من دون ادنى شك، أن ما يجري في سوريا ليس بمعزل عن الكرد.
وأن الثورة التي إندلعت في درعاة سمع ضجيجها وصرخات القائمون عليها في كافة المدن والأقضية والنواحي، وحتى القرى الكردية.
ومن جانبه رد الكرد على الصدى بالتظاهر والإحتجاجات تحت شعار الذي رفع في درعا (الموت ولا المذلة.
والشعب السوري ما بينذل…)
تطورت الأحداث مع توسع رقعة الإحتجاجات والتظاهرات، تناسباً مع عدد القتلى والشهداء في مختلف المدن .
وتحركت المعارضات السياسية المبعثرة على مستوى الأفراد والجماعات في الداخل والخارج لمناصرة الثورة وتقديم الدعم الممكن لها.
حيث عقدت العديد من الإجتماعات والمؤتمرات داخل البلاد وخارجه لتوحيد الطاقات من خلال بناء إطار جامع للمعارضة السياسية، ومن ثم إعطاء صدى الثورة في الخارج والبدء بالعمل الدبلوماسي على المستويين الإقليمي والدولي لتعرية النظام وإدانة جرائمه التي ترتكب في كل يوم بحق المتظاهرين العزل.
مما أدت تلك الإجتماعات والمؤتمرات إلى تشكيل عديد من الكتل السياسية، ومن أبرزها المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني للتغيير الديمقراطي.
أما على الصعيد الكردي، فإلى جانب الحراك الجماهيري في الشارع، كان هناك تخبطاً واضحاً في موقف غالبية الأحزاب السياسية الكردية، وكأن إندلاع الثورة كانت صدمة لهم في بداية الأمر، وأعتقدوا حقيقة أن من يقوم بالثورة ويدعمها هم جماعة سلفية و حزب الإخوان المسلمين، واتخذوا مشهد انطلاق التظاهرات من الجوامع مبرراً لإعتقادهم.
إلا أن الأحداث والتطورات أثبتت عكس ذلك، وأن ما تروج إعلامياً على أن الحراك الجماهيري هو حراك اسلامي سلفي إخونجي، هو من صنع النظام لتخويف الأقليات ، ومن ثم عزلهم عن الثورة وحراكها الشعبي وفي مقدمتهم المكون الكردي الذي يشكل أكبر مكون بعد المكون العربي المنقسم على نفسه اساساً.
وإلى جانب ذلك فتح النظام خطاً ساخناً مع بعض الأحزاب الكردية الفاعلة على المستوى السياسي، وإجراء حوار غير مباشر معهم، يبشرهم على أن النظام جاد هذه المرة لإعادة النظر في الوضع الكردي.
ولكي يكتسب ثقة الكرد ودعم الأحزاب للقيام بدور فاعل بين الجماهير الكردية، أصدر الرئيس مرسوم تجنيس أجانب الحسكة، وتعهد (على أن الخير لقدام)، وذلك دفعاً باتجاه عزل الشارع الكردي عن الحراك الثوري التي تتوسع يوماً بعد يوم بشكل سريع، حيث شملت كل محافظة درعاة وريف دمشق وحمص وحماة وأدلب وديرالزور واللاذقية، إلى جانب العديد من المناطق في المحافظات الأخرى، لتشمل الشارع والمناطق الكردية عن بكرة أبيها متجاوزة الموقف السياسي لأحزاب الحركة الكردية التي تأطرت تحت هذا الأسم مجموعة من إثنتي عشر حزباً راهنوا على النظام طويلاً، على أنهم سوف يحصلون على حقوق الكرد من خلال بقاء النظام، والغريب في الأمر أنهم لم يصدقوا على أن النظام سيسقط عاجلاً أو آجلاً، ولاحلاً مع هذا النظام ولا حواراً معه إلا التفاوض من أجل تسليم السلطة للشعب.
إلا أن الضغط الشعبي تزايدت يوماً بعد يوم على تلك الأحزاب للمشاركة مع الثورة أولاً، وتحقيق وحدة الصف الكردي ثانياً، ومن ثم تسليط الضوء على الحقوق القومية للشعب الكردي من خلال برنامج سياسي شفاف لالبس فيه ولا تأويل.
من هنا جاء عقد مؤتمرالوطني الكردي في القامشلي يوم 26102011
انعقد مؤتمرالوطني الكردي تحت ضغط الشارع وشباب الثورة من الكرد الذين شكلوا تنسيقيات في جميع المدن الكردية لإدارة الحراك الجماهيري ضد النظام وإسقاطه.
لا يختلف إثنان على أن إنعقاد المؤتمر كان مطلباً جماهيرياً لتشكيل مرجعية كردية تقود الحراك الجماهيري والسياسي والدبلوماسي في مرحلة الثورة لضمان حقوق الشعب الكردي التي حرم منها منذ ولادة سوريا بعد سايكس ـ بيكو مروراً بعهد الإحتلال الفرنسي لسوريا، ومن ثم مرحلة مابعد الإستقلال، وصولاً إلى استيلاء البعث على الحكم ، والذي قضى على الدولة وإرادة الشعب من خلال ممارسة الإستبداد وتهميش الآخر أفراداً وجماعات….إلا أن، جاء المؤتمرمبتوراً، تنقصه العديد من الأحزاب والقوى الشبابية بمبررات غير مقنعة لأحد، جائت من هذا الطرف أو ذاك.
حيث تحركت الجماهير فور إنعقاده لتنتقد اسلوب إنعقاده من قبل الأحزاب العشرة الذين شاركوا مع ما يقارب المائة وخمسون مستقلاً تم إختيارهم من قبل عين الأحزاب.
انبثق من المؤتمر مجلساً وطنياً كردياً، حيث تعهد المجلس على استكمال وحدة الصف الكردي فيما بعد، واعترف بالأخطاء التي ارتكبت من قبل بعض الأحزاب خلال مرحلة التحضير لإنعقاد المؤتمر.
فاستبشرت الجماهير خيراً وانتظرت المرحلة اللاحقة لتشارك القوى التي تمت اسبعادهم في المجلس الوطني الكردي دون قيد اوشرط.
لقد مر على انعقاد المؤتمر ثمانون يوماً والمجلس الوطني الكردي يتخبط بين قراراته التي لم تنفذ منها شيئاً.
الخلاف على رئاسة المجلس أولاً.
وعدم تنفيذ الإنسحابات من قبل الأحزاب التي شاركت في أطر المعارضة السورية قبل انعقاد المؤتمر مثل (هيئة التنسيق ومجلس الوطني السوري وإعلان دمشق) مما يشكل ضعفاً في قوة الدبلوماسية الكردية للمجلس الكردي ثانياً.
وثالثاً، لم ينضم حتى الآن اية قوة من قوى الحزبية كانت أم من التنسيقيات، عدا عن موافقة حركة الإصلاح و حزب الوفاق الكردي على إنضمامهما للمجلس، وحتى الساعة لم يأخذا إجابة صحيحة من قيادة المجلس (ولو أنهما اصبحتا في حكم الإنضمام) إلا أننا نواجه المشكلة الأكبر في إجراء الحوار مع أطراف المعارضة السورية وخصوصاً هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري، عندما يتمسك المجلس الوطني الكردي بقرار المؤتمر على أنه كتلة كردية تمثل المكون الكردي في سوريا، يصطدم برفض من قبل الإطارين للمعارضة بمبرر على أن هناك من يمثل القوى الكردية في داخل الإطارين، وأن المجلس الوطني الكردي يمثل الأحزاب المنضوية تحت مظلة المجلس وليس الشعب الكردي.
ومن هذا المنطلق يأتي موقف المجلس الوطني الكردي ضعيفاً حتى في مناقشته لحقوق الكرد، لأن تمثيله يأتي ناقصاً وضعيفاً.
عندما نرى على الأرض قوة لا يستهان بها يقودها الحزب الإتحاد الديمقراطي ، وأخرى إتحاد القوى الديمقراطية من خمسة أحزاب وعدد من تنسيقيات الشباب الكردي، هؤلاء يشكلون ضعفاً حقيقياً للمفاوض الكردي، وخطراً على مستقبل حقوق الكرد إذن علينا أن نتسائل: مالفائدة لهذه الأحزاب من هكذا تشرزم في القوى، في الوقت الذي تنعكس هذا الإنقسام سلباً على كافة الأحزاب، وتجلب الضرر في عين الوقت على أداء الكرد لدوره التاريخي في هذه المرحلة الحرجة؟ وأسال بشكل صريح أكثر وضوحاً: ما فائدة هؤلاء الذين يبقون على مشاركتهم في المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق أحزاباً كانو أم أفراداً سوى ضعفاً في الموقف و تقزيماً في الشخصية؟ ألا يكون الأجدر والأنفع أن يتوحد الكرد بموقف واحد لتشكيل ضغط حقيقي على أطراف المعارضة ودفعها نحو قبول الكرد كمكون وكقوة ذات خصوصية قومية له ما له وعليه ما عليه من الحقوق والواجبات ؟ وبالتالي قبول الكرد كثاني اكبر مكون من مكونات الشعب السوري دستورياً، وله خصوصية في مناطقهم الكردستانية في الإدارة وممارسة الحياة الثقافية والإجتماعية والسياسية، إلى جانب شراكتهم في إدارة الدولة وبناء الوطن وفقاً لدستور يحقق العدالة والمساواة بين كافة المكونات أفراداً وجماعات.
لقد تأذى شعبنا من التشرزم والشقاق كثيراً، وأن ما نراه اليوم من إنشقاقات في الصف الكردي وعلى هذه الشاكلة، لاتجلب إلا إهانة على من يقوم عليها.
من هم على الخطأ، ومن هؤلاء على الصواب.
اعتقد أن التاريخ سوف لن يرحم المسيئين لقضية شعبنا من خلال رفع شعارات قوموية للتستر على أفعاله المضرة لخلق أجواء لا تتناسب مع متطلبات المرحلة واستحقاقاتها، وبالتالي تضر مصلحة الشعب في تحقيق أهدافه.
علينا ان نتحمل مسؤوليتنا التاريخية في مرحلته الدقيقة والصعبة من خلال وحدة صفنا الكردي، لتجاوز المعيقات التي تقف أمام نيل حقوق شعبنا من خلال نصرة الثورة السورية وإسقاط النظام الإستبدادي ، ومن ثم بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية لامركزية.
كاتب وسياسي كردي سوري