السماء لاتمطر حقوق

جوان يوسف
ciwanyusif@yahoo.com   

في اللحظة التي أبيح فيها الدم السوري بدون تمييز في كل مناطقه من قبل النظام السوري , ما يزال هناك من يهدر الوقت في البحث عن أولويات العمل والالتفاف على الثورة , أو البحث عن شرعيات فقدت في خضم هذا الدم المهدور .

ومع قناعتي التامة بأنه لا يمكن لأحد أن يسلخ أي فرد من محيطه ، كما لا يمكننا  أن نضع مقاييس  ميكانيكية للتمثيل والادعاء ، في ظل الأنظمة الشمولية،  فإننا نجد من يدعي ذلك ،  وهذا الادعاء هو كادعاء النظام نفسه بتمثيل الشعب على مدى عقود ,
ويدرك كلنا أن هذا الزعم الذي  يتشدق به البعض بتمثيل الشعب إنما هو نتاج مرحلة التسلط والاستبداد ، وهي نفس الثقافة التي عممها النظام، وأصدر العشرات من المراسيم التي حرم الشعب الكوردي بموجبها حقه في الحياة  , وبموجبها حرم الآلاف من ابسط حقوقها الإنسانية  وألقى بالآلاف الأخرى الى المهجر داخل البلاد وخارجها ، وقتل وزج بالآلاف من الكورد في غياهب المعتقلات
وهذا أساسا احد أهم أسباب  انطلاق ثورة الشباب الكورد التي هي جزء أساس ومهم من الثورة السورية التي سعى ويسعى  البعض لإجهاضها
نعم ، معظم أحزاب الحركة الكوردية تحركت في الوقت الضائع  وبعضها لم تتحرك إلا على مضض والاخر يحاول أن يجهض الحراك , وأعتقد  أن السبب للأسف ليس كما يدعون أنهم يريدون المحافظة على الوضع الآمني للمناطق الكوردية ، لأن من يقوم بالقتل هو النظام وليس المتظاهرين السلميين ، و قولهم أنهم يحافظون على الأمن العام  هو كلام حق يراد به باطل.

فنحن اليوم أمام مفصل تاريخي هام , وذاكرة الشعب الكوردي في سوريا  تنطح بالآلام والانتهاكات والعسف الذي مارسه النظام بحقه ، بدءاً من الإحصاء والمستوطنات  وليس آخرا مقتل أهم صوت حر الشهيد مشعل التمو, وليس هناك من مبرر أن  ينتظر أي كان من هذا النظام ، أن يعيد له حق  هو من اغتصبه , ولا اعتقد أن هناك أية مصلحة للشعب الكوردي مع هذا النظام ، إلا اللهم إذا كنا نجير دماءنا للآخرين !!!!!!!!!!!!!!
هدرنا من الوقت سنوات طويلة حول توحيد الخطاب الكوردي , وقد توحدوا في مؤتمر ضم تسعة أحزاب انقسم احدهم داخل المؤتمر،  ليصبحوا عشرة ، وجلبوا من التنسيقيات التي صنعت في يوم وليلة لتملاء الشواغر ، ومن المستقلين بكافة الألوان كانوا حتى الأمس القريب أعضاء في تلك الأحزاب أو استشاريين فيها
وأصدروا من المقررات كان أهمها سحب ممثليهم من كافة تجمعات المعارضة  لتشكيل كتلة كوردية  كون خطاب المجلس الوطني السوري لايلائم طموحات الكورد  وأنا اوافق في ذلك لكن أن نجلس في بيتنا وننظر السماء أن تمطرنا ذهبا  ونبني عليها الاحلام والاماني الكبيرة فهذا ما يخالف أي منطق سياسي
 وما زلنا ننتظر التنفيذ ؟ هل كان ذلك من أجل تعطيل الكتلة نفسها أم من أجل تعطيل المعارضة نفسها ، وبالنتيجة كان القرار يشبه مهل الجامعة  العربية للنظام السوري مزيداً من القتل ومزيدا من الوقت لخلخلة المعارضة
وحينما رفضنا الانضمام الى أحزاب المؤتمر الكوردي لاننا ندرك تماما , أن قوتنا تكمن في عدم تأطرنا ، ولاننا توجسنا منذ البداية أن خطابها ليس الا إعادة انتاج ذهنية الاستلاب والتسويف والالتفاف ، ولن يخرج من الدائرة المفرغة التي تعيشها منذ تأسيسها
وشخصيا أعتقد أن الخطاب الكوردي موحد على مستويين الأول الخطاب الحزبي الذي فقد رونقه لأنه يدور في حلقة مفرغة وظهرت ملامح أرتهانه إلى خارج الحدود ، ولم يعد خافيا على أحد ، فقد انضمموا ككورد إلى إعلان دمشق ، وكانوا في رئاسته على مدى ستة أعوام ، وكان مشروعه السياسي أقل بكثير مما هو مطروح الآن والقسم الاخر انضم الى هيئة التنسيق الذي لم يروا غضاضة في قبولهم أن يكونو جزء من الخطاب العروبي
  وهذا الخطاب موحد تماما  والدليل ما نلاحظه في هذه الأيام من سرعة  الالتفاف حول موقف يسعى مواربة الى الحفاظ على تأبيد النظام القائم (لاحظو تصريح احد القادات الكوردية منذ أيام بعامودا انه غير معني بأضراب الكرامة والبيان الذي صدر بصدد الموقف من انتخابات الادارة المحلية ؟).

وهناك خطاب الشباب الذي عبرت عنه التنسيقيات بمختلف أسمائها , هذا الخطاب الذي لم يكن مؤطرا قبل الثورة  انما كان  يشتعل تحت الرماد وانفجر اليوم ليعبر عن ذاته وعن حركته الصاعدة من اجل بناء دولة ديمقراطية تحفظ لهم صوتهم وكرامتهم .

وهؤلاء ليسوا أدوات لشغل المقاعد، هم ضمير الثورة و محركها الأساس , وهم المستقبل  في بناء النظام القادم ليس من خلال شغل المقاعد وإنما من خلال  ترسيخ وعي وثقافة الرفض ، ومن ثم صياغة مستقبل البلد من منظور هم , بوصفهم  قوة صاعدة وسيكونوا الضابط لأي حكومة قادمة بعد سقوط النظام ., و يدركون أن إسقاط النظام ليس فقط باستبداله بنظام آخر ، وإنما بإعادة صياغة كاملة لمجمل المنظومة الثقافية والمعرفية والأخلاقية  وهذا بعينه هو هدف الثورة التي ندفع من اجلها الغالي والرخيص.

وإسقاطه ليست الوصفة السحرية  لتحقيق حقوق الكورد في سوريا وإنما هو مدخل هام وضروري للعبور منه الى نضال مدني ، الى شكل آخر قد يمتد لسنوات ………….


من الطبيعي لكلا الخطابين أن يكون له مثقفيه , ونحن لا نقول بضرورة توحيد الخطاب لأنه يحمل من الوهم أكثر منه الإمكانية , ما نطمح إليه  هو أن نحترم خيارات بعضنا ونترك الشعب أن يختار، لا أن نلبسه ما يضيق عليه , نحتاج جميعا الى خطوات عملية باتجاه إعادة هيكلة  خطابنا المنسجم مع واقع التطورات الحاصلة والى الانتقال ال الخطوات العملية التي تجعلنا ننتقل من خط الدفاع الى الهجوم لنسجل أهدافا حقيقية تنسجم مع الالام والضحايا التي هتكت ذاكرتنا ومجتمعنا , اذا كنا فعلا نريد الحرية واذا كنا فعلا نريد أن نكون رقما صعبا في معادلة التغيير وأن نكون بقدر المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتقنا
من هنا فان الحرية ليست في الوحدة وإنما في الاختلاف , ولايمكن أن يكتسب الجمال رونقه إلا بتعدد ألوانه .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…