الرئيس الأسد شاهد ما شافشي حاجة

المحامي مصطفى ابراهيم
 

لم يسبق لأية مقابلة صحفية أن تصدرت نشرات الأخبار وعناوين الصحف الاقليمية والدولية وأثارت الضجة والاستغراب واللغط والتجريح كما أحاطت بالمقابلة التلفزيونية بالصوت والصورة التي أجراها الأسد مع مراسلة احدى القنوات الأمريكية (بربارا والترز) ذات الشهرة والمصداقية والاحترافية عالميا فقد تنصل خلالها رئيس جمهورية سوريا والقائد العام لقواتها المسلحة كجنرال بأربعة نجوم والأمين العام للحزب الحاكم المستأثر لقيادة الدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة من الدستور عن جميع أعمال القتل والقمع والاعتقال أو علمه بها التي تشهدها البلاد منذ تسعة أشهر
حصيلتها وفق تقارير المنظمات الدولية أكثر من أربعة آلاف قتيل وعشرات آلاف الجرحى والمعتقلين والمفقودين والفارين الى دول الجوار ناهيكم عن حجم الدمار والخراب في الاقتصاد والبنى التحتية وعزلة سوريا شبه الكاملة عربيا واقليميا ودوليا على الصعيدين السياسي والاقتصادي وكاد يخال للمشاهدين والمستمعين لتلك المقابلة بأن هذا الرئيس يعيش في احدى الزنزانات المنفردة التابعة لاحدى أجهزة الأمن وهي متعددة لا يشاهد لا يسمع لا يعلم بما يجري وليس في القصر الجمهوري بقلب العاصمة دمشق يمارس ولو الحدود الدنيا من صلاحياته الدستورية فكانت وفق أبسط المعايير السياسية فضيحة بجلاجل مما اضطر الناطق باسم وزارة الخارجية من الظهور أمام وسائل الاعلام لثلاثة أيام متتالية لتوضيح وترقيع تصريحات سيده وقال الكثيرون يا ليته لم يظهر ولم يعلق لأنه (أعماها بدل أن يكحلها و زاد في الطنبور نغما) كما يقول المثل العامي مما دفع بوسائل الاعلام الاقليمية والدولية بالتعليق عليها وبالتقريع والتجريح في بعضها كانت أشدها عنفا وقساوة تصريحات الناطقين باسم الادارة الامريكية حين وضعت رئيس سوريا في احدى خانتين أو موقعين وهي اما البعيد عن الواقع أو الكاذب وهو نادرا ما يوصف به رئيس دولة في العرف الدبلوماسي والعلاقات الدولية فعدم علمه بما جرى ويجري في بلاده وأن القوات المسلحة ليست قواته وأنه رئيس وليس مالكا ولم يصدر بتاتا ونهائيا أية أوامر أو قرارات باطلاق النار على جموع المتظاهرين بل ذهب الى أبعد من ذلك بأن من يصدر قرارات باطلاق النار على شعبه لا بد أن يكون مجنونا وأن في بلاده حكومة ومؤسسات وادارات هي المسؤولة حصرا عن ادارة شؤون البلاد وأمن مواطنيها فتصريحات سيد البلاد سواء كان يدري أو لا يدري تذكرنا بقول الشاعر
ان كنت تدري فتلك مصيبة      وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

غريبة ثقافة وغريب منطق هذه العائلة التي تحكم وطنا وشعبا منذ اربعة عقود بالحديد والنار وبسلوكيات ملوك أوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لأن الجنرال رفعت الأسد كان على ذات النسق والموروث الثقافي السياسي حينما صرح دون حياء في برنامج (نقطة نظام) بأنه ليس مسؤولا عن أحداث (حماه) الدموية ومجزرة (سجن تدمر) ولم يزر مدينة حماه طيلة حياته ولم يمارس ولو لساعة واحدة صلاحياته كنائب لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومي وأن ثروته التي تبلغ مليارات الدولارات حسب تقارير عالمية موثقة هي من كده وعرق جبينه وأن ابن شقيقه الجنرال ماهر قائد الفرقة الرابعة التي تتحمل القسط الأكبر والدور المحوري في التصدي  لجموع المتظاهرين السلميين بكافة صنوف الاسلحة هو مظلوم وضحية وسائل الاعلام المغرض فلا يستبعد أن ينبرى الأخير في المدى المنظور ليصرح بأنه كعسكري لم يكن أمامه أي خيار سوى تنفيذ الأوامر الصادرة اليه من وزير الدفاع أو رئيس الأركان وبالتالي لا مسؤولية له ولشقيقه الرئيس من جميع تلك الأعمال والجرائم التي من هولها وشناعتها تندى لها جبين الانسانية وهم ابرياء منها (براءة الذئب من دم يوسف)
وعودا على تصريحات الأسد في مقابلته تلك ولنأخذها بحسن نية وبسذاجة الساذجين ونعطيها أعلى درجات الصدقية والمصداقية ونؤمن بأن هذا الانسان مغلوب على أمره عملا بالقول المأثور (مكره أخاك لا بطل) وبالتالي أن كل ما جرى ويجري في البلاد هي دون علمه وارادته وليست بقرارات مباشرة صادرة عنه فأية صفة بقيت له حاليا أو ستبقى مستقبلا أفليس من الأجدى والأشرف له أن يتخلى عن منصبه كرئيس للبلاد والقائد الأعلى للقوات المسلحة ولا ضير ان احتفظ بمنصب الأمين العام لحزب البعث وسيباركه الشعب السوري بهذا المنصب الذي لا يشرف احدا من أبناء الشعب السوري .
لكن يجب أن لا نذهب بعيدا وندخل في السياق التاريخي لمسيرة الطغاة لأنهم جبلوا على تلك الخصال والمزايا والثقافة فبالأمس القريب أطل ملك الملوك الكولونيل القذافي على شعبه والعالم وصرح بأنه ليس رئيس للدولة بل ثائر قادم من الخيمة والا كان قد قذف باستقالته في وجه الثوار بيد أن المصير الذي آل اليه في مجرور القاذورات كان الرد الحاسم والقاسي لتصريحاته فهل وصلت الرسالة الى الآخرين من أمثاله ؟؟ أشك في ذلك على ضوء مسارات التاريخ بقديمها وحديثها .
مسكينة تلك الشعوب التي ابتلاها الله عز وجل بهؤلاء القادة والرؤساء دون تجاهل اسهام تلك الشعوب في صناعتهم واستمرارهم في الحكم لسنوات طوال فباتوا أسودا على شعوبهم و أذلاء أمام الأعداء وما ان تدور حولهم الدوائر وتقترب شرارة لهيب الثورات من قصورهم وعروشهم وتشرف السفينة على الغرق حتى يلبسون ثوب الممثل الكوميدي الشهير عادل امام بأنهم كانوا شهودا ما شافوا أية حاجة
 

سياسي كوردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…