هل هي بداية تفكك النظام «الأسدي»

صلاح بدرالدين

  من الملفت أن يصدر اعلان ” اللامسؤلية ” عن الجرائم بحق الشعب السوري من الأسدين (العم وابن الأخ) في توقيت متقارب فقد برأ السيد رفعت الأسد نفسه أمام أعضاء مؤتمره المنعقد بباريس في الشهر المنصرم عن مجازر حماة وسجن تدمر في بداية ثمانينات القرن الماضي التي راح ضحيتها عشرات الآلاف بقرار من نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد وتنفيذ قواه العسكرية والأمنية تتقدمها قوات سرايا الدفاع المنوطة بامرة شقيقه رفعت حينذاك كما هو معروف ومتداول الذي لن تشفعه في تبرير القتل الجماعي ذاك اتهام الاخوان المسلمين بالشروع في القتل الطائفي على الهوية وحمل السلاح لأن ذلك مدان أيضا بنفس درجة ردود الفعل السلطوي عليه الذي فاق عليهم في عملية الانتقام والتطهير المذهبي بعشرات المرات
 اضافة الى ما يردده البعض عن ضلوعه في تنفيذ جريمة قتل الشخصية اللبنانية الكبيرة الشهيد كمال جنبلاط كما أن وضع المسؤولية على عاتق شقيقه لن يعفي النظام برمته من تحمل مسؤولية الجرائم الذي كان حينذاك أحد أعمدته الأساسية وحاميا وشريكا ومستفيدا ولم يكن خلافه مع الشقيق الأكبر الا من أجل وراثة السلطة والصراع على النفوذ ونهب المال العام .

  أما ابن شقيقه الحاكم فقد نأى بنفسه في مقابلة مع أحدى أبرز الفضائيات الأمريكية عن تحمل أية مسؤولية عن جرائم القتل اليومية بحق السوريين وأعلن أنه لم يقرر قتل أحد وهو لايملك سوريا بل يترأسها في حين تشير الدلائل أن نظامه الفردي الدكتاتوري قد تورط منذ اليوم الأول للثورة السلمية في اقرار تصفية كل من يتظاهر أو يحتج أو يرفع شعار الاسقاط أو رحيل رأس النظام والذين هم بعرف الحاكم ارهابييون ومسلحون وعملاء وخارجون على القانون جزاؤهم الموت وبطبيعة الحال هو ليس في الميدان بكل منطقة ومدينة وبلدة حتى يعطي الأوامر في كل حالة ولكنه كرئيس مطلق الصلاحية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة أعطى أوامرصارمة بالتصفية والاغتيال ومنح الصلاحيات لمعاونيه لادارة الأزمة حسب ضروراتها ومتطلباتها كما أنه بات معروفا أن كلا من شقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وصهره آصف شوكت نائب رئيس الأركان ينوبان عن الرئيس في الاشراف على فرق الموت والشبيحة والقطعات العسكرية والأجهزة الأمنية وهناك المئات من الضباط والمسؤولين يتوزعون في مختلف المناطق السورية لتنفيذ أوامرهما بحسب منظومات خاصة وحسب قنوات وآليات معتمدة في غاية السرية والكتمان .

 
  لم يعد خافيا على أحد مدى تمادي هذا النظام الشمولي العائلي في الاستخفاف بعقول الناس والذهاب بعيدا في حبك الأضاليل والتجني على الحقائق الى درجة أنه فقد الصدقية أمام السوريين أولا والمحيط والقريب والبعيد تاليا فكل من له أدنى دراية بطبيعة النظام الحاكم يعلم علم اليقين أنه عبارة عن منظومة أمنية – عسكرية – عائلية مترابطة وان يكن الحاكم الفرد قد فقد السيطرة على الشعب السوري الثائر الذي خرق حاجز الخوف الا أنه مازال يمسك بكل خيوط المنظومة المتسلطة وهو قابع في قصره ويتحكم بكل صغيرة وكبيرة في عمل القادة العسكريين وادارات كل المحافظات الرسمية عبر أجهزته الأمنية الموالية لأسباب طائفية ومصلحية أو بسبب الخوف من فرق الموت تماما مثل دور جهاز – الغستابو – النازي في حماية النظام  الهتلري ففي لقائه التلفزيوني الأخير أراد تضليل المشاهدين لدى نفي مسؤوليته عن مايجري من مذابح يومية في سوريا وعندما جاءت ردود الفعل الدولية السريعة باعتباره فاقدا السيطرة على الحكم والادارة انبرى الناطق الرسمي السوري ليتهم العالم أجمع بتحريف مضامين لقاء رئيسه الوريث وهو اعتراف بأنه ممسك بزمام الأمور والمسؤول الأول والأخير في جرائمه ضد الانسانية التي شخصها لجنة حقوق الانسان في جنيف قبل أيام وجواز مثوله أمام محكمة الجنايات الدولية لدى غياب حق النقض الروسي بمجلس الأمن الدولي  في أية لحظة  .
  اذا كان – الأسدان – عالمان بأن أحدا لافي سوريا ولافي العالم أجمع لايصدقهما في محاولة النأي بنفسيهما عن مسؤولية الجرائم القديمة منها والحديثة وبمجرد تحرك الادعاء العام في المحكمة الدولية بشأن سوريا ستظهر الوثائق والحقائق الدامغة واذا كان الأمر كذلك فلماذا اعلانات البراءة هذه ؟ بحسب ماأرى فان السبب الرئيسي لهذه المحاولة الفاشلة هو شعور أفراد العائلة الحاكمة بدنو أجل نظامها وقرب سقوط حكمها وما الحركة التضليلية الأخيرة الا تعبيرات عن حقائق مستجدة عدة أولها أن الثورة السورية الوطنية السلمية والتضحيات الجسام بدأت تعطي ثمارها في بداية تفكيك الحكم العائلي وثانيها شعور العم بقرب انهيار نظام العائلة وبالتالي وضع اللائمة على الفرع المنافس في جرائم الثمانينات وتبرئة النفس ويحصل ذلك للمرة الأولى في تاريخ الصراع العائلي بين الجانبين وثالثها أن الطائفة العلوية الكريمة التي أراد نظام الأسد العائلي استغلالها لعقود لم تعد مأمونة مطواعة ورابعها أن رأس النظام بدأ الغوص في التناقضات ولم يعد قادرا على التماسك أمام أنظار العالم حيث في كل مقابلة يكذب نفسه بنفسه أكثر من مرة وخامسها أن انتقال الملف السوري بدأ بالتحرك نحو مجلس الأمن وسيكون في عهدة المجتمع الدولي بعد أساليب المكر والخداع تجاه الجامعة العربية .

  ليس مطلوبا من كل من تلوثت أياديهم في اقتراف الجرائم بحق الشعب السوري أن ينأوا بأنفسهم عن المسؤولية الآن أمام وسائل الاعلام بل عليهم الاحتفاظ بأقوالهم لحين انعقاد محاكم الجنيات الدولية وان غدا لناظره قريب .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…