كثيرة هي الأطلال والأوابد التي تحكي قصص الآباء والسلف على جدرانها فتشد الأبناء إلى الجذور كما الرضيع إلى ثدي أمه وخاصة بعد تنامي ظاهرة الوجدان والشعور القومي والانتماء إلى الأمة الذي هو أعظم ظاهرةٍ اجتماعية في عصرنا.
فبعد أزمنة طويلة من الاضطهاد والإنكار والتهميش واليوم من حق أبناء هذين الشعبين أن يفتخروا ويعتزوا بالانتماء إلى أمتهم التي تميزها عن غيرها من الأمم من حيث الثقافة واللغة والجغرافيا والتاريخ والعادات والمعتقد .
فعند كل حديث عن شعوب ما بين النهرين لا بد أن تحضر إلى الذاكرة هذين الشعبين القديمين الموغلين في أغوار التاريخ بالرغم من الكثير من المفاصل الدامية بينهما وسنوات الجفاء التي برأينا تدل على حيويتهما وليس على همجيتهما كما يقال أحيانا من قبل مثقفي هذا الطرف وذاك بل على العكس الذي هو أمر طبيعي بمقاييس التطور البشري والثقافي والحضاري لتلك الأزمنة السحيقة فكل شعب مسالم وضعيف لم يكن له حظوظ العيش باستقلالية وكرامة ما لم يكن دائما على أهبة الاستعداد والجاهزية لأي طارئ وكانت ثقافة الغزو والتوسع على حساب الجار للجار لبناء الأمجاد سائدا لأسباب عديدة وأصبحت بدورها حافزا لابتكار أساليب جديدة للبقاء على الذات من جهة أخرى ربما أبقت تلك الثقافة الكرد والآشوريون مستمرون في العيش كمتحدات متمايزة ضمن تلك الظروف الصعبة لغاية اليوم دون الاستسلام للقدر.
كانت بلاد سومر والكوتيين وبابل وآشور هبة النهرين العظيمين.
فعلى ضفاف أدجنا (أدجلات – دجلة) حيث ينبع هذا النهر العظيم من هضاب وسفوح جبال زاغروس جنوب بحيرة وانwan في شرق جبال طوروس سماه السومريون أدجنا في الألف الثالث 3000 ق.م ثم دعاه البابليون و الآشوريون أدجلات والميديون بالدجلة وسماه الفرس تغرا والإغريق (تجريس) وقد استعمل هيرودوت هذا الاسم عام 450 ق.م وكذلك على ضفاف يورانونو النهر العظيم الذي سماه السومريون ( براتو-الفرات).
هذا النهر الذي هو أحد أكبر أنهار غرب آسيا وأحد الأنهار التاريخية ينبع من هضبة ملاذ كرد وسرحدا ويتجه غرباً وجنوبا فيخترق جبال طوروس متجهاً نحو الصحارى الجنوبية.
عندما يفيض نهرا دجلة والفرات في نيسان وأيار من كل عام كان يسبب في ترسب الطمي على أرض السهول وعلى أطراف هذين العملاقين تكونت أول بذرة للحضارة وعلى هذه البقعة من الأرض نشأت الأمة الكردية والآشورية .
وليس بخاف على أحد بأن الشعوب التاريخية في تلك المنطقة الجغرافية ومنها الآشوريين والكرد هم نتاج تطور تاريخي وصراع عنيف مع التاريخ منذ عهود غابرة ويتفق اغلب العلماء بان هناك علاقة وثيقة بين الكرد الحاليين والآشوريين القدامى كجيران ولهم تاريخ مشترك في الكثير من مفاصله .
هناك صفحات من تاريخ سابق لا نود الرجوع إليه لبناء فكر وثقافة عليه فنحن أبناء اليوم وسيبقى الانتماء إلى أي أمة و قومية أو ثقافة ما ليست نابعة عن إرادة شخص ما أو عدة أشخاص ولا تكفي إرادة عدة أشخاص من مجتمع واحد وثقافة أخرى بالطعن في حقيقة وسيرورة شعب آخر لأسباب سياسية وأيديولوجية يشهد له التاريخ بمصاحبته له .
فلن يستطيع الكردي إلغاء الآشوري (أو السرياني) بجرة قلم وحقد عنصري ثقافي أو غاية سياسية وكذلك العكس .كوننا أبناء تاريخ وجغرافيا واحدة في الكثير من مفاصل التاريخ وقد كنا أصحاب ثقافة مادية وروحية واحدة حتى وقت ما في التاريخ بالرغم من اختلافات اللغة والثقافة الآن وقد فرقت بين أنواع الشعوب ما بين النهرين وعلى رأسها الآشوريون والكرد وشكلت لمساحات تشمل على حياة مشتركة متميزة عن المساحات الأخرى فسمي متحدا وبالرغم من ذلك كان هذين الشعبين على صلة قريبة من حيث الاشتراك في الحياة وولد تجانسا في العقلية والصفات والكثير من العادات والتقاليد والأزياء والتقارب النفسي وشؤون الحياة العامة والمآتم والأساطير وطريقة دفن الموتى ونظام العائلة والعلاقات بين الناس في المجتمع والتقاليد .
خلاصة القول ومفاده هو أن الكرد والآشوريين كانوا وما زالوا شعوب معاصرة لبعضها منذ سنوات طويلة وسيبقون على المدى المنظور .
فما عليهم الحفاظ على هذا الرابطة التاريخية وأن تسود بينهم العلاقات الأخوية كشركاء حقيقيين في المستقبل وألا تشوبهم أي ثقافة وفكر غريب تجعل منهم على خلاف لأن مصيرهم في المستقبل سيكون مشتركا في السراء والضراء فعلى النخب الواعية من الشعبين أن تعمق العلاقة والروابط ثقافيا واجتماعيا وسياسيا وترك التاريخ للتاريخ والافتخار بصفحاته المشرقة وزرع روح الإخاء والمعاشرة الإنسانية بعيدا عن كل ثقافة قومية عنصرية وطائفية مقيتة حيث لا أحد يستطيع أن يفصل بين المشاعر الخفية والباطنية لدى كل شعب بمفرده لسبب بسيط جداً لأنهم أصحاب جغرافية متداخلة ومشتركة ووطن تاريخي واحد رسم خريطته على رمال ضفاف أنهاره وصخور جبالهم الشماء فلا أحد يستطيع محوها بسهولة وبنزعة فردية ومزاج عابر .