ولادة المجلس الوطني الكوردي في سوريا تطور بنيوي في الحركة الكوردية

برزو محمود

في ظل الثورة السورية التي دخلت شهرها الثامن ثمة عاصفة كبيرة تهب على المجتمع السوري وتحرك كل فئاته  باتجاه وضع الحلول للمسائل والقضايا التي لعبت دوراً في حدوث الثورة السورية.

ومن الواضح أن القضية الكوردية هي إحدى تلك القضايا الشائكة التي برزت منذ ان أصبحت سوريا دولة مستقلة وعضوة في الأمم المتحدة بسبب تجاهل الحكومات السورية للحقوق القومية للكورد القاطنين في الشريط الحدودي من أقصى الشمال الشرقي من سوريا حيث نهر دجلة حتى أقصى الشمال الغربي حيث منطقة عفرين مما دفع بالكورد إلى ايجاد منظمات حزبية تطالب بحقوقها القومية المشروعة والاعتراف بها في اطار الدولة السورية.
حقيقةً، أن الحركة الكوردية منذ خمسينيات القرن الماضي مرت بفترات عصيبة وتشتت إلى مجموعات سياسية عديدة بفعل العوامل السياسية المحيطة من جانب، وضعف العامل الذاتي من جانب أخر.

وفي الفترة الأخيرة ولنقل في ظل الثورة السورية المباركة، ولأول مرة في تاريخ الحركة السياسية الكوردية تم عقد مؤتمر يجتمع فيه حوالي 250 عضو، سمي بمؤتمر المجلس الوطني الكوردي، ويضم أكبر عدد من الأحزاب الكوردية إلى جانب مجموعة غير قليلة من المستقلين الكورد، وفي نهاية المؤتمر انبثقت هيئة تنفيذية مكونة من 45 عضواً لقيادة العمل السياسي الكوردي مستقبلاً.

ثمة ملاحظات واراء أود تسجيلها في هذا المقال:
أولاً:
بدايةً أهنئ شعبنا الكوردي على نجاح مؤتمر المجلس الوطني الكوردي في سوريا، بالرغم من وجود ممارسات خاطئة وعثرات العقلية الحزبية الضيقة وآليات غير سليمة وذهنيات لا يهمها سوى مصلحتها الذاتية إلا أنه يمكن القول أن عقد هكذا مؤتمر يُعد انجازاً تاريخياً كنا نطمح إليه منذ زمن، ونأمل أن يرتقي إلى صيغ أرقى بحيث يضم الفصائل الأخرى والتي تم اقصائها بفعل عقلية معينة.

على أية حال هذا المؤتمر الجامع للأحزاب الكوردية السورية في اطار كتلة كوردية سيخلق بيئة مواتية في توحيد الخطاب السياسي الكوردي وسيصبح المدخل للقضاء على التشتت والتشرزم في جسم الحركة الكوردية، ويصبح مصدراً لحالة الوفاق والوئام والتقارب على طريق توحيد فصائل الحركة الكوردية في بضعة أحزاب كبيرة تشكل وزناً وثقلاً على الساحة السياسية السورية.
ثانياً:
ومن خلال متابعتي لما يجري في الميدان السياسي الكوردي، يُلاحظ جلياً ظهور فوضى وصخب ومواقف ذاتية بدافع شخصي تؤدي إلى رؤية لا مسؤولة وغير متفهمة وغير مدركة لحركية الواقع الكوردي المعاش، وهذا ما يبدوا جلياً في بعض الأراء الانتقادية الموجهة إلى ما جرى في جلسات مؤتمر المجلس الوطني الكوردي.

وعلى هذا الأساس تكونت لدي فكرة وهي أننا نحن الكورد لا نفهم واقعنا وفق المصلحة العامة، بل نقرأ الواقع من خلال مصالحنا الضيقة، وأحياناً نستسلم لمخيلتنا في طرح فلسفة نصنعها في تلك اللحظة الأنية استناداً على مبررات واهية ومسلكيات غير ناضجة وضعيفة صدرت عن بعض الساسة الكورد في ادارة مؤتمرهم نتيجة عوامل عديدة قد تكون قلة خبرة أو عدم ادراك أو من أجل فرض اجندات حزبية معينة، ولتكن ما تكن.

لأننا أمام مسألة في بالغ الأهمية وهي عملية الجمع بين الساسة الكورد وتحقيق المجالسة فيما بينهم وممارسة الحوار فيما بينهم تمثل نصف المشكلة إن لم تكن كلها في بعض المراحل.

من هنا نؤكد على نتائج المؤتمر وما تمخض عنها من مقررات هامة تفيد الجانب الوطني في سوريا، وتفيد أيضاً الجانب الكوردي كمسألة تنتظر الحل العادل في اطار الدولة السورية.
ثالثاً:
أما بالنسبة لوضع بقية الفصائل الكوردية التي لم تشارك في هذا المؤتمر لأسباب لا داع لذكرها هنا، أرى أن الأجدر بها والأفضل لها وللقضية الكوردية أن تنخرط هي الأخرى في داخل الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني الكوردي بكامل حقوقها وواجباتها.

أما إذا استحال هذا الأمر وبقيت خارجة عن السرب بسبب تداعيات العقلية الفجة والمصالح الشخصية لكلا الطرفين، عندئذِ عليها هي الأخرى أن تعقد مؤتمرها بحيث يجمع بين احزابها وفئة المثقفين المستقلين في تشكيل هيئة تمثل رؤيتها السياسية الموحدة بما ينسجم مع رؤية المجلس الوطني، والأفضل لها أن تعقد مؤتمرها تحت أسم أخر كأن نقول (مؤتمر ميثاق العمل الوطني الكوردي) أو (مؤتمر هيئة العمل الوطني الكوردي في سوريا) للتمييز بينها وبين المجلس الوطني الكوردي.

في هذه الحالة نكون أمام ثلاث كتل سياسية كوردية:
1.

المجلس الوطني الكوردي في سوريا
2.

(هيئة العمل الوطني الكوردي في سوريا)
3.

الاتحاد الديمقراطي الكوردي في سوريا
رابعا:ً   
ثمة قضية أساسية تطرح نفسها، وهي ماهية الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في سوريا، وقد سبق أن أكد عليها الاستاذ فؤاد عليكو في مقال له نُشر في المدة الأخيرة، يشير إلى أن الساسة الكورد لا يدركون ماهية مطالبهم.

وهنا أود من المثقفين الكورد وكل من يجد في نفسه المقدرة العلمية والمعلوماتية في المساهمة في هذا الجانب بتقديم المعلومة أو الدراسة أو البحث أو نقل أمثلة من تجارب البلدان الأخرى وخاصة ما يشبه الحالة السورية.

ثمة اراء وصيغ مختلفة للحقوق القومية للكورد تُطرح هنا وهناك دون أن يكون لها سند قانوني، مع غياب التصور الواضح لهذه المسألة، ويمكن ذكر بعض الصيغ المطروحة من قبيل (الإدارة الذاتية، الحكم الذاتي، الإدارة اللامركزية، الإدارة المحلية، الفدرالية، حق تقرير المصير).

من الأهمية جداً أن يساهم الساسة الكورد، مع مثقفيهم من الكتاب، إلى جانب فئة من النخبة الحقوقية، بهدف إعداد دراسة قانونية وافية حول جميع الصيغ المطروحة من ثم الوصول إلى صيغة معينة تنسجم مع واقع الكورد الجغرافي والتاريخي والإجتماعي في اطار الدولة السورية.

فالكورد يعيشون في ثلاث مناطق جغرافية منفصلة، وهي: الجزيرة، وعين العرب، وعفرين، إلى جانب التجمع الكوردي في كل من مدينتي حلب ودمشق.

أعتقد أن الخوض في هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة مستقلة تتناول المسألة من ثلاث جوانب أساسية:
1-  الجانب الثقافي (حقوق ثقافية)
2-  الجانب الاجتماعي (حقوق اجتماعية)

3- الجانب السياسي (حقوق سياسية) 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…