الشباب بين السياسة والعمل التظاهري

  شهاب عبدكي  

الحراك الشبابي في المناطق الكوردية لعبت دوراً هاماً وإيجابياً في التفاعل مع التظاهرات وما يتمخض عنها من تحديات التي يمكن أن تواجهه في المستقبل على الصعيد الوطني والقومي ، فالأكراد كانوا أكثر جاهزية من غيرهم من مكونات المجتمع السوري لتأثــره بمحيطه العربي الثائر ، لأسباب عامة تتعلق بالوضع الأمني والاستبدادي والمعاشي ، وأخرى خاصة تتعلق باضطهاد وإنكار وجودهم القومي ، والأزمات المفتعلة والمستعصية نتيجة إجراءات شوفينية، وكذلك التحركات الحزبية التي لم تتوقف عن النضال والذي حرض بشكل غير مباشر لانتفاضة 12/آذار /2004 راح ضحيتها أكثر من عشرون شهيداً فأصبحت تجربة مهمة في تاريخهم.
 التحـركـات الصغيرة في مدينة دمشق مهدت لثورة في سوريا ، وكان للشباب الكورد دور مهم في قيادة هذه المجموعات ، فانطلقت الاحتجاجات من درعا ، وكانت القامشلي المدينة الثانية في الحراك الشعبي للمساندة، وإنهاء فترة الجفاف السياسي للسير نحو مرتكزات نضالية جديدة تشمل كل المناطق في سوريا ، وانتشرت التنسيقيات الشبابية في المناطق الكوردية من خلال مجموعات صغيرة تحضّر للتظاهرات والشعارات التي تردد أثنائها.

مرت الحركات الشبابية الكوردية بثلاث مراحل أساسية خلال تسعة اشهر من عمر الثورة السورية.
المرحلة الأولى: كانت عبارة عن تحضير لرؤيتها للتظاهر في المناطق الكوردية والتي تركزت على نقطتين:
أولاً التظاهر الحذر والسلمي حتى يثبت وحدة الصف الوطني، وإنه جزء أساسي من الشعب السوري في مواجهة آلة الاستبداد، والمطالبة بالحرية لجميع مكونات المجتمع السوري دون استثناء.
 وثانياً استثمار هذا العمل للتفعيل السياسي من قبل الأحزاب الكوردية في حواراته ومفاوضاته للضغط باتجاه الحقوق الشرعية للشعب الكوردي، بالتالي فتح مجال جديد لإنتاج وتأسيس توافق سياسي بين القوى التقليدية والقوى التي بدأت تظهر من رحم الأزمة التي لا تقبل السكون ولا تريد أن تقطع العلاقة الجدلية بين الماضي والحاضر ضمن سيرورة هادئة دون انفعال وضرر بالقضية لترسيخ مفاهيم جديدة في مجتمعنا الكوردي الذي اعتاد على نمط معين من النضال، هذه المرحلة كانت حساسة بكل جوانبه لذلك جوبه بمعارضة سياسية كبيرة واجتماعية في بعض الأحيان حيث وصل في بدايته لحدود القطيعة بين بعض شرائح المجتمع.
المرحلة الثانية: بعد الاطمئنان أن الوضع يتقدم بسرعة كبيرة لظروف تتعلق بسلوك النظام الأمني في مواجهة الشعب و الاندفاع الكبير من الشباب نحو التغير وعدم التراجع مهما كانت التضحيات وقبول لا بأس به من أطراف سياسية لأهمية ما يقوم به الشباب، أصبحت المظاهرات السلمية بحاجة لحامل سياسي فعّال يدرك حجم التحديات ، لأن الأحزاب الكوردية فشلت في ما يصبوا إليه الشباب والتي كانت ستمنحهم ثقة أكبر لو استطاعت أن تنجز هيئتها التمثلية وتكون حاضنة للمعارضة السورية وشريكة في العملية السياسية القادمة دون أي شوائب، إلا أن تأخر الكتلة الكوردية في انجاز ذلك والفراغ السياسي المدمر للمعنويات جعل الشباب ينخرطوا في العمل السياسي قبل إتمام مهامهم الأساسية من إنجاح الثورة على غرار ما حصل في مصر .


المسار السياسي الجديد لحركات الشبابية خلق جو من الصراع بينها وبين أغلب الأحزاب ، فدل أن الهوة واسعة بينهما ولابد من ردمها بأقصى سرعة وإعادة الوضع لنمطية التفكير للمرحلة الأولي، على أن تقوم الأحزاب بتوحيد صفوفها وتقوم بواجبها الفعلي دون ضبابية في القرارات التي تبقى في المجال النظري فقط  بسبب عدم إمكانية ترجمتها بشكل جدي لتباينات في التوضيح والتفسير والتأويل ، وفعلا تم التوجه بالشكل الذي يعكس حقيقة الوضع الكوردي ، والذي انتهج نتيجة الضغط السياسي والثقافي والاجتماعي على الأحزاب وأن يتبنوا هذه الرؤية رغم النواقص التي رافقتها.
المرحلة الثالثة: عدم التوازن بين العمل التظاهري والسياسي أو الاختيار بينهما ، فبدأت الحركات الشبابية تخسر قوتها الفعلية على الأرض وسلكت طرق عدة للحفاظ على ذاتها من خلال التبعية للأحزاب التقليدية أو السباق لرفع لافتات تثبت وجودها في المظاهرات دون أي اهتمام حقيقي لمهمتها الأساسية وهي التظاهر السلمي من أجل الحرية ، وبسبب الانقسام الحاصل بين أطراف حزبية ، حصل ضياع لهذه الحركات في أن تكون لاعب في التوسط عبر مبادرات تطرحها أو الانحياز لطرف على حساب طرف أخر مما خلق نوع من اليأس في صفوفها والذي لم يوازي التنامي في الوعي الجماهيري للتظاهر.

السمة البارزة في المراحل السابقة، الحالة النقدية للوضع السياسي والاجتماعي والتي رافقت الثورة منذ بدايتها، لذلك فالحركات الشبابية الكوردية مطالبة بان تعيد إنتاج ذاتها لتساير وتواكب الوضع وتسترشد بالوضع السياسي وتفتح أفاق جديدة للسياسيين الكورد حتى لا تذهب جهودهم دون فائدة، ويدركوا أن مهمتهم لم تنتهي، لأن الثورة مجرد فترة انتقالية بحاجة لثورات حتى يستقر الوضع السياسي في البلد، و يستند على دستور متفق عليه بين جميع مكونات المجتمع السوري على أساس المساواة بين الجميع.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…