هل «المعارضة» السورية تحتاج الى جبهة انقاذ

صلاح بدرالدين

  تابع السورييون على هامش ترقب ماسيصدر من جامعة الدول العربية من مواقف تجاه ضرب النظام لمبادرتها عرض الحائط منذ الساعات الأولى ماحصل البارحة أمام مقرها الرسمي بالقاهرة من رشق الناشطين السوريين عددا من رموز ” هيئة التنسيق ” الذين حضروا للقاء الأمين العام بالبيض الفاسد والذين يعتصمون أمام الباب الرئيسي للمقر منذ أكثر من عشرين يوما كتعبير عن الغضب لتلكؤ الجامعة وتقصيرها تجاه الشعب السوري وثورته وترددها في ادانة نظام دمشق الذي لايتورع عن قتل المتظاهرين المسالمين يوميا وعلى مدار الساعة وقد شكل مادار في القاهرة من دخول” للسلاح البيضاوي ” في حلبة الصراع السياسي بين المختلفين محورا رئيسيا في وسائل الاعلام ومناسبة دفع الكثيرين من الحريصين على نقاوة حركة المعارضة الوطنية وتعزيز صفوفها وتطوير وسائلها الكفاحية بطرح العديد من التساؤلات الوجيهة من قبيل : من هي المعارضة الحقيقية ؟
 وماهو مقياس التميز بين المعارضة الشرعية والمدجنة ؟ وكيف السبيل لاعادة بناء معارضة وطنية ديموقراطية موحدة تمتاز بالشرعية الوطنية والشعبية ببرنامج شامل حاسم تعكس ارادة السوريين وتعبر قولا وعملا عن طموحات الثورة وأهدافها وترتقي الى مصاف التحولات الجارية في الداخل السوري بعد ثمانية أشهر من التضحيات والضحايا وماتتطلب من تطوير في وسائل المواجهة مع نظام القتل والتدمير بعد ما يعانيه من عزلة شعبية واقليمية ودولية ومن انشقاقات في صفوف الجيش ومن هروب لموالين خاصة من قطاع دعاماته الاقتصادية ومن قرب تحول حمص البطلة وأخواتها من المدن الثائرة الأخرى الى بؤر ثورية صامدة في الطريق الى امكانية التحول الى مناطق محررة قبل أن يبادر المجتمع الدولي الى تعزيزها بالغطاء المطلوب واعتبارها مناطق آمنة محرمة محظورة على النظام من الدخول اليها أو التحليق فوقها أو تهديدها .

  بالرغم من أن ” المجلس الوطني ” الذي أعلن من استانبول يتشكل من أطراف وتيارات عديدة في الفضاء السوري المعارض الا أن سقفه الاصلاحي لايتعدى تغيير شخوص النظام وبعض سياساته من دون الاقتراب من الالتزام باعادة بناء الدولة بعد تفكيك القديمة على أسس تعددية جديدة وهو أمر جوهري في مسألة الثورات المندلعة بالمنطقة وجاءت ولادته – قيصرية – واقصائية في الوقت ذاته مستبعدة تيارات وشخصيات عديدة من الصف الوطني بالاضافة الى هزالة وانعدام التمثيل الكردي المناسب لأسباب سياسية مرسومة بين الاسلاميين والقومويين وأثار ظهوره بالشكل والمضمون اللذين تم فيهما ( وقد كتب عن ذلك بصورة واسعة ولانريد تكرار المآخذ والملاحظات ) جدلا واسعا بشأن مدى شرعيته أو تمثيله الوحداني للسوريين خاصة وأنه اقترن منذ مقدمات نشأته بجماعات الاسلام السياسي المستقوية بالحزب الاسلامي الحاكم في تركيا كهدية للنظام السوري تنفع ادارته للصراع لم يكن يحلم بها مما أدى ذلك الى وصمه باللون الواحد رغم كل الترقيعات وكما أرى فان هذا الاطار بلونه ومضمونه لن يكون فاعلا في مواجهة النظام حتى لو أراد اضافة المئات من الأسماء في الخارج والداخل التي وحتى لو كان أصحابها مناضلون وصادقون فلن يغير من الأمر شيئا لأنه كما يقول المثل – سبق السيف العزل – ووجد السكين مكانه في الجسد – والعلاج الوحيد لكي يتم تصحيح الوضع فعلا وليس قولا هو حل المجلس واعادة بنائه من جديد في الزمان والمكان المناسبين وبوجه وطني ديموقراطي وليس أصولي مذهبي وبموقف سياسي حاسم وجامع تجاه اسقاط النظام وبحسب التوافق بين مختلف المكونات والتيارات ومن الداخل على وجه الخصوص ولاأعتقد أنه من السهولة بمكان اذا لم يكن مستحيلا تحقيق ذلك .


  يقابل هذا المجلس في الضفة الأخرى ” هيئة التنسيق ” ومجاميع أخرى منها من مخلفات – سميراميس – وبعضها من مصنوعات – جبهة النظام – وأخرى من تقديمات الأجهزة الأمنية جميع هذه المسميات تجمع على توجه مشترك استراتيجي وتكتيكي وهو رفض شعار اسقاط النظام بل الحوار برعاية رأس النظام واجراء بعض الاصلاحات الشكلية من دون المساس بأسس منظومة الدولة الاستبدادية كما أنها تختبىء وراء مقولة رفض التدخل الخارجي وهي تؤسس عمليا في راهنية الحالة السورية لامعان السلطات الحاكمة بالاستمرار في قتل السوريين بالجملة والمفرق الى مالانهاية وقدكان وفدها الى لقاء أمين عام الجامعة حاملا لمطلب عدم تجميد عضوية النظام كموقف مناقض للثورة ولغالبية السوريين مما جلب غضب الناشطين المعتصمين هناك .
  كرديا وكماهو معلوم وقفت المجاميع الشبابية في مختلف مناطق التواجد الكردي وباحتضان شعبي ملحوظ مع الحراك الثوري السوري منذ البداية ايمانا منها بحتمية التغيير واعادة بناء الدولة التعددية العادلة وبأن الطريق الى حل القضية الكردية يمر عبر اسقاط نظام الاستبداد الشوفيني وتحقيق البديل الوطني الحر حسب ارادة السوريين وقد كانت ومازالت معاناة الشباب الكرد ومن معهم من الناشطين مزدوجة من تحديات السلطات القمعية الغادرة التي قررت اغتيال زينة الشهداء مشعل تمو أبو فارس واعتقال وملاحقة المئات منهم من جهة ومن ضغوط الأحزاب الكردية من الجهة الأخرى التي اتخذت موقف اللامبالاة أولا ثم الحيادية السلبية ثم محاولة مصادرة قرار الشباب واستعادة مكانتها الدعائية الاعلامية التي شعرت بفقدانها بسبب موقفها الخاطىء من موضوعتي التغيير والثورة وفي حين التحق أحد تلك الأحزاب وهو الاتحاد الديموقراطي الذي يفخر بكونه امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي على الساحة السورية بمشروع النظام وتحول بقدرة قادر من العمل السري وظروف الاعتقال والملاحقة الى وضع أكثر حرية من أحزاب جبهة النظام وانخرط أيضا ” بهيئة التنسيق ” وكان رئيسه في عداد وفدها الى الجامعة العربية أما مثيلاته من الأحزاب الكردية الأخرى فقد تداعت الى عقد مؤتمر من دونه باسم ” المؤتمر الوطني الكردي ” الذي كان بمثابة تصالح بين قيادات الأحزاب وتوسيع اصطفافاتها السابقة بمعزل عن مشاركة الجسم الشعبي الكردي الأوسع من تنسيقيات شباب الثورة والمستقلين والمثقفين ونحو ستة أحزاب ورغم أنني أرى من الطبيعي أن تتقارب الأحزاب الى درجة التوحد لاعادة مافقدته وكان بالامكان انعكاس ذلك ايجابيا على الساحة لو كانت تحمل تصورا سليما حول القضية السورية والثورة والنظام والقضية الكردية ولكن العكس يصح في الحالة هذه وكانت من نتائجه المباشرة تعميق الانقسام في الساحة الكردية بدل تضييقها والاخفاق في لم الشمل خاصة وأن مقررات مؤتمر الأحزاب تكتنفها الغموض والتناقضات الى جانب التهرب من الالتزام بشعار اسقاط النظام واتخاذ خيار الحوار كما هو موقف ” هيئة التنسيق ” وأخواتها ولن تشفعها تظاهرتها الدعائية الحزبية المشوبة بالتحدي الأربعاء المنصرم بالقامشلي الموجهة الى شباب الثورة وحلفائهم وليس الى النظام مباشرة ومقياسنا في مانزعم هو مدى استمرارية الأحزاب في التظاهرات يوميا واسبوعيا وبزخم يوم الأربعاء وبشعارات التغيير والاسقاط والحقوق الى جانب الثورة السورية .
    ولابد هنا أمام الجدل الدائر حول العدد التقريبي لمشاركي تظاهرة الأربعاء بين الرقم الحزبي – أكثر من ثلاثين ألف ورقم المواقع الكردية أقل من عشرين ألف – ورقمي الذي أمنحه هبة وهو خمسون ألف طالبا من القارىء الكريم احتساب النسبة المئوية المشاركة لمجمل سكان محافظة الحسكة البالغين بحسب الاحصاء الرسمي نحو مليون ونصف المليون مضافا اليهم المحرومون من الجنسية أكثر من 300 ألف لأن الأحزاب التسعة عملت بجميع امكانياتها جلب المواطنين رجالا ونساء وأطفالا بواسطة المركبات المجانية من جميع مدن وبلدات وريف المحافظة وبنتيجة الاحتساب وتقسيم الرقم على تسعة يمكن فهم مدى شعبية ونفوذ وتواجد الأحزاب بين الوسط الشعبي وفي الساحة الكردية عموما ونحن على ثقة سيأتي الوقت الذي يضطر فيه الجميع وبينهم الأحزاب على اعادة النظر في برامجها وسلوكها ليس كما حصل اعتباطا في المؤتمر الأخير أو تصنعا في تظاهرة الأربعاء .
    ليس هناك من قوة بمقدورها وقف موجة التطور أو اسكات صوت الشباب التواقين الى الحرية والماضين في ممارسة حقهم الطبيعي في رفض كل أنواع الوصايات السلطوية والحزبية والاجتماعية والثورة ضد كافة أشكال الاستغلال ومن أجل الحرية والكرامة والتغيير وانتزاع الحقوق القومية .

  ختاما أقول أليس مايجري على الساحة السورية وفي الصف الوطني المعارض تحديدا ما يستدعي العمل الجاد من أجل ” جبهة انقاذ ” وطنية ديموقراطية قبل فوات الأوان .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد تقود إلى عواقب وخيمة. لاسيما في السياق الكردي، حيث الوطن المجزأ بين: سوريا، العراق، إيران،…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…