ومدعاة للاستغراب أن الخلاف لم يكن على النقاط التي تركز على حل القضية الكردية في البلاد، حيث جاء في وثيقة الاتفاق بين الطرفين على “إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية”.
انه لأمر غريب أن يكون هذا الموقف اضعف من الموقفين السابقين لقطبي المعارضة المذكورين.
لانه وكما ورد في برنامج هيئة التنسيق بشان تأمين حل عادل للمسألة الكردية بضرورة العمل على “إقراره دستورياً”.
هذا الموقف أضعف بكثير من موقف المجلس الوطني السوري، فالمجلس الوطني طرح في برنامجه السياسي “الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية على اساس رفع الظلم وتعويض المتضررين والإقرار بالحقوق القومية للشعب الكردي”.
أي بمعنى ان الموقف من القضية الكردية في الاتفاق الاخير بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق وصل الى أضعف مستوياته، مع أن ممثل هيئة التنسيق، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي (صالح مسلم)، قد لعب دوراً في اقرار هذا الموقف.
الأطراف الكردية التي أبدت امتعاضها من هذا الاتفاق، وسبب هذا الامتعاض هو عدم دعوة وفد المجلس الوطني الكردي الى جلسات هذ الحوار.
فسكرتير حزب يكيتي الكردي في سوريا، اسماعيل حمه، كان من أوائل الذين تهجموا على هذا الاتفاق، ووصف هذا الاتفاق بين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق بأنها عملية ضد الشعب الكردي في سوريا.
ولم يتوقف عند ذلك لا بل هددهم قائلا” بأننا لن نكون طيعين منقادين لإراداتهم، بل لدينا الكثير من الخيارات للتعامل معهم وفق القاعدة التي هم اختاروها للتعامل معنا .” و دعا اسماعيل حمه الاحزاب والشخصيات الكردية في قطبي المعارضة الى الانسحاب من هذه الأطر.
لكن من الواضح انه تناسى بأن العضو في حزبه وسكرتيره السابق، عبد الباقي يوسف، عضو في المجلس الوطني السوري والى يومنا هذا لم ينسحب من هذا المجلس.
تصريح اسماعيل حمه وموقف الاحزاب الكردية الأخرى في المجلس الوطني الكردي يدل على ضعف هذا المجلس.
المجلس الذي دعا في بيانه التأسيسي أعضائه الى انهاء عضويتهم في أطر المعارضة السورية في فترة شهرين.
مع ان مدة الشهرين قد انقضت، لازال أعضاء هذا المجلس باقون ضمن اعلان دمشق، هيئة التنسيق والمجلس الوطني السوري.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصف عضو المجلس الوطني الكردي، فؤاد عليكو، بانهم “يمثلون 70%” من الشعب الكردي في سوريا، مع ان هذا المجلس غير مكتمل، لابل انه عاجز على لملمة الشارع الكردي.
أغلب الأحزاب الكردية في المؤتمر الوطني الكردي الذي انعقد في تشرين الأول 2011، قد قامت بالمشاركة في التظاهرات ضد النظام بعد تأسيس المؤتمر، وكان هدفها ان تسيطر على النشاطات في المدن الكردية، لكنها لم تنجح في ذلك، لأن موقفها من اسقاط النظام واسقاط حكم بشار الاسد غير واضح.
في مدن مثل عفرين و ديريك وتربه سبي تقف نفس الأحزاب – مع حزب الاتحاد الديمقراطي -في وجه استمرار التظاهرات.
فالأحزاب ناشطون فقط في المدن الكردية التي يقوم فيها الشباب الكردي منذ اندلاع الثورة بالقيام بالتظاهرات ضد النظام، فمن محاضر جلسات الأحزاب التي سبقت انعقاد المؤتمر الوطني الكردي يتوضح بأن الأحزاب ومنذ البداية كانت ضد التظاهرات.
ان قرار الانسحاب من أطر المعارضة هو قرار واضح ضد المجلس الوطني السوري.
فالأحزاب الكردية المنضوية تحت سقف المؤتمر الوطني الكردي تنظر بعين الريبة الى هذا المجلس، من خلال تهجمهم الدائم على هذا المجلس وخاصة على الدكتور عبد الباسط سيدا.
ويتوضح من موقفهم هذا مدى الضعف الذي يتحلون به، لان هذه الأحزاب لو حددت أهدافها وماتريد وكيفية العمل في ظل التطورات الحاصلة لما كان يهمها مايفعله الآخرون.
ومايثير الدهشة أن لا خلفية سياسة من وراء موقفهم هذا من المجلس الوطني السوري.
ان كان هذا الموقف نابع من أجل القضية الكردية وحقوق الكرد فان ماطرحه المجلس الوطني السوري فيما يخص هذه القضية، مقارنة مع الاطر الاخرى، أكثر تقدما.
ولكن على المجلس الوطني السوري أن يقدم موقفا مفصّلا من القضية الكردية و القضايا الاخرى.
ومن الطبيعي ان الوضع الحالي في سوريا قد أدى الى قيام هيئات ولجان عديدة وانضمام أشخاص كثيرين اليها.
واللعبة السياسية الآن تحاك في ظل المعطيات الموجودة على الساحة، والطرف الذي لا يعمل وفق هذه المعطيات والشروط فانه يندثر.
الأحزاب الكردية، بما فيها المنضوية تحت سقف المؤتمر الوطني الكردي، تفتقر الى رؤية واضحة من مستقبل سوريا ومستقبل القضية الكردية أيضاً.
هم لم يستعدوا بشكل جيد لهذه المرحلة ومستوى الحوارات مع المعارضة السورية ضعيف جدا من ناحية الموقف الواضح والصريح ومن ناحية الأشخاص المعنيين بالقيام بهذه الحوارات.
فممثلي الكرد يتكلمون بلغة لايفهمها الشارع الكردي ولا الشعب السوري ولا الرأي العام الدولي.
لغة شعارات القرن المنصرم لا تتطابق مع متطلبات هذا القرن.
على المجلس الوطني الكردي في سوريا أن يستوعب متطلبات هذه المرحلة.
انه بسياسته القائمة لا يمثل الشعب الكردي في سوريا ولن يمثله في أي وقت من الأوقات القادمة ايضا.
لكنه سيستطيع أن يحشد الكرد خلفه ان ناضل في ظل مشروع واضح من أجل الدفاع عن مصالح الشعب الكردي في سوريا.
فالشعارات لا تغني عن جوع، وان لم يتم التواصل مع المعارضة السورية وتوضيح القضية الكردية وأهداف وحقوق الكرد بشكل واضح وصريح ومن قبل مختصين وخبراء في هذا المجال، فسيتمتع الكرد في سوريا الجديدة بأقل الحقوق .وعليه فان سياسة التهجم والكيل بالمكاييل واستشفاف الشفقة من الغير لاتجدي نفعاً.
ملاحظة:
في الآونة الأخيرة وفي معرض حديثه عن الكرد في سوريا، كرر رئيس اقليم كردستان، مسعود بارزاني، مرتين بان تعداد الكرد في سوريا مليونين نسمة.
والى الآن لم يصحح ممثلي الكرد السوريين هذا الخبر.
مع عدم تواجد احصائية دقيقة لتعداد الكرد في سوريا، الا انه يفوق هذا العدد بكل تأكيد.
ولا أظن بأن رئيس الاقليم قد تعمد الى تصغير تعداد الكرد في سوريا، ولكن عليه الاعتماد على احصائيات أكثر دقة في هذه المعلومة.
——