الكرد والأنا المتأزمة

دلكش مرعي

 أنا أنا المـازمة أو النرجسية هي حالة نفسية مشتقة من الأسطورة اليونانية القديمة التي كان بطلها // نرسيس // هذا الذي أفتتن وبهر بصورة ذاته على صفحة الماء حتى غرق فيها … وقد تحولت هذه الأنا مع الزمن إلى رمزاً  تشير إلى المعتل الذي يفرط في حب الذات والافتنان به إلى حد الغلو والتورم ..

أما مرادف كلمة الأنا فهي تعرّف كردياً بكلمة // أزّ // أو بالجملة التي تقول // أزّو  نتكس // والحالة القسوة والأكثر ضرراً التي قد تصل إليها الأنا النرجسية هي حالة الأنا المتأله وبوصولها إلى هذا الحد من التورم والتعجرف تزداد معها طرداً حالة الطغيان والشراسة والجبروت والميل نحو الاستيلاء على مساحة // الحيز المكاني// للآخرين وعدم الاعتراف بوجودهم كبشر بل استعبادهم أو قتلهم وتصفيتهم عند حصول أي معارضة وعصيان من قبلهم ضد الظلم والاستبداد كممارسات النظام السوري مع الشعب السوري ومع شباب الثورة السورية .
 وهذه الآفة هي ظاهرة ثقافية أنتجته ثقافات تراثية بدائية قديمة متأصلة في قيم وعقائد شعوب الشرق تمخضت عن العقائد الدينية للحضارات القديمة التي أنتجت آله من البشر كالفراعنة والعديد من الملوك الذين تألهوا كملوك الأموريين والسومريين والعديد من أباطرة الشرق أو الذين جعلوا من أنفسهم من سلالة الآلهة أو غير ذلك من الألقاب المعروفة… وتعود ظاهرة التأله إلى حالة تقليد وتماهي الضعيف بالأقوى منه فالآلهة في الحضارات القديمة كانت هي القوية الجبارة القادرة على فعل كل شيء فقلدها وتماها بها بعض القادة في تلك المرحلة وجعلوا من أنفسهم آلهة أو من سلالتها أو من مرسليها أو غير ذلك … و ظاهرة التقليد أو التماهي بالأقوى هي ظاهرة بشرية كانت شائعة عبر العصور ومازالت تفعل فعلها في عصرنا الراهن فمعظم الشعوب المتخلفة في هذا العصر تقلد الشعوب الأكثر إرتقاءاً وتطورا تقلدها في جميع المظاهر الشكلية السائدة في تلك المجتمعات ولكن هذا التقليد  تبقى كما ذكرنا في معظم الأحيان عبر التغطية بعبائة المظهر الحضاري  وليس الأستفادة من جوهرها المعرفي ففي قرانا الكردية المنكوبة البائسة المنسية من قبل الله والبشر وعلى سبيل المثال تلبّس العروسة في حفلة زفافها فستان تشبه فستان عروسة أمير انكلترا بالرغم من الفروق الحضارية الواسعة بيننا وبين هذه الشعوب …اختصاراً وبالعودة إلى موضوعنا نقول بأن ثقافة التأله مازالت تفعل فعلها في سلوك العديد من مسئولي الأحزاب الكلاسيكية ومعظم مسئولي شعوب المنطقة من الذين مازالوا يلقبون أنفسهم بأصحاب السيادة والجلالة والعظمة والسمو والسكرتير

إضافة إلى ذلك فإن الأنا المتألهة بتراثها المتعفن لا تعترف بما هو خارج كيانها فهي تذوّب وتقيّد انتماء الفرد داخل الكيانات والعصبيات المتنوعة التي تنتمي إلى الإرث الفكري ذاته فهي ثقافة تربوية تنتمي إلى المنهل والجزر التراثي الديني ذاته أي إن الأنا المعتلة كونها هي آفة تنتقل عبر المفاهيم والقناعات التربوية فهي لا تتوقف عند حدود الفرد بل تتعداه كالمرض المعدي لتشمل معظم أفراد العشيرة والقبيلة والطائفة أو الحزب لتصل بعد ذلك إلى القومية وحتى الأمة… وأسوأ ما تمخضت عن هذه الآفة التراثية تاريخياً كانت تفتت وشرذمة الكيان البشري وإهدار القوة الكامنة في نسيج بنيانه وقوة تماسكه فيمكن الجزم بأن هذه الظاهرة بقيمها الثقافية ومفاهيمها السلوكية التراثية المتخلفة هي التي كانت وراء أنتاج حالة الجهل والتخلف ومعظم الحروب المدمرة التي جرت بين الشعوب بالإضافة إلى الاحتراب التي تجري فصولها بين معظم العصبيات الدينية والطائفية والقبلية والحزبية  في عصرنا الراهن … 

والسؤال المطروح بقوة هنا هو ألم ينتج تراث الأنا المعتلة معظم الطغاة والمستبدين من حكام المنطقة ؟ وهل سيتوقف هذا التراث المأزوم عن أنتاج أمثال هؤلاء إلا إذا تعرض هذا التراث إلى تغير جزري وشامل ؟ وهل يختلف ثقافة وقيم القذافي وحسني مبارك وزين العابدين وعلي صالح والأسد وغيرهم من المستبدين هل يختلف قيم وثقافة هؤلاء عن ثقافة معظم مسئولي الأحزاب الكلاسيكية في هذه المنطقة ومن ضمنهم ثقافة العديد من مسئولي الأحزاب الكردية  ؟ ..

أليس التراث الموبوء والمتخلف المذكور آنفاً هو الذي أنتج هؤلاء القتلة والطغاة ؟ ألم ينحدروا من رحم هذا التراث ؟ ….

فإذا لم تكن هذه الوقائع هي الحقيقة فلماذا أحجمت هذه الأحزاب من توضيح موقفها من الثورة السورية مدة ثمانية أشهر لتأتي بعد ذلك وتعلن في المؤتمر عن موقف رمادي لاتتناسب سياسياً مع أهداف الثورة السورية بينما الأحزاب التي اتخذت نهجاً صحيحاً ووقفت مع ثورة الشعب السوري أقصيت عن المؤتمر ولحساسيات شخصية معروفة لدى الجميع هذا ما يجري في هذا الجزء أما بالنسبة لبقية الأجزاء والسؤال المطروح لهم هو لماذا لا تتوحد جميع الأحزاب الكردية في جميع أجزاء كردستان على موقف موحد وتتجاوز حالة الأنا المعتلة وتقوم بتشكيل قيادة مشتركة تضم أعضاء من جميع هذه الأحزاب ومن الفعاليات الثقافية والاجتماعية  لخدمة قضية الشعب الكردي والعمل معاً لوضع حداً للمآسي والظلم التي تعرض لها هذا الشعب عبر عشرات القرون واسترجاع حقوقه المشروعة والمغتصبة في هذه الأجزاء ؟ ولماذا تتحد خمسة وعشرون دولة أوربية من شعوب وأعراق متنوعة  ؟ علما أن الطفل الصغير يدرك بأن وحدة الشعب الكردي مع وحدة مواقف الأحزاب والمثقفين والفعاليات الاجتماعية والشبابية على نهج علمي ديمقراطي هي الضمانة الوحيدة لانتزاع حقوق هذا الشعب … ولذلك نقول إذا كانت الإثباتات والبراهين والوقائع التاريخية والحقائق تؤدي إلى إيذاء شعور بعض المأزومين  فأن المنطق أو الحقيقة وعبر تاريخها لم تكن ملتزمة لتحترم المشاعر المترهلة والمأزومة لهؤلاء فلو كان مشاعر المأزومين تحترم لأحترم جميع العلماء والمفكرين والمثقفين مثل هذا المشاعر البائسة ولأحترم غاليليوا على سبيل المثال مشاعر المسحيين وما رد في الإنجيل ولأحجم عن اكتشافه حول دوران الأرض ولقال بأن الأرض ثابتة وهي مركز الكون وأن جميع الأجرام هي التي تدور في فلكها كما ورد في الإنجيل … إضافة إلى ذلك فأن احترام النهج الخاطئ المتخلف والالتزام به هي كارثة إنسانية بحد ذاتها لأنها لن تنتج سوى التخلف والأزمات … أما الذي يعتقد بأن قول الحقيقة من قبل هذه المجموعة أو تلك هدفها هو التشهير والإساءة إلى مشاعر الآخرين  فهو مخطئ والذي يعتقد بأن الناس سيصمتون إزاء النهج الخاطئ أو السياسات الخاطئة فهو أيضاً واهم ومخطئ … ولكن مع كل هذا وذاك ومن المفرح قوله : هنا بأن الجيل الشاب بإحساسه المرهف ونتيجة لوسائل الإعلام المتطورة وضخها الهائل للمعارف المختلفة والثقافات المعاصرة والاحتكاك المباشر والتواصل عما يجري في الدول المتطورة وفي العالم قد استوعبوا هذه الحقائق وبدئوا يؤسسون لثقافة إنسانية ونهج ديمقراطي يحفظ كرامتهم وحريتهم وحقوقهم كبشر ..

.

// فشعار آزادي الذي صدح لأول مرة في سماء سوريا و وشعار الشعب السوري واحد ولا سلفية ولا أخوان ولا للطائفية // كلها شعارات تدل على النضج والوعي والإدراك الراقي لهؤلاء الشباب لكننا نقول في الوقت ذاته بأن المهمة لن تكون مفروشة بالورود والياسمين أمام هؤلاء الشباب بل ستكون الخطوة الصحيحة الأولى نحو الألف ميل لأن الجيل السياسي الهرم ببنائه الفكري المتأزم والمترهل سيحاول قطف ثمار ثورة هؤلاء الشباب وما قدموه من دماء ذكية وتضحيات عبر شتى وسائل هذه الأحزاب ومؤمراتهم الملتوية المعروفة … فبعدما أحدث الأحزاب التسعة عبر مؤتمرهم انقساماً وشرخاً واسعا في الصف الكردي داخل سوريا كعادتهم ونهجهم المعروف في الانقسام والتشظي الذي اتبعوه خلال نصف قرن وبعدما أمنوا المراكز القيادية لأنفسهم في هذا (المؤتمر) بدئوا يقولون بأن أبوابنا مفتوحة ومشرعة للجميع أي أنهم يدعون الفعاليات الشبابية الفاعلة والقوى والأحزاب التي تم إقصائها من (المؤتمر) أن تأتي لتبايعهم وتقبّل أياديهم كأنهم أصبحوا بعد هذا (المؤتمر) خلفاء وسلاطين العصور المنصرمة ! كلمة أخيرة نقول بأن ربيع المنطقة بدأ يزهر مع ثورات الشباب ولم يعد هناك من مجال أمام الأحزاب الكلاسيكية التي أثبت العقود الماضية فشل نهجها السياسي فإمّا أن تختار الشباب وتقف مع ثورتهم أو تختار الاستبداد وترحل مع رحيلها .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…