الحديدي “؛ فإن هؤلاء دخلوا أيضاً على الخط ؛ ليصبح لدينا ” جماعة آبو “، بالباء التركية..
أو الكردية، لا فرق.
3
من ناحيتي، أرى بأن اعتماد تسميَة الأحزاب الكردية السورية على الطريقة العراقية، هوَ الشكل الأكثر مناسبة لعملها النضالي، السرّي؛ سواءً في الوطن أو خارجه، في فنادق الخمسة نجوم.
ولكن ثمة إشكالاً هنا، يتمثل في عمل هذه الأحزاب بين صفوف المعارضة السورية: وبما أن المجلس الوطني أضحى بمثابة ” ضرّة ” للسلطة الأسدية، فإن نشاط الكرد فيه صارَ بدوره يُداور بين الاقتران فالخلاف وحتى الطلاق.
بعبارة أخرى، أن تواترَ انسحاب الممثلين الكرد من صفوف المجلس، يبدو بالإجمال كما لو كان نتيجة عدم رضا أحزابهم المعنية.
فما أن ظهرَ أحدُ أولئك الممثلين على شاشة إحدى الفضائيات، ( ولنقل أن اسمه خ.
ك )، بلقطة أسرع من ضوء كاميرتها، حتى دبّ شعور الغيرة في نفوس رفاق حزبه.
في اليوم التالي، على الأثر، قرأنا على الانترنيت أن هذا الـ ” خك “، عضو المجلس عن الحزب الفلاني، لا يمثلُ سوى نفسه.
الأكثر بلاغة في الخبر، أن يُقال مثل هذا الكلام عن شخص هوَ مسئول للحزب في أوروبة: المضافة، إذن، لديها فروع في القارة العجوز؛ أمّ الديمقراطية.
رفيق حزبه، السابق، ( ولنفترض أن رمزه: ع.
ب.
س )، كان حظه أفضل إلى حدّ ما.
هذا السابق، يتسنم اليومَ مركزاً سامياً في المجلس؛ ممثلاً عما يُسمى بالكتلة الكردية.
التسمية بدورها، قد تكون من واردات جُرْم صاحبنا، الضخم؛ الشبيه فعلاً بـ ” الكتلة “.
وكل من يعرف سيرة الرّجل، لا بدّ أن يضع يده على قلبه، خوفا على وحدة المجلس الوطني السوري: لأن هذا الشخص معروفٌ خلال العقود الثلاثة، الأخيرة، بهوايته الوحيدة؛ المتمثلة بتأسيس الأحزاب الكردية، اليسارية، ثم شقها وتركها لمصيرها أشلاءً مبعثرة.
في أوروبة، واصل المناضلُ سيرته نفسها مع الجمعيات الثقافية والهيئات الأهلية؛ خصوصاً حينما أضحى بصفة الحزبيّ السابق.
كونه كاتباً، قبل كل شيء، فإن مقالاته كانت تحوز على رضا العلمانيّ والأصوليّ؛ الماركسيّ واليمينيّ؛ الثائر والشبّيح: بكلمة أفصح، فكتاباته لا تسهم بأي جدل ولا تطرح أي سؤال.
إنها كتابة تحت سقف المضافة.
ولكي لا نظلم الرّجلَ، علينا الإشادة بشخصيته الهادئة، التي قلما تتأثر بما يجري حولها؛ اللهمّ إلا إذا تمّ هَزها ببيان اتهاميّ أو ما شابه: كما في قضية تصريح رئيس المجلس، بخصوص ” كرد فرنسة “؛ أو رسالة هيئته التنفيذية للحكومة التركية استنكاراً لـ ” الإرهاب الكرديّ “.
وهذا ما يُقال، أخيراً، عن التهديد بتجميد ” الكتلة ” لنفسها، في ثلاجة الفندق الاسطمبولي، احتجاجاً على الاتفاق بين غليون والمناع، المتنكر لحقوق شعبنا الكذا كذا.