بالرغم من أن ” المجلس الوطني ” الذي أعلن من استانبول يتشكل من أطراف وتيارات عديدة في الفضاء السوري المعارض الا أن سقفه الاصلاحي لايتعدى تغيير شخوص النظام وبعض سياساته من دون الاقتراب من الالتزام باعادة بناء الدولة بعد تفكيك القديمة على أسس تعددية جديدة وهو أمر جوهري في مسألة الثورات المندلعة بالمنطقة وجاءت ولادته – قيصرية – واقصائية في الوقت ذاته مستبعدة تيارات وشخصيات عديدة من الصف الوطني بالاضافة الى هزالة وانعدام التمثيل الكردي المناسب لأسباب سياسية مرسومة بين الاسلاميين والقومويين وأثار ظهوره بالشكل والمضمون اللذين تم فيهما ( وقد كتب عن ذلك بصورة واسعة ولانريد تكرار المآخذ والملاحظات ) جدلا واسعا بشأن مدى شرعيته أو تمثيله الوحداني للسوريين خاصة وأنه اقترن منذ مقدمات نشأته بجماعات الاسلام السياسي المستقوية بالحزب الاسلامي الحاكم في تركيا كهدية للنظام السوري تنفع ادارته للصراع لم يكن يحلم بها مما أدى ذلك الى وصمه باللون الواحد رغم كل الترقيعات وكما أرى فان هذا الاطار بلونه ومضمونه لن يكون فاعلا في مواجهة النظام حتى لو أراد اضافة المئات من الأسماء في الخارج والداخل التي وحتى لو كان أصحابها مناضلون وصادقون فلن يغير من الأمر شيئا لأنه كما يقول المثل – سبق السيف العزل – ووجد السكين مكانه في الجسد – والعلاج الوحيد لكي يتم تصحيح الوضع فعلا وليس قولا هو حل المجلس واعادة بنائه من جديد في الزمان والمكان المناسبين وبوجه وطني ديموقراطي وليس أصولي مذهبي وبموقف سياسي حاسم وجامع تجاه اسقاط النظام وبحسب التوافق بين مختلف المكونات والتيارات ومن الداخل على وجه الخصوص ولاأعتقد أنه من السهولة بمكان اذا لم يكن مستحيلا تحقيق ذلك .
يقابل هذا المجلس في الضفة الأخرى ” هيئة التنسيق ” ومجاميع أخرى منها من مخلفات – سميراميس – وبعضها من مصنوعات – جبهة النظام – وأخرى من تقديمات الأجهزة الأمنية جميع هذه المسميات تجمع على توجه مشترك استراتيجي وتكتيكي وهو رفض شعار اسقاط النظام بل الحوار برعاية رأس النظام واجراء بعض الاصلاحات الشكلية من دون المساس بأسس منظومة الدولة الاستبدادية كما أنها تختبىء وراء مقولة رفض التدخل الخارجي وهي تؤسس عمليا في راهنية الحالة السورية لامعان السلطات الحاكمة بالاستمرار في قتل السوريين بالجملة والمفرق الى مالانهاية وقدكان وفدها الى لقاء أمين عام الجامعة حاملا لمطلب عدم تجميد عضوية النظام كموقف مناقض للثورة ولغالبية السوريين مما جلب غضب الناشطين المعتصمين هناك .
كرديا وكماهو معلوم وقفت المجاميع الشبابية في مختلف مناطق التواجد الكردي وباحتضان شعبي ملحوظ مع الحراك الثوري السوري منذ البداية ايمانا منها بحتمية التغيير واعادة بناء الدولة التعددية العادلة وبأن الطريق الى حل القضية الكردية يمر عبر اسقاط نظام الاستبداد الشوفيني وتحقيق البديل الوطني الحر حسب ارادة السوريين وقد كانت ومازالت معاناة الشباب الكرد ومن معهم من الناشطين مزدوجة من تحديات السلطات القمعية الغادرة التي قررت اغتيال زينة الشهداء مشعل تمو أبو فارس واعتقال وملاحقة المئات منهم من جهة ومن ضغوط الأحزاب الكردية من الجهة الأخرى التي اتخذت موقف اللامبالاة أولا ثم الحيادية السلبية ثم محاولة مصادرة قرار الشباب واستعادة مكانتها الدعائية الاعلامية التي شعرت بفقدانها بسبب موقفها الخاطىء من موضوعتي التغيير والثورة وفي حين التحق أحد تلك الأحزاب وهو الاتحاد الديموقراطي الذي يفخر بكونه امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي على الساحة السورية بمشروع النظام وتحول بقدرة قادر من العمل السري وظروف الاعتقال والملاحقة الى وضع أكثر حرية من أحزاب جبهة النظام وانخرط أيضا ” بهيئة التنسيق ” وكان رئيسه في عداد وفدها الى الجامعة العربية أما مثيلاته من الأحزاب الكردية الأخرى فقد تداعت الى عقد مؤتمر من دونه باسم ” المؤتمر الوطني الكردي ” الذي كان بمثابة تصالح بين قيادات الأحزاب وتوسيع اصطفافاتها السابقة بمعزل عن مشاركة الجسم الشعبي الكردي الأوسع من تنسيقيات شباب الثورة والمستقلين والمثقفين ونحو ستة أحزاب ورغم أنني أرى من الطبيعي أن تتقارب الأحزاب الى درجة التوحد لاعادة مافقدته وكان بالامكان انعكاس ذلك ايجابيا على الساحة لو كانت تحمل تصورا سليما حول القضية السورية والثورة والنظام والقضية الكردية ولكن العكس يصح في الحالة هذه وكانت من نتائجه المباشرة تعميق الانقسام في الساحة الكردية بدل تضييقها والاخفاق في لم الشمل خاصة وأن مقررات مؤتمر الأحزاب تكتنفها الغموض والتناقضات الى جانب التهرب من الالتزام بشعار اسقاط النظام واتخاذ خيار الحوار كما هو موقف ” هيئة التنسيق ” وأخواتها ولن تشفعها تظاهرتها الدعائية الحزبية المشوبة بالتحدي الأربعاء المنصرم بالقامشلي الموجهة الى شباب الثورة وحلفائهم وليس الى النظام مباشرة ومقياسنا في مانزعم هو مدى استمرارية الأحزاب في التظاهرات يوميا واسبوعيا وبزخم يوم الأربعاء وبشعارات التغيير والاسقاط والحقوق الى جانب الثورة السورية .
ولابد هنا أمام الجدل الدائر حول العدد التقريبي لمشاركي تظاهرة الأربعاء بين الرقم الحزبي – أكثر من ثلاثين ألف ورقم المواقع الكردية أقل من عشرين ألف – ورقمي الذي أمنحه هبة وهو خمسون ألف طالبا من القارىء الكريم احتساب النسبة المئوية المشاركة لمجمل سكان محافظة الحسكة البالغين بحسب الاحصاء الرسمي نحو مليون ونصف المليون مضافا اليهم المحرومون من الجنسية أكثر من 300 ألف لأن الأحزاب التسعة عملت بجميع امكانياتها جلب المواطنين رجالا ونساء وأطفالا بواسطة المركبات المجانية من جميع مدن وبلدات وريف المحافظة وبنتيجة الاحتساب وتقسيم الرقم على تسعة يمكن فهم مدى شعبية ونفوذ وتواجد الأحزاب بين الوسط الشعبي وفي الساحة الكردية عموما ونحن على ثقة سيأتي الوقت الذي يضطر فيه الجميع وبينهم الأحزاب على اعادة النظر في برامجها وسلوكها ليس كما حصل اعتباطا في المؤتمر الأخير أو تصنعا في تظاهرة الأربعاء .
ليس هناك من قوة بمقدورها وقف موجة التطور أو اسكات صوت الشباب التواقين الى الحرية والماضين في ممارسة حقهم الطبيعي في رفض كل أنواع الوصايات السلطوية والحزبية والاجتماعية والثورة ضد كافة أشكال الاستغلال ومن أجل الحرية والكرامة والتغيير وانتزاع الحقوق القومية .