الثورة والشباب من صنع الآخر؟*:

إبراهيم اليوسف

إلى “غيفارا” الثورة السورية وطبيبها الأول”إبراهيم نائل عثمان”

منذ الشرارة الأولى التي أشعلها “البوعزيزي”، في تونس، وسقوط بعض الدكتاتوريات، في العالم العربي،  بهذه الطريقة أو تلك، لنجد أن بعضها  الآخر،على وشك السقوط، بعد أن سقطت  أمام نفسها، كما أنها سقطت، في نظر شعوبها والعالم على حد سواء، لاحظنا أنه ثمَّة ثقافة جديدة،  بدأت تفرض ملامحها، وإن كانت هذه الثقافة، تلجأ إلى التطبيق، قبل تأسيسها لنظريتها، وهذا ما جعل الثورات تتعرض للسرقة، معنوياً، أو فعلياً، حيث يدأب “حراس السياسة القدامى”، للالتفاف على هؤلاء،

وليس أدل على ذلك، من أن بعض الجهات التي فكرت بكيفية مثل هذه السرقة، بأكثر ما يجب أن تفكر في إنجاح الثورة، وهي التي تقدم نفسها، كطرف فاعل في الثورة، لم يكن لديها-خارج سوريا وداخلها- من تتصل به، في بدء الثورة، للحصول على المعلومة، وكانت تتخبط، إلى أن استطاعت أن تبني جسورها، لتمارس السطو التدريجي، على  الإنجاز الأعظم في تاريخ، هذا البلد، بعد الثورة السورية الأولى، وتكنيس الاستعمار الغربي، الذي لجأ إلى خلق أذناب له، لديمومته، تحت يافطات براقة، مقبولة، كانت  حاضنة أسوأ استبداد في العالم أجمع….!.
كما أن تحقيق ما يسمى ب” الربيع العربي” في بلدان مثل: تونس-مصر ليبيا- بل و اليمن،  كان في الأصل، نتاج رؤية، لما يتم لأبطال الثورات الشعبية، أن يدونوها، باعتبارهم توجهوا إلى ترجمتها، مباشرة، بينما لم تتمكن الإنتلجنسيا القطرية أن ترتقي إلى مستوى”سؤال الثورة”، بل تعاملت معه، وفق أدواتها التقليدية، ليكون تناولها غير مكتمل، حتى وإن تمَّت مقاربات ما، من هذا السؤال.
ومادامت الأمور، قد ظلت”بين بين”، فإن هاجس سرقة الثورة، لم يظل أسيراً على الأطر التقليدية التي استنفدت أدواتها، وباتت تحاول تقديم نفسها، بوجه جديد، إلى أن يتهيأ لها القبض على مقاليد الأمور، وتفرغ هذه الثورة، من محتواها، وهو السلوك نفسه، الذي تقوم به المعارضات التي لم تجد السلطة، خطورة في وجودها، على اعتبارأنها دأبت أن تضع”رجلاً مع النظام، وأخرى مع المعارضة”، حتى وإن كان يتم التضييق على بعض رموزها، والزج ببعضهم وراء قضبان السجون،  بل إن هناك من لا تتعدى رؤيته حدود الدائرة، المقبولة، بدعاوى وطنية، أو إيديولوجية، أو غير ذلك، ليكون التهافت على نهش” منجز الثورة” في ذروته، لكل هؤلاء، لاسيما وإن هناك من أتبع  السلوك نفسه، مع أبطال” ساحات التحرير”، عبر حضور “تمثيلي” مخادع، ليشكل غطاء خلبياً، للتمويه، وتقديم نفسه، في صناعة” ثورة” تشكلت أصلاً، على نحو يبدو عفوياً، لتفرز قادتها الفعليين، فتتضاءل المسافة بين الثورة ومشروعها، إلى حد التطابق.
ومؤكد، أن من يسرق الثورة، سيكون من عادته، سرقة كل ما يتعلق بشؤونها، فهو قد ينشىء هياكله المشابهة لها، وهذا ما سيظهر جلياً، أثناء استعراض أسماء قوافل المتهافتين على “ملتقيات” خرائط الطريق، وما في حكمها، من مصطلحات مشابهة، حيث كانت ملاذاً لأناس، لما تتضح-حتى اللحظة- وبعد مرور تسعة أشهر، على انطلاق الثورة السورية، رؤى بعضهم، بخصوص الثورة، وهم من يقفزون على مرحلة الثورة إلى ما وراءها، الأمر الذي يشكل، عملياًً، عقبات كأداء، في مسيرة الثورة، طبعاً، كل ذلك إلى جانب غيارى، آخرين، هم وقود تلك الثورة وصناعها الحقيقيون.
إن الثورات التي تمَّت عموماً، وكان العمود الفِقري فيها الجيل الشاب، فتيات وفتيان، فهي محورت حول نفسها، الأجيال الأخرى، ممن كانوا إما في انتظار شرارة ما، للانخراط في لجة الثورة، أومن انضم إليها، تدريجياً، لما رآه، من أهوال على أيدي الاستبداد، الذي لا يهمه حرق أخضر الوطن، ويابسه، مادام أنه “يجير” الثورة من أجل مكاسبه، الحقيقية، أو المفترضة، لإجهاضها، عن قصد أو غير قصد،  من خلال استبدال نظام دكتاتوري بآخر، ليس إلا….!
ومن هنا، فإن الشباب، إذا كان هو صانع الثورة، فإن  الثورة، من شأنها أن تسهم، في صناعة، واستكمال رؤيتها، نظرياً، في ما لو اتخذت المسلك، الصحيح، لا أن يتم حرف بوصلتها، نتيجة اختراقاتها المتعددة، لتحتاج، في التالي، إلى ثورة على الثورة، وهذا ما يستنزف طاقات، هائلة، تدفع ضريبتها البنية التحتية، ناهيك عن الوقود الذي لا يعوض-قط-وهو روح الإنسان، الأثمن، والأعظم، من كل ما في الوجود، بل إن عظمة الوطن، نفسه، لا أهمية لها، من دونه، البتة.

*ينشر المقال، بالتنسيق مع جريدة” آزادي” التي تصدرعن اتحاد تنسيقيات شباب الكورد في سوريا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…