الثورة السورية وكوابح ما يسمى (معارضة الداخل)

  دلشاد ديركي

إن الموقف الضبابي وغير الواضح وغير الحازم من الحراك الثوري السوري الذي تعلن عنه ما يسمى (معارضة الداخل), وكذلك المهادنة المستمرة مع السلطة ليست وليدة الثورة السورية الراهنة إنما لها جذور تاريخية عميقة, فمنذ ضم سورية إلى مصر في عام (1958), وتعيين الجنرال (عبدالحكيم عامر) حاكماً عسكرياً على سوريا، حيث قام الأخير بحل كافة المؤسسات الديمقراطية الشعبية التي بناها الشعب السوري على مدى أربع سنوات بعد الإحاطة بالدكتاتور أديب الشيشكلي، وكذلك أمر بحل جميع الأحزاب، وأمتلئت السجون والمعتقلات لمن لم يرضخ للأمر الواقع،
 ومنذ ذلك الوقت بدأت الجزمة العسكرية تفرض نفسها من جديد على حياة الشعب السوري وبدأت بتفتيت قواها السياسية, وتعزز ذلك بعد إستلاء حزب (البعث) على السلطة في انقلاب عام (1963) الذي كان جزءاً من مؤامرة (الوحدة) مع مصر, وهكذا استمر الانقلابيون الجدد بعسكرة الحياة المدنية والسيطرة الكاملة على مقدرات الدولة الإقتصادية وتسخيرها لتثبيت حكمهم .

وكذلك نجح حافظ الأسد بعد إنقلابه في عام 1970 وبعده وريثه (بشار) وخلال أربعين عاماً من القضاء التام على الحياة السياسية في البلاد, وتحويلها إلى دولة أمنية ومزرعة لآل الأسد , فقد استطاع تفتيت كافة الأحزاب والقوى السياسية وتفريغها من محتواها خلال فترة حكمه سواءً بالترغيب أو بالترهيب , فبعض القيادات الإنتهازية رضيت لنفسها أن تنضوي تحت لواء ما سميت بـ(الجبهة الوطنية التقدمية) , وترضخ لإمتيازاتها المادية, حيث كانت الضربة القاصمة لأحد الأحزاب السياسية الجماهيرية نسبياً , وهو(الحزب الشيوعي السوري ) الذي انصاع بضغط من الإتحاد السوفيتي آنذاك , وهناك من لم يرضى بذلك  , فكان مصيرهم إما القتل أو الاعتقال أو الهروب إلى  خارج  البلاد .
أما الجزء المتبقي من المعارضة فقد تم إقصائها و إخصائها تماماً (خلا أربعين عاماً من حكم الأسد) , ووضعت لها خطوط حمراء وللأسف الشديد التزمت بها، وهنا نستطيع أن نشير إلى أن هذه الفئة تشكل الجزء الأكبر من ما يسمى (معارضة الداخل ), والتي فقدت قاعدتها الشعبية بشكل كامل ونهائي في الفترة الماضية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلح ما يسمى (معارضة الداخل) تشمل كل من (هيئة التنسيق الوطنية) , و(المجلس الوطني الكوردي), وآخرين.
فبالنسبة إلى (هيئة التنسيق الوطنية)  التي تضم شخصيات وطنية معروفة, و لها تاريخ سياسي , والتي عانت ما عانت , ورغم اعترافهم بما تقترفه آلة الحرب الأسدية بحق الشعب السوري الأعزل , فإن مواقفهم الضبابية وتصريحاتهم الإعلامية المشوشة, واستغلال السلطة السورية لهذه المواقف, أمسوا يشكلون كوابح حقيقية أمام عجلة الثورة الشورية الظافرة السائرة – لامحالة- إلى النصر, كما عبر الثوار عن قلقهم  من مواقفهم الانهزامية.
 وتضم (الهيئة) أيضاً بعض الأحزاب الكوردية , ولعل أبرزها حزب الإتحاد الديمقراطي (PYD) المتناقض في مواقفه من الثورة السورية , والحراك الشعبي , فهذا رئيس الحزب (صالح مسلم محمد) في حواره الأخير مع (كوردووتش) ورغم مشاركته في (هيئة التنسيق الوطنية) التي تدعو إلى التغيير, يؤكد أنه لا الحكومة الحالية ولا القادمة ستمنح الكورد حقوقهم , وفي نفس المقابلة يدعو الكورد إلى عدم التظاهر , وأن الإضطرابات ( والكلام مازال للسيد صالح) في المناطق الكوردية يحركها عملاء الحكومة التركية و (الحرب الخاصة ) حسب تعبيره.
أما (المجلس الوطني الكوردي) الذي تشكل مؤخراً من معظم الأحزاب الكوردية الكلاسيكية التي خرجت من رحم حزب واحد على مدى خمسين عاماً , فهذه الأحزاب التي لا تملك رؤية سياسية واضحة من الحراك الثوري كما أن بنائها التتظيمي قديم , وكلاسيكي وعائلي , وغير ديمقراطي , وبعض قادتها مثلها مثل الحكام العرب مضى على بعضهم أكثر من أربعين عاماً في رئاسة الحزب, قد خرجت مؤخراً في مظاهرة استعراضية غير احتجاجية , كما أن هؤلاء قد يتفقون في شكل من الأشكال مع  حزب الإتحاد الديمقراطي (PYD) بتجنيب الشارع الكوردي مما يحصل من حراك ثوري في سوريا.
 وهكذا نستطيع أن نستنتج من كل ما أسلفناه أن ما يسمى بـ(معارضة الداخل) سواءً العربية أو الكوردية لا تملك من الشعبية ما يخولها أن تتحدث باسم الشعب السوري , وأن تشوش على الحراك الثوري الذي تقوده تنسيقيات الثورة السورية على الأرض بمختلف انتمائاتها السياسية, والتي تعمل من أجل إسقاط الطغمة الحاكمة فلها الكلمة الأولى والأخيرة.
وأخيراً أدعو جميع الشخصيات المعارضة في (هيئة التنسيق الوطنية) , والأخوة في (المجلس الوطني الكوردي) إلى أن تحسم أمرها وتشارك في الحراك الثوري ، وأن يقتنعوا أن أي حوار لن يفيد مع هذا النظام , ولن يكلفنا سوى المزيد من الشهداء, فقد جربنا هذه العصابة الحاكمة على مدى أربعين عاماً , وكما يقول المثل الشعبي (اللي يجرب المجرب عقلو مخرب)  .
*كتبت هذه المقالة خصيصاً لنشرة (آزادي)  
الناطقة بإسم (اتحاد تنسيقيات شباب الكورد في سوريا)

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية ومع مناصري ثقافة التسامح واحترام حقوق الانسان ومع أنصار السلم والحرية، نقف مع السوريين ضد الانتهاكات الجسيمة والاعتداءات الصريحة والمستترة على حقوق الانسان الفردية والجماعية، وسياسات التمييز ضد المرأة والطفل، وضد الأقليات، وضد الحرب وضد العنف والتعصب وثقافة الغاء الاخر وتهميشه، وتدمير المختلف، والقيام بكل ما…

نحن، المنظمات الحقوقية الكردية في سوريا، نهنئ الشعب السوري، بجميع مكوناته وأطيافه، على إسقاط نظام الاستبداد، إذ تمثل هذه الخطوة التاريخية ثمرة نضال طويل وتكاتف الشعب السوري ضد آلة القمع، وهي بلا شك نقطة انطلاق نحو بناء سوريا المنشودة. إن سوريا الجديدة، بعد إسقاط النظام البائد، تدخل مرحلة حاسمة، وهي مرحلة البناء والسلام والصفح. لذا، ينبغي أن تسود فيها العدالة…

خليل مصطفى بتاريخ 22/2/1958 (شهر شباط) تم التوقيع على اتفاقية الوحدة (بين مصر وسوريا)، حينها تنازل رئيس الجمهورية السُّورية شكري القوتلي عن الرئاسة (حكم سوريا) للرئيس المصري جمال عبد الناصر (طوعاً)، وقال لـ (جمال عبدالناصر): (مبروك عليك السُّوريون، يعتقد كل واحد منهُم نفسهُ سياسياً، وواحد من اثنين يعتبر نفسهُ قائداً وطنياً، وواحد من أربعة يعتقد بأنهُ نبي، وواحد من عشرة…