أيّها «المسائيلُ» الأنيقون.. شبِعْنا من تصريحاتكم

عمر كوجري

يتشاطر المسؤولون في بلدنا لإعطاء تصريحات مطمئنة، وكل حسب اختصاصه، ولم يبق وزير في هذه الحكومة إلا ودلى بدلوه، وصال وجال في هذه المؤسسة وذاك المشفى، وفاجأ العاملين بزياراته الخاطفة مسلحاً بـ ” جيش” من الإعلام ليدلي بتصريحات تريد القول بأن البلاد تسير إلى هدوء من كل النواحي، وأن” كل شي بخير”  وتجلت هذه التصريحات أكثر ما تجلت فيما يخص العقوبات الاقتصادية الأوربية ومؤخراً العربية.
 أراد الجميع أن يخفّف، ويواسي، ويهوّن من مخاوف المواطنين، وأنه ليس هناك ما يستدعي للقلق والخوف على  المستقبل من جانب السوريين من جميع النواحي وخاصة المعيشية والخدمية، وأن كل ما يقال هنا وهناك هو من باب تهويل المشاكل الصغيرة التي لا تستدعي كل هذا الاستنفار، فالخزينة ملأى على آخرها بكل أطايب الطعام والزاد، والزيت والسمون، وكل ما يجعل المرء حياً منفلتاً بين أنياب الوحش..

الجوع!!

ولعل أبرعَ المسؤولين السوريين في إشباع الشعب بالتصريحات هو وزير النفط الذي قال مراراً وتكراراً إن أزمة المازوت والغاز في طريقها للحلّ، حاول سيادة الوزير جاهداً أن يدخل الدفء إلى أجساد أطفال سوريا بفعل تصريحاته المطمئنة عن قرب الانتهاء من الأزمة، ولكن من شديد أو مع شديد الأسف ظلت أسنانُ السوريين تصطك من شدة البرد الذي فاجأ المسؤولين، حيث كان هؤلاء يعوّلون، ويمنّون أنفسهم بأن شتاءات سوريا صارت تتأخر في السنوات الماضية، وأن الأمطار لا تحنُّ إلى تراب هذي البلاد إلا من باب الواجب والسلام السريع حتى لا ننسى هيئة وشكل هذه الأمطار، وكانت يوماً ما بعيداً توقظ الجداول الكَسِلة، وتسري في عروقها ” ماء الحياة.
  لقد بقيت أرتال وطوابير الناس الغلابة تزداد، وتطول، وتتربع، وتستطيل بل تعدّى الأمر موضوع الوقوف في طوابير طويلة من أجل الحصول على بضعة ليترات قليلة من المازوت تردُّ لسع البرد عن أصابع وعظام الصغار، وتطوّرَ الشجار على الدور والخلاف عليه إلى وقوع حالات كسر أضلاع، بل تعرض البعض للقتل في بعض مناطق البلاد، وتأتي قناة الدنيا” الصادقة إلى حد الألم” لتقول أن” كل شي بخير” ولا أزمة مازوت ولا أزمة غاز ولا أية أزمة في الوطن.
 لقد حدّد الوزير خمسة أيام، ليتم القضاء على ظاهرة الطوابير البردانة والباحثة عن دفءٍ ما يعيدُ الروح إلى وهن الأجساد، لكن الأرتال ازدادت طولاً، وأطفالٌ سوريون كثيرون لم ينعموا بعد بـ “الدفا” الذي كان “عفا” في غابر الأيام.
يبقى السؤال:
لماذا لا تكون الحكومة صريحة وواضحة مع المواطنين؟؟ ولماذا تتقن إتحافنا بالتصريحات التي سرعان ما يتبدى لنا مجافاتها للواقع، وبعدها عن التحقق؟؟
لماذا لا تقر الحكومة بالخطأ مهما كان جسيماً لتعرف كيف تحلُّه، وبالسرعة القصوى؟؟
نقول لهؤلاء إن الشعبَ شبع من تصريحات المسؤولين الخُلّبية، ويريد حلولاً واقعية لمشاكله الكثيرة!!
وإلى اللحظة مازالت الأرتال والطوابير تتناسل، وتتطاول، والأطفال مازالوا يمرضون بأمراض الشتاء المزعجة، يفركون أصابعهم بعصبية لكن “هيهات منها الدفء”!! ومازال التدافع على  أشدّه في أوقات الذروة وغير الذروة على الظفر بكرسي لسرفيس “ختيار” جداً، متكتكة عظامه هو أيضاً من العتاقة ، وانتهت فعاليته التعبوية والفنية، ويفترض أن يُفرَم في معمل صهر الحديد بحماة، لكنه مازال صامداً يلوّث صباحاتنا ومساءاتنا بهباب مؤخرته السوداء.
في السنة الماضية كما الآن، لم يتقاتل السوريون على ” دور مين بالأول” بتعبئة كالون مازوت أو جرة غاز.
في السنة الماضية كانت هناك أزمة لكن ليست بهذه الحدة!!

أين تذهب أيها المازوت؟ قل لي بصدق بحق الله!!!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…