إن كان موقف الرئيس العراقي يدفعنا إلى الإستغراب والإشمئزاز وعدم التفهم، بل إلى أشد الإنتقاد والإستهجان، فإن تصريحات وخطوات الرئيس مسعود البرزاني الأخيرة -الميالة إلى فئة بعينها من أطراف الحركة الكردية التي لم تحسم خيارها حتى الساعة لصالح الثورة السورية الظافرة بل تتأرجح بينها وبين الطرف الآخر- وهو المعروف بمواقفه الجريئة والصريحة والواضحة من القضايا الوطنية والقومية والإنسانية المصيرية دون مواربة، ودون إيلاء الإهتمام بالثانويات المزعجة، فإنها غير مفهومة.
في الحقيقة إن أهل مكة أدرى بشعابها، ولايمكن للمالكي ولاللطالباني ولالغيرهم – مع إحترامنا الشديد لكل من يهتم بشأن سوريا أو يريد مد يد العون والمساعدة لشعبها في محنته – أن يقدموا أنفسهم أوصياء على شعبنا عرباً أو كورداً أو مكونات أخرى ويحلُّوا محلهم ويتكلموا باسمهم أو بالنيابة عنهم في قضاياهم المصيرية.
إن الثورة السورية التي بدأها الشباب الحر غير المؤتمر بأمر هذا التنظيم أو ذاك التنظيم، قد حسم أمره في مجابهة الآلة الأسدية المدمرة، في دعوة صريحة وواضحة إلى إسقاط النظام برأسه وذيله في وقت كانت المعارضة الكلاسيكية وفي مقدمتها أحزاب كردية تغوص في جدالات عقيمة، وفي تحليلات نظرية لاتطعم خبزاً ولاتسعف ملهوفاً، وهاهي الثورة تقترب من نهاية شهرها التاسع، فيتحرك هؤلاء ودون التنسيق مع الشباب على الأرض حيث يعقدون المؤتمرات في الداخل وعلى مرأىً ومسمع من النظام الذي لم يبد أي انزعاج أو تأفف، ثم يتوجهون إلى إقليم كوردستان المحرر وتحت إشراف قيادته ليكملوا المشوار هناك بغية انتزاع الأوراق من بين أيدي أصحابها الشرعيين.
إن الشارع الكوردي الحر في كوردستان سوريا كما كان يعرف البرزانية أباً عن جد وعن سابق تجربة، ويضع فيها ثقته الكبيرة فهو ينظر إلى سليل البرزاني الخالد الرئيس مسعود البرزاني بعين الأمل والرضى متوخياً منه أخذ الحيطة والحذر قبل أن يقدم على أية خطوة سياسية أو اتخاذ أي موقف حيال قضايا هامة كالتي نحن بصدد الحديث عنها، فالمرحلة حساسة ودقيقة للغاية ولاتقبل المراهنات.
إن كان شعبنا الكوردي في كوردستان – سوريا قال كلمته الفصل بالوقوف مع الثورة السورية العادلة، ولن يتراجع حتى يسقط النظام العميل لإيران، فالتاريخ لم يسجل عليه يوماً عبر تاريخه الطويل أنه كان عوناً للجبابرة والظلمة والمجرمين وقطعاً لن يكون كذلك مستقبلاً، بل كان على الدوام عوناً للملهوفين والمظلومين والضعفاء، وبالتالي فالقضية بالنسبة إليه قضية إيمان ومبدأ وهو يعتز ويفتخر بهما بلا تردد.
لكن لايعني هذا بحال من الأحوال أننا سنركن إلى الذين ظلموا أنفسهم من المعارضة التي تتكلم بالنيابة عن الله في الأرض، وتعتبر آراءها السياسية آيات منزلات من السماء، وتزعم أنها تأخذ بناصية الحقيقة كلها ولاحقيقة عند سواها، بل سنجابه هؤلاء غداً كما نجابه اليوم النظام اللاشرعي في دمشق وربما بوتيرة أقوى وأشد، ليس بقوتنا الذاتية نحن الكرد فحسب، بل بقوة أشقائنا السوريين الآخرين الذين يؤمنون مثلنا بسوريا مدنية ديمقراطية علمانية إتحادية فيدرالية، وبمؤازرة الأصدقاء.
من جانب آخر أود الإشارة إلى بعض الأقلام العربية التي كتبت حول هذا الموضوع وانهالت على مام جلال والرئيس البرزاني وانتقدوهما بشدة ولاشك أنهم محقون في ذلك إلى حد بعيد، وهذا من حقهم ولن نبخس الناس أشياءهم، ولست في معرض الدفاع عنهما فهما معنيان برد الإعتبار لشخصيهما، لكن مايتوجب علي قوله هنا أن أسأل أصحاب هذه الأقلام الحريصة على مصلحة الشعب السوري عموماً، هل تكيلون بمكيال واحد أم بمكيالين؟!.
بمعنىً آخر هل انتقدتم؟! أيضاً في كتاباتكم الميمونة التصريحات العنصرية المنتنة التي أطلقها غليون والبيانوني بحق الكورد، وهما ممن يقودون العملية السياسية ضد نظام بشار الأسد اليوم، أم هذا الأمر لايعنيكم؟!.
إن كنا نبحث عن الحقوق أيها الأفاضل فهي متساوية، فلا يجوز لنا أن نرى الشيء نفسه في آن واحد وظروف مماثلة أبيضاً هنا وأسوداً هناك.
أقولها ثانية لست بصدد الدفاع عن الرجلين (مام جلال والرئيس مسعود البرزاني) أو تبرير موقفيهما لكن ألا ترون معي أن اللوحة لسوريا الغد بدت لهما أكثر قتامة وسوداوية بالنسبة للقومية الكوردية في ظل تلك التصريحات القروسطاوية، فوجدا من حقهما أن يجنبا قومهما حسب قناعاتهما مستقبلاً مجهول الهوية أو معلومها لكنها إستعلائية ومظلمة، من خلال تصريحات أشباه البيانوني وغليون.