خير الدين مراد.. شكراً

عمر كوجري

طيلة الانشغال بالحقل الثقافي منذ سنوات، وتالياً الدخول في الكتابة السياسية المتعبة والمرهقة وفي مرات كثيرة المكلفة، حيث تتطلب الدقة والمران والقراءات التي تأتي عادة على حساب الشعر والرومانسيات الحالمة.
في هذا الدخول القسري إلى بوابة الكتابة السياسية لم تعرف الكتابة عندي أو – هكذا أدّعي – معنى للمهادنة أو التملق أو الاصطفاف مع هذا أو ذاك لتحقيق منفعة شخصية.

اليوم، قرأت البيان الختامي للمؤتمر الثاني لحزب آزادي الكردي في سوريا، في هذا البيان انحياز جلي وطلب انتساب للشارع النضالي في الوطن دون مواربة ولا لبس.
في البيان الكثير مما يمكن أن يتوقف المرء حياله، لكن ما حرّضني على الكتابة هو غياب الأستاذ خيرالدين مراد عن منصب سكرتير الحزب في تطور لافت للحركة الكردية في سوريا التي ما إن يصل أحدهم إلى منصب قيادي أو الأمانة العامة أو السكرتاريا متأثراً بكل هذه الثقافة التي تصطبغ بها منطقتنا، ثقافة المكوث المستمر رغماً عن قوانين الطبيعة البشرية والإلهية.

 
هذا الـ أحدهم: يمكث هناك إلى أن يأتيه ملاك الموت، ويأخذ أمانة الباري، عندئذ ينفصل عن ذاك الكرسي بمشيئة إلهية، رغم أن عديد هؤلاء القادة أو الجالسين في الصفوف الأولى لحركتنا الكردية باتوا بالضرورة بحاجة إلى راحة من جميع النواحي، والبعض منهم بدت علائم مرض الزهايمر واضحة، تدغدغ أعصابه وأصابعه، بعد أن فتكت به شتى أنواع الأمراض المزمنة والعابرة.


لست هنا بصدد الكتابة عن تاريخ خيرالدين مراد النضالي، هذا ليس شأن هذه التحية السريعة، الرجل أيضاً مكث طويلاً في صفوف الحركة الوطنية الكردية في سوريا منذ بدايات الإلماعة النضالية وحتى قبل أيام، ناضل، ودفع في بعض المراحل من حياته أسراً وتقزيماً للحرية الشخصية، وربما ثمناً لراحته الشخصية على حساب عائلته وأهله.
لكنه أي مراد، وكأي كائن يعمل أخطأ كثيراً في حياته السياسية، وكان متيقناً بأن من لا يعمل لا يخطأ، لكن لم ترتق أخطاؤه إلى مصافي الشناعة، والخطايا الكبيرة.
أتوقع أنه شخصياً قد يستغرب في تصديّ للكتابة عنه مادحاً أو محيّاً بعد أن غاب في المنصب الأول برضاه فاسحاً المجال لغيره من الشباب ليستلموا ذمام المبادرة في حزب كردي يعوّل عليه الكثير في هذه الفترة العصيبة تحديداً.
 فأنا ولو من باب التلميح ” اللماح” أشرت إلى أخطائه في أكثر من مساهمة سابقة، وخاصة عصبيته” اللامبررة” والتي جلبت لشخصه النفور لدى العديد من رفاقه، واستئثاره باتخاذ بعض القرارات التي كان من المفترض التأني بها ومناقشتها من شتى الجوانب حتى تخرج للنور، وبالتالي إقصاء اجتهادات باقي الرفاق حتى لو كانوا على خطأ، وبقي موضوع سفره وعائلته إلى خارج الوطن ” لأي سبب كان” مثار مساءلة من قبل رفاقه، ومرمى لسهام الكثيرين، ومنها سهام كتاباتي المبطنة عنه، وأحياناً عديدة المجهورة، لكن رغم ذلك لم أسمع أن الرجل أبدى امتعاضاً أو مقتاً حيال هذه الأفكار.
اليوم خيرالدين مراد خارج المركز الأول في حزبه، وتناهي لمسمعي أن الرجل بعدما تأكد أنه أوصل مرفأ الحزب إلى شاطئ الأمان بعد أمواج عاتية حاصرته من كل الجهات، سلّم الراية لشباب الحزب، ولم يملك غير الدموع للتعبير عن المشهد الذي لم تحالفه البلاغة في رصد فرحها.
 هذه التحية أخصُّها لمناضل وسياسي كردي بارز ومحنك خدم حركته الوطنية الكردية في سوريا بإخلاص، واجتهد، ونجح كما أخفق هنا وهناك، لكن ظلت أصابعه بيضاء في تسطير آخر صفحة له في قيادة سفينة الحزب دون أن يفكر أن مؤامرة كبرى تترصد تاريخه النضالي واسمه الشخصي وو، انسحب الرجل بهدوء بعد أن شعر أن هذا اليوم هو يوم الشباب والطاقات المتجددة الخلاقة لا يوم الأفكار التي تساقطت بفعل القدم!!
وهذه دعوة لكل قياداتنا الكردية في الصف الأول، والتي تكلست بفعل الحت الزمني الطويل، حتى أضحت مستحاثة أو ما شاكلها، هذه دعوة لها بأن تفكر هي أيضاً بإخلاء الساحة للشباب الواعي المتبصر، والذي آل على نفسه التغيير، من الكرسي وحتى يافطة القميص وتسريحة الشعر.
يقيناً أن خيرالدين مراد لن يفكر بانشقاق عن الحزب، أو بإعادة إنتاجه وتموضعه في المشهد السياسي، وهذا وحده كاف بأن تشفع له هناته الصغيرة، ويعيد نصاعة تاريخه النضالي كما اشتهى أن تكون خواتيمها عطرة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

كفاح محمود حينما كان الرئيس الراحل عبد السلام عارف يُنعى في أرجاء العراق منتصف ستينيات القرن الماضي، أُقيمت في بلدتي النائية عن بغداد مجالسُ عزاءٍ رسمية، شارك فيها الوجهاء ورجال الدين ورؤساء العشائر، في مشهدٍ يغلب عليه طابع المجاملة والنفاق أكثر من الحزن الحقيقي، كان الناس يبكون “الرئيس المؤمن”، بينما كانت السلطة تستعدّ لتوريث “إيمانها” إلى رئيسٍ مؤمنٍ جديد! كنّا…

نظام مير محمدي *   عند النظر في الأوضاع الحالية الدائرة في إيران، فإن من أبرز ملامحها ترکيز ملفت للنظر في القمع المفرط الذي يقوم به النظام الإيراني مع حذر شديد وغير مسبوق في القيام بنشاطات وعمليات إرهابية خارج إيران، وهذا لا يعني إطلاقاً تخلي النظام عن الإرهاب، وإنما وبسبب من أوضاعه الصعبة وعزلته الدولية والخوف من النتائج التي قد…

خالد حسو تعود جذور الأزمة السورية في جوهرها إلى خللٍ بنيوي عميق في مفهوم الدولة كما تجلّى في الدستور السوري منذ تأسيسه، إذ لم يُبنَ على أساس عقدٍ اجتماعي جامع يعبّر عن إرادة جميع مكونات المجتمع، بل فُرض كإطار قانوني يعكس هيمنة هوية واحدة على حساب التنوع الديني والقومي والثقافي الذي ميّز سوريا تاريخيًا. فالعقد الاجتماعي الجامع هو التوافق الوطني…

تصريح صحفي يعرب “تيار مستقبل كردستان سوريا” عن إدانته واستنكاره الشديدين للعملية الإرهابية الجبانة التي استهدفت دورية مشتركة للقوات السورية والأمريكية بالقرب من مدينة تدمر، والتي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا بين قتلى وجرحى. إن هذا الفعل الإجرامي يستهدف زعزعة الأمن والاستقرار، ويؤكد على خطورة الإرهاب الذي يتهدد الجميع دون تمييز، مما يتطلب تكاتفاً دولياً جاداً لاستئصاله. كما يُعلن…