محمد قاسم “ابن الجزيرة”
m.qibnjezire@hotmail.com
m.qibnjezire@hotmail.com
في المعنى العام فإن الأيديولوجيا هي نظرية متكاملة عن الحياة في صيغة رؤية فلسفية تسمى في التاريخ الفلسفي “المذهب الفلسفي” مع فارق أن المذهب الفلسفي تعبير عن رؤية فيلسوف للحياة ،بينما تدعي الأيديولوجيا أنها رؤية فلسفية في صيغة قواعد علمية ،فهي تفسير كلي –إذا- للحياة ومعطياتها عموما، ولقد تكرست الأيديولوجيا –كمفهوم له أثره في الحياة- على يد فلاسفة الماركسية، والذين كانوا أقرب الى قيادات سياسية في المنظومة الفكرية التي تبنوها، وبنوا عليها أيديولوجيتهم الماركسية المادية الديالكتيكية…
الفارق بين الرؤية الفلسفية في مسماها “المذهب” والرؤية الفلسفية في مسماها “الأيديولوجيا” أن المذهب الفلسفي هو جهد منطقي خال- أو يحاول أن يكون خاليا- من تصورات مسبقة، وينطلق من حالة شبيهة بتلك التي أسماها الفيلسوف الفرنسي ديكارت بـ” الكوجيتو”.
وهي الشك المنهجي في الوجود والمعطيات، ثم البدء بالبحث للوصول الى الحقيقة، لئلا تبدأ مرحلة البحث من تصور مسبق قد يربك نهج البحث…يقول: أنا أشعر بأني أشعر فإذا أنا موجود” ثم يبدأ الانطلاق من هذه النقطة في الإدراك.
والشيء بالشيء يذكر –كما تقول العرب- فإن الشك في الفلسفة له نوعان –أو نهجان:
– الشك الحقيقي –وهو ما مارسه الصوفي الفيلسوف الغزالي أبو حامد-حجة الاسلام-كما يعرف، وانتهى الى أن استقر به اليقين –بالنسبة إليه على الأقل-على أن الحقيقة هي: في الإيمان والنهج الصوفي..
بعد ارتباك ربما دام أكثر من شهرين ترك خلالها المدرسة النظامية في ببغداد حيث كان يدرّس، وهاجر الى حيث لا يعرفه أحد.
– والشك المنهجي، وهو الذي اتبعه ديكارت الفرنسي…
وإذا تأملنا البعد الذاتي في المذهب الفلسفي والأيديولوجيا عموما،نجده حاضرا بقوة.
صحيح أن الفلسفة تنطلق من محاولة البحث والوصول الى الحقيقة، لكنها تمارس من قبل إنسان يخضع لمؤثرات نفسية –أو منهج يتأثر بطبيعة ثقافته وروحيتها ، ومختلف المؤثرات المحتملة؛ من ميول وتمذهب –إعجاب بمذهب سابق- وربما غيرذلك…
إضافة إلى أن النهج المنطقي –خاصة في المرحلة؛ ما قبل اكتشاف المنهج التجريبي، حيث صاغ نتائج جهود في ما عرف بالـ”منطق التطبيقي”، تمييزا عن الـ”منطق الصوري”.
ويسمى أيضا- المنطق الأرسطي- لأن الفيلسوف اليوناني الأشهر: أرسطو، قد صاغ هيكله أو منهجه …اعتمادا على فكرة، إن الحقائق موجودة كلها في العقل، وما علينا سوى اكتشافها، قد يكون هذا صحيحا فيما يخص الأفكار، ولكن هناك وقائع لا يمكن معرفتها إلا بالنهج التجريبي –بل إن النهج التجريبي هو الذي يحدد الحقائق النظرية في تطبيقاتها الواقعية… –في كثير منه على الأقل-.
من هنا كان توسع مساحة المنطق لتشمل النهج المنطقي : المنطق الصوري (النظري) والمنطق التطبيقي (التجريبي)- وكلاهما ضروريان ومتكاملان بالتأكيد.
فالبدايات غالبا –إذا منطق صوري –يتأثر بالروح الذاتية في بدء العمل البحثي، حيث توضع المقدمة –أو المقدمات-وهو عمل فني دقيق –إذا اخفق الفيلسوف –وحتى العالم- فيه، فقد تترتب على ذلك نتائج خاطئة..لذا درج القول المنطقي /الفلسفي الشائع: “المقدمات الصحيحة تؤدي الى النتائج الصحيحة، والمقدمات الخاطئة تؤدي الى النتائج الخاطئة”.
الأيديولوجيا الماركسية – لسبب ما- تبنت الفلسفة المادية، وألغت من حسابها-على ما يبدو- الفلسفة المثالية-الروحية- ثم سخرت النتائج – عبر المنهج المكتشف تجريبيا للمنطق، لتصوغ “أيديولوجيا” أسمتها –أو وصفتها بالـ “علمية”، وجعلت منها مقدمة صحيحة – بحسب منهجها المتجاوز- وبنت عليه قضاياها، ليس على مستوى البحث الفلسفي فحسب، بل على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية…الخ أيضا.
لا أقصد من هذا أن أحارب الأيديولوجيا الماركسية التي طغت فيها السياسة على الروح الفلسفية –العلمية…لأن الفلسفة نفسها كانت تسمى ذات يوم ،علم الفلسفة، وذلك قبل أن يلاحظ الفلاسفة أن كلمة علم الذي يعتمد على معارف مؤكدة تجريبيا –حقائق- لا تناسب كلمة “فلسفة” التي تتغير معطياتها كلما جد اكتشاف جديد؛ على مستوى العلم كحقائق تجريبية، لذا تواضعت الفلسفة، وغيرت توصيفها-أو تسميتها- إلى ” الدراسات والأبحاث الفلسفية…” أو ما يشبه ذلك.
هل هذا يعني التقليل من شان الفلسفة؟!
الأيديولوجيا الماركسية فعلت ذلك، وعالجت التاريخ الفلسفي من منظور سياسي ، باعتبارها تمثل مصالح الطبقات السائدة، الإقطاعية، البورجوازية-الرأسمالية…الخ.
فكل جهد بشري –مهما كان- مادام باحثا، ويعتمد المنطق،هو جهد يجب احترامه من الناحية الفلسفية والعلمية.
بغض النظر عن توافقنا معه، أو عدم قبولنا له –طبعا استنادا الى منهج منطقي وعلمي –كل بحسب طبيعته.مع الأخذ بعين الاعتبار مسؤولية البحث عن الحقائق دوما؛ كمنهج مفروض بكل المعايير المفترضة إنسانيا.
لنعد الى موضوعنا الذي حدده العنوان وهو: اللغة والفلسفة والسياسة.
ربما أوضح ما سبق، الملامح الأعم للفلسفة –والأيديولوجيا- وكانت اللغة أداتنا في تحقيق ذلك.فهي أداة التعبير الأولى، والأوضح، والأهم في حياة البشر…
كيف نشأت اللغة؟
تلك قضية خلافية بين الباحثين لكن بعض المفسرين للقرآن الكريم،يرون في تفسير الآية الكريمة ” وعلم آدم الأسماء كلها”.
بأن الأسماء هنا تعني اللغات.
أما الباحثون-الماديون خاصة- فيرون الأمر مختلفا، إنهم يعتبرون نشأة الإنسان –استنادا الى نتائج الداروينية– جاءت صدفة عبر خلية أنتجها تفاعل كيميائي، ثم تطورت تدريجيا الى كائن حيواني تدرج –بحسب نظرية النشوء والارتقاء والاصطفاء…- الى كائن تميز بنمو الدماغ المفكر.
وقد وصفه “كارل فختة” الألماني ذي النهج المادي في الفلسفة.
بالقول:
” إن المخ يفرز الفكر بعين الطريقة التي يفرز بها الكبد الصفراء والكلية “،
يبدو أن الدراسات الأكاديمية، تعتمد هذه النظرية،في التعريف بنشأة اللغة، وتفرعها، وتطورها الى ما هي عليه الآن.
هذه قضية ندعها لمن يحب البحث في اللغات، ونتوقف عند أن لغة التعبير الأفضل والأكثر وضوحا هي اللغة.
وقد اعتمدنا اللغة في كل ما سبق وما سيأتي راهنا ومستقبلا…
فكيف نظرت الأيديولوجيا الى اللغة؟
اللغة العربية –وهي اللغة التي حفظها القران- بعد توحيد لهجاتها العديدة – وكان مصدر وسبب رعايتها وتنميتها… بخلاف ما يذهب بعض المتعصبين من العروبيين-المتشددين- من أن خصائص اللغة هي جعلت الله يختار اللغة العربية لنزول القرآن بها، ويبنون على هذه المصادرة-المقولة- بأن العرب لهم خصائص مميزة عن الشعوب، فاختارهم الله ليكونوا حملة الإسلام، وهؤلاء بالذات هم أبعد الناس –غالبا – عن مفاهيم الدين الإسلامي في حقيقتها التطبيقية –ومن بينهم من هو غير مسلم، لكنه يعتنق هذا ا لنهج لغاية في نفس يعقوب..ومنهم بعض مفكري القومية العروبية –البعثية خاصة…
من باب الطرفة –وربما هي واقعية- يقال أن جماعة من هؤلاء كانوا في اجتماع حزبي بعثي، ولكنهم كانوا يتداولون في شان قومي يخصهم، ويختلف عن العروبة طبعا، وصدف أن طرق بعضهم الباب ، فأسرعوا الى أن يفردوا الأوراق المتعلقة بحزب البعث، خشية أن يكون الطارق غريبا..وكان غريبا فعلا-على ما يبدو- لأنه اكتشف -في شكل ما- حركتهم هذه، ونشر خبرهم.
لقد نظر الأيديولوجيون الى كل عناصر ومعطيات أيديولوجيتهم بطريقة سياسية- أي تسخير كل شيء للنظرية السياسية –الأيديوجيا- حتى أن سماع كلمة أيديولوجيا-تعني لأغلب الناس نظرية سياسية ذاتية، لا فلسفية منطقية عقلية وموضوعية- بمعنى ما على الأقل-
لأن الالتزام بالنهج المنطقي بشكل صحيح، يجعله موضوعيا، خارجا عن التأثيرات الذاتية.
وإن كانت الموضوعية –أصلا –هي مفهوم مشتق من الموضوع –الواقع- وربما من مذهب “الوضعية” التي وضعها “اوغست كونت”.
وكذلك نظروا الى اللغة…فاشتقوا ما احتاجوه من الاشتقاقات اللغوية، تحت عناوين الموضوعية، والأيديولوجيا، والفلسفة..الخ.وجعلوها منظومة- أو مركبا يمتطونه للوصول الى غايات سياسية، ومن هذا مقولة في صياغة منطقية لكنها مغالطة ” الماركسية مذهب كلي القدرة لأنه صحيح”.
فتسخير اللغة لمقاصد سياسية أصبح شأنا مألوفا، خاصة كلما غلب النهج السياسي بعد ان استلم أصحابه الحكم في العام 1971، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي ..ولا يزال بقايا هذه الأيديولوجية تعيش على تراث تلك الأيديولوجي، عبر المنظومة اللغوية التي انفصلت –في واقعها – عن ا لحقيقة والواقع معا.
وأصبحت مجرد أداة لغوية، بيد بعض الذين “يلوون بألسنتهم، ويعلكون الكلمات في أفواههم”.
بمعنى أنها أصبحت سفسطائية – ليست نقية- بل منحرفة ومغالطة.
لأن السفسطائية في أصلها –مهما قلنا فيها- كانت جهدا فلسفيا لكشف حقيقة ما، وان بدا أنها اعتمدت مقدمات خاطئة حاول سقراط أن يشير إليها، ويصحح ما أنتجوه من أخطاء لعل أ÷مها: عدم إيمانهم بوجود اليقين الثابت بحقائق ثابتة.
وهي الشك المنهجي في الوجود والمعطيات، ثم البدء بالبحث للوصول الى الحقيقة، لئلا تبدأ مرحلة البحث من تصور مسبق قد يربك نهج البحث…يقول: أنا أشعر بأني أشعر فإذا أنا موجود” ثم يبدأ الانطلاق من هذه النقطة في الإدراك.
والشيء بالشيء يذكر –كما تقول العرب- فإن الشك في الفلسفة له نوعان –أو نهجان:
– الشك الحقيقي –وهو ما مارسه الصوفي الفيلسوف الغزالي أبو حامد-حجة الاسلام-كما يعرف، وانتهى الى أن استقر به اليقين –بالنسبة إليه على الأقل-على أن الحقيقة هي: في الإيمان والنهج الصوفي..
بعد ارتباك ربما دام أكثر من شهرين ترك خلالها المدرسة النظامية في ببغداد حيث كان يدرّس، وهاجر الى حيث لا يعرفه أحد.
– والشك المنهجي، وهو الذي اتبعه ديكارت الفرنسي…
وإذا تأملنا البعد الذاتي في المذهب الفلسفي والأيديولوجيا عموما،نجده حاضرا بقوة.
صحيح أن الفلسفة تنطلق من محاولة البحث والوصول الى الحقيقة، لكنها تمارس من قبل إنسان يخضع لمؤثرات نفسية –أو منهج يتأثر بطبيعة ثقافته وروحيتها ، ومختلف المؤثرات المحتملة؛ من ميول وتمذهب –إعجاب بمذهب سابق- وربما غيرذلك…
إضافة إلى أن النهج المنطقي –خاصة في المرحلة؛ ما قبل اكتشاف المنهج التجريبي، حيث صاغ نتائج جهود في ما عرف بالـ”منطق التطبيقي”، تمييزا عن الـ”منطق الصوري”.
ويسمى أيضا- المنطق الأرسطي- لأن الفيلسوف اليوناني الأشهر: أرسطو، قد صاغ هيكله أو منهجه …اعتمادا على فكرة، إن الحقائق موجودة كلها في العقل، وما علينا سوى اكتشافها، قد يكون هذا صحيحا فيما يخص الأفكار، ولكن هناك وقائع لا يمكن معرفتها إلا بالنهج التجريبي –بل إن النهج التجريبي هو الذي يحدد الحقائق النظرية في تطبيقاتها الواقعية… –في كثير منه على الأقل-.
من هنا كان توسع مساحة المنطق لتشمل النهج المنطقي : المنطق الصوري (النظري) والمنطق التطبيقي (التجريبي)- وكلاهما ضروريان ومتكاملان بالتأكيد.
فالبدايات غالبا –إذا منطق صوري –يتأثر بالروح الذاتية في بدء العمل البحثي، حيث توضع المقدمة –أو المقدمات-وهو عمل فني دقيق –إذا اخفق الفيلسوف –وحتى العالم- فيه، فقد تترتب على ذلك نتائج خاطئة..لذا درج القول المنطقي /الفلسفي الشائع: “المقدمات الصحيحة تؤدي الى النتائج الصحيحة، والمقدمات الخاطئة تؤدي الى النتائج الخاطئة”.
الأيديولوجيا الماركسية – لسبب ما- تبنت الفلسفة المادية، وألغت من حسابها-على ما يبدو- الفلسفة المثالية-الروحية- ثم سخرت النتائج – عبر المنهج المكتشف تجريبيا للمنطق، لتصوغ “أيديولوجيا” أسمتها –أو وصفتها بالـ “علمية”، وجعلت منها مقدمة صحيحة – بحسب منهجها المتجاوز- وبنت عليه قضاياها، ليس على مستوى البحث الفلسفي فحسب، بل على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية…الخ أيضا.
لا أقصد من هذا أن أحارب الأيديولوجيا الماركسية التي طغت فيها السياسة على الروح الفلسفية –العلمية…لأن الفلسفة نفسها كانت تسمى ذات يوم ،علم الفلسفة، وذلك قبل أن يلاحظ الفلاسفة أن كلمة علم الذي يعتمد على معارف مؤكدة تجريبيا –حقائق- لا تناسب كلمة “فلسفة” التي تتغير معطياتها كلما جد اكتشاف جديد؛ على مستوى العلم كحقائق تجريبية، لذا تواضعت الفلسفة، وغيرت توصيفها-أو تسميتها- إلى ” الدراسات والأبحاث الفلسفية…” أو ما يشبه ذلك.
هل هذا يعني التقليل من شان الفلسفة؟!
الأيديولوجيا الماركسية فعلت ذلك، وعالجت التاريخ الفلسفي من منظور سياسي ، باعتبارها تمثل مصالح الطبقات السائدة، الإقطاعية، البورجوازية-الرأسمالية…الخ.
فكل جهد بشري –مهما كان- مادام باحثا، ويعتمد المنطق،هو جهد يجب احترامه من الناحية الفلسفية والعلمية.
بغض النظر عن توافقنا معه، أو عدم قبولنا له –طبعا استنادا الى منهج منطقي وعلمي –كل بحسب طبيعته.مع الأخذ بعين الاعتبار مسؤولية البحث عن الحقائق دوما؛ كمنهج مفروض بكل المعايير المفترضة إنسانيا.
لنعد الى موضوعنا الذي حدده العنوان وهو: اللغة والفلسفة والسياسة.
ربما أوضح ما سبق، الملامح الأعم للفلسفة –والأيديولوجيا- وكانت اللغة أداتنا في تحقيق ذلك.فهي أداة التعبير الأولى، والأوضح، والأهم في حياة البشر…
كيف نشأت اللغة؟
تلك قضية خلافية بين الباحثين لكن بعض المفسرين للقرآن الكريم،يرون في تفسير الآية الكريمة ” وعلم آدم الأسماء كلها”.
بأن الأسماء هنا تعني اللغات.
أما الباحثون-الماديون خاصة- فيرون الأمر مختلفا، إنهم يعتبرون نشأة الإنسان –استنادا الى نتائج الداروينية– جاءت صدفة عبر خلية أنتجها تفاعل كيميائي، ثم تطورت تدريجيا الى كائن حيواني تدرج –بحسب نظرية النشوء والارتقاء والاصطفاء…- الى كائن تميز بنمو الدماغ المفكر.
وقد وصفه “كارل فختة” الألماني ذي النهج المادي في الفلسفة.
بالقول:
” إن المخ يفرز الفكر بعين الطريقة التي يفرز بها الكبد الصفراء والكلية “،
يبدو أن الدراسات الأكاديمية، تعتمد هذه النظرية،في التعريف بنشأة اللغة، وتفرعها، وتطورها الى ما هي عليه الآن.
هذه قضية ندعها لمن يحب البحث في اللغات، ونتوقف عند أن لغة التعبير الأفضل والأكثر وضوحا هي اللغة.
وقد اعتمدنا اللغة في كل ما سبق وما سيأتي راهنا ومستقبلا…
فكيف نظرت الأيديولوجيا الى اللغة؟
اللغة العربية –وهي اللغة التي حفظها القران- بعد توحيد لهجاتها العديدة – وكان مصدر وسبب رعايتها وتنميتها… بخلاف ما يذهب بعض المتعصبين من العروبيين-المتشددين- من أن خصائص اللغة هي جعلت الله يختار اللغة العربية لنزول القرآن بها، ويبنون على هذه المصادرة-المقولة- بأن العرب لهم خصائص مميزة عن الشعوب، فاختارهم الله ليكونوا حملة الإسلام، وهؤلاء بالذات هم أبعد الناس –غالبا – عن مفاهيم الدين الإسلامي في حقيقتها التطبيقية –ومن بينهم من هو غير مسلم، لكنه يعتنق هذا ا لنهج لغاية في نفس يعقوب..ومنهم بعض مفكري القومية العروبية –البعثية خاصة…
من باب الطرفة –وربما هي واقعية- يقال أن جماعة من هؤلاء كانوا في اجتماع حزبي بعثي، ولكنهم كانوا يتداولون في شان قومي يخصهم، ويختلف عن العروبة طبعا، وصدف أن طرق بعضهم الباب ، فأسرعوا الى أن يفردوا الأوراق المتعلقة بحزب البعث، خشية أن يكون الطارق غريبا..وكان غريبا فعلا-على ما يبدو- لأنه اكتشف -في شكل ما- حركتهم هذه، ونشر خبرهم.
لقد نظر الأيديولوجيون الى كل عناصر ومعطيات أيديولوجيتهم بطريقة سياسية- أي تسخير كل شيء للنظرية السياسية –الأيديوجيا- حتى أن سماع كلمة أيديولوجيا-تعني لأغلب الناس نظرية سياسية ذاتية، لا فلسفية منطقية عقلية وموضوعية- بمعنى ما على الأقل-
لأن الالتزام بالنهج المنطقي بشكل صحيح، يجعله موضوعيا، خارجا عن التأثيرات الذاتية.
وإن كانت الموضوعية –أصلا –هي مفهوم مشتق من الموضوع –الواقع- وربما من مذهب “الوضعية” التي وضعها “اوغست كونت”.
وكذلك نظروا الى اللغة…فاشتقوا ما احتاجوه من الاشتقاقات اللغوية، تحت عناوين الموضوعية، والأيديولوجيا، والفلسفة..الخ.وجعلوها منظومة- أو مركبا يمتطونه للوصول الى غايات سياسية، ومن هذا مقولة في صياغة منطقية لكنها مغالطة ” الماركسية مذهب كلي القدرة لأنه صحيح”.
فتسخير اللغة لمقاصد سياسية أصبح شأنا مألوفا، خاصة كلما غلب النهج السياسي بعد ان استلم أصحابه الحكم في العام 1971، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي ..ولا يزال بقايا هذه الأيديولوجية تعيش على تراث تلك الأيديولوجي، عبر المنظومة اللغوية التي انفصلت –في واقعها – عن ا لحقيقة والواقع معا.
وأصبحت مجرد أداة لغوية، بيد بعض الذين “يلوون بألسنتهم، ويعلكون الكلمات في أفواههم”.
بمعنى أنها أصبحت سفسطائية – ليست نقية- بل منحرفة ومغالطة.
لأن السفسطائية في أصلها –مهما قلنا فيها- كانت جهدا فلسفيا لكشف حقيقة ما، وان بدا أنها اعتمدت مقدمات خاطئة حاول سقراط أن يشير إليها، ويصحح ما أنتجوه من أخطاء لعل أ÷مها: عدم إيمانهم بوجود اليقين الثابت بحقائق ثابتة.
ونلاحظ، إن الأحزاب والحكومات التي تبنت هذه الأيديولوجيا، أو بعض أجزائها في سياقها ، تعتمد أكاديميات خاصة –في شكل ما –لتدريب بعض أعضائها –والأصح بعض أتباعها – على نهج سفسطائي مبتذل، في محاولة لهدم الحقائق، ليبنوا محلها، وقائع تخصهم، وتخدم مصلحتهم السياسية، أو تسوّق لمفاهيم -هي في أصلها – مجرد أصوات في كلمات، جعلت البعض يسميها “الظاهرة الصوتية”.