يعتبرالنظام الحاكم في سوريا امتداداً طبيعياً للعقلية الشمولية المتوارثة في الشرق الاوسط عبر التاريخ.
ويتميز هذا النظام بوضع الدولة والسلطة فوق كل الاعتبارات الاجتماعية في المجتمع، صاعداً بها الى درجة التقديس .
وبهذا جعل من الدولة إلهاً، له الحق في التدخل في كل المجالات الاجتماعية بحيث لم يبق مجال الا وتدخل فيه وتربطه بنفسها، وتصبغه بصبغتها، من جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
وهذا ما أدى الى خنق المجتمع، ووصل الأمر الى بروز استعصاء سياسي غير قادر على حل القضايا والمشاكل التي تعاني منها الدولة، وبالتالي اصبح النظام عبئاً على المجتمع السوري، نتيجة سياساته الداخلية والخارجية الصادرة من هذه العقلية، بحيث ادخل النظام نفسه في عزلة دولية، الى جانب عزلته عن المجتمع السوري نتيجة الازمة الداخلية النابعة من انتشار الفساد في مؤسسات الدولة وتحكم المافيا والعصابات فيها، والذي ادى الى حالة من الاحتقان والتذمر الشعبي من الحكم، نتيجة ما وصلت اليه الاوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية والثقافية في البلاد، الى حالة التدني والفساد والخراب، التي تحتاج الى التغيير والاصلاح الجذري في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، بهدف التحول والتغيرالديمقراطي عبر حركة اصلاحية شاملة، تعطي الامكانية للقوى المجتمعية بمختلف شرائحها الديناميكية لبناء المؤسسات الديمقراطية التي تعبر عن ارادة المجتمع
السوري بجميع موزاييكه الاثني والديني، التي بامكانها تجاوز العقلية القديمة للنظام وبناه المتفسخة العاطلة عن العمل، والتي لم يعد بمقدورها تحقيق اي تطور يخدم مصالح الشعب السوري عامة والكردي خاصة، بدون هذا التحول سيكون النظام عرضة للتدخلات الخارجية.
النظام السوري لا يستطيع الحكم بالاساليب القديمة، لان مستوى الوعي الموجود لدى الشعب السوري بعربه وكرده وبقية الموزاييك، لا يسمح ولا يقبل بهذا النوع من التحكم والهيمنة.
لذلك فالتغيير والتحول الديمقراطي في سوريا هو ضرورة لا مفر منها وسبيل وحيد لحل ازمة النظام هذه ، وخلاص سوريا من الهاوية وايصالها الى بر الامان.
وهذا سيتحقق بالوصول الى نظام ديمقراطي كونفدرالي وفق الحقيقة التاريخية المعاشة في سوريا.
لان الحلول الاخرى ستزيد من الاختناق وتعمق من الازمة .
فالحل الكونفدرالي الديمقراطي هو من اكثر الحلول واقعية في عصرنا هذا بالنسبة لحل القضايا المجتمعية والاثنية العالقة، بعيدا عن النعرات القومية والطائفية والمذهبية.
لان هذا المشروع يتجاوز جميع السياسات والحلول القوموية الضيقة التي تسببت في الصراع والشقاق وتنتهي غالباً بالحروب التي تجلب الويلات والدمار والخراب للمجتمعات، من التي لا يمكن مداواة نتائجها في عشرات السنين بل وحتى احيانا في قرون.
لقد تداخلت الشعوب في سوريا عبر التاريخ، واصبح هذا التداخل قوياً الى درجة لا يمكن فصله عن بعضه البعض كالظفر واللحم.
فالشعوب تربطها عادات وتقاليد مشتركة وتوحي هذه التقاليد بحياة غنية وحيوية تشكل موزاييكاً غنياً ساهم كثيراً في تطورالحضارة، وشكل اغنى ثقافة في التاريخ الحديث.
هذا اضافة الى انه رغم تعاقب الصراعات والهجرات المتنوعة للشعوب في المناطق الكردية استطاع الشعب الكردي الحفاظ على هويته الاجتماعية والثقافية.
وكذلك رغم افتقار المناطق الكردية في عفرين
وكوباني والجزيرة الى الوحدة والأتصال الجغرافي، ومع الهجرة المكثفة من الريف الى المدن السورية( حلب، دمشق، الرقة، الحسكة، والمدن الاخرى ) واصبحت تشكل جزئاً مهما من هذه المدن.
وهذا بدوره يفرض تنظيم المجتمع وفق النظام الكونفدرالي الديمقراطي الذي هو بمثابة العلاج الشافي للعراقيل الناجمة عن الواقع الجغرافي والديمغرافي للشعب الكردي في سوريا من جهة، وشفائاً من أمراض النظام الشمولي القوموي من جهة اخرى: لانه يستند الى الامكانات الذاتية للشعب والاكتفاء الذاتي والارادة الذاتية في بناء المؤسسات الوطنية الديمقراطية بحيث تلبي جميع احتياجات الناس، السياسية والاجتماعية والثقافية، ويفتح الطريق امام امكانات الشعب الخلاقة.
وهي من ناحية ثانية تعبر عن الوحدة الديمقراطية الوطنية في اطار العلاقات الكونفدرالية الديمقراطية التبادلية دون المنفعية، الاخوة والعدالة والمساواة والارادة الحرة والادارة الذاتية.
بإختصار يراعى في النظام الكونفيدرالى جميع حقوق الشعوب والاقليات.
الكونفدرالية الديمقراطية بوصفها نظام يعتمد على الديمقراطية المباشرة والقوى المجتمعية والمجالس الشعبية ويعتمد على العلاقات المشتركة التبادلية دون المنفعية ودون المساس بالحدود السياسية سيكون الحل الانسب في معالجة القضايا، وبالتالي يزيل العراقيل التي كانت تصبح سبباً في اثارة النعرات الطائفية والاثنية والقوموية كما تظهر الان في مختلف دول العالم والمنطقة وخاصة في فلسطين والعراق والتي ستحول المنطقة الى بحر من الدماء.
والنظام الكونفدرالي يعمل على الاعتراف بهوية الشعوب على جميع المستويات ويؤمن تطور اللغة والثقافة المحلية، وظروف ضرورة الكفاح ضد
كافة اشكال التخلف والرجعية، ويعتمد على الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية والمذهبية والاثنية وعلى التحرر الجنسوي داخل المجتمع.
لذلك فالوعي الديمقراطي الوطني المتشكل لدى الشعب الكردي نتيجة ثورة الانبعاث التي عاشها خلال ربع قرن المنصرم لهو قادر على قيام الشعب الكردي بقيادة مثل هذا النموذج من الحل الديمقراطي الكونفدرالي في سوريا نفسها.