الشعب الكوردي في سوريا وحتمية الثورة !!

شفكر

أوجد الربيع العربي الذي ما زال يتوسع ويزدهر حقبة جديدة ذات سمات وأثار عميقة مرحلية وبعيدة المدى , شملت كل شيء في عموم المنطقة , بدأت بانهيار بعض أعتى الانظمة ومست او هددت انظمة اخرى , يتوقع ان تتداعى وتتساقط تدريجا , ووضعت الجميع أمام خيارين لا ثالث لهما , فإما أن تغير , أو تتغير .

ولا يغيب عن نظر المراقبين أن هذه القاعدة مست الاحزاب والاديولوجيات والعقائد السياسية ايضا باعتبارها بنى فوقية حالها كحال الانظمة العربية .

وبالطبع تقع الاحزاب الكوردية السورية في دائرة الحدث , ومركز المعنى المقصود , فهي محكومة بمصير النظام السوري , إذا ظلت على موقفها المهادن أو الموالي له , وهي مطالبة بأن تنخرط في الثورة وأن تتغير جذريا إذا ارادت لنفسها البقاء , وبعض هذه الاحزاب العجوز والعاجزة مهدد بالمصير المحتوم قبل النظام نفسه لا بعده , تبعا للتغير الذي حصل في المجتمع الكوردي وفي قواه المؤثرة , وخاصة بروز جيل الشباب كقوة دافعة كبرى وحاسمة .

ومن البدهي القول إن هذه الفئة الاجتماعية القوية لم تظهر فجأة ولم تأت بالمواقف التي تبنتها مؤخرا من فراغ , بل تبلورت وتطورت عبر فترات زمنية سابقة , وكانت رياح الربيع العربي بمثابة المناسبة التي ساعدت على ظهورها الى الواقع حاملة معها أفكارا وأساليب نضالية جديدة , أسقطت حقبة كاملة سابقة ساد فيها الجبن والخوف , وتمييع الحقوق القومية للشعب الكوردي .

لذلك فإن هدير الشارع الكوردي اليوم المطالب بإسقاط النظام , يتضمن ايضا وبلا شك المطالبة بإسقاط بعض من الاحزاب المرتبطة به والدائرة في فلكه اديولوجيا وسياسيا , وهي تناضل بالاتساق والتفاعل الثوري الحي مع قوى اجتماعية عربية موازية لها ايضا , من اجل الوصول الى حل عادل للحقوق القومية الكوردية على قاعدة حق تقرير المصير وإقامة نظام فيدرالي بين الشعبين والقوميتين يكفله الدستور الجديد لسوريا الديمقراطية .

خمسة عقود مرت من عمر شعبنا السوري , والاحزاب الكوردية تراوح مكانها لم تحقق شيئا يذكر , بل فشلت في الحصول على أي من الحقوق الرئيسية التي تمثل مطالب تاريخية ثابتة لشعبنا , أي الاعتراف الدستوري بالكورد كمكون قومي أساسي ويعيش على أرضه التاريخية الأصلية في سورية , وبالاعتراف بحقه في الحصول على حكم ذاتي داخل سوريا على أرضه , التي تعتبر من الناحيتين الجغرافية والتاريخية كوردستان الغربية .

بل إن هذه الاحزاب على كثرتها لم تنجح حتى في خلق إطار سياسي جامع وموحد لكل الشعب الكوردي , وأن القائمين على هذه الأحزاب الكلاسيكية المؤتلفة في هيكل شاذ جمعتهم نزعة البقاء في بيئة صحية باتت لا تقبل أي شاذ حيث أن ما فعلوه من إعداد التربة لأزمات كارثية طيلة تاريخها وما صنعوه من تشتت وتشرذم ومحاربة لفكر المثقف الكوردي الذي لم تستوعبه هذه الهياكل الكلاسيكية والذي وقف حائرا أمام قادة تزوجوا الكرسي زواجا كاثوليكيا واحتكروا الفكر والثقافة والسياسة والعلم والمعرفة والتنبؤ بالمستقبل وقراءة الكف ومعرفة ما في الطبيعة وما وراءها.

في سوريا , لقد اكتفت الاحزاب طوال الخمسين سنة الاخيرة بجني المكاسب التافهة من مائدة النظام البعثي الاسبتدادي لصالح مجموعات قليلة من انصار هذه الاحزاب وقادتها وهي مكاسب مادية ومالية لا قيمة لها بالنسبة للشعب الكوردي ككل , كما انشغلت الاحزاب بالصراعات المستمرة للحفاظ على مكاسبها مما ادى لانشقاقات متتالية في صفوفها وقياداتها , وبهروب بعضها من مواجهة الواقع الوطني الكوردي في سوريا إلى البحث عن الدعم الخارجي بحكم تحالفاتهم الكوردستانية مقابل الولاء لهذه الزعامة او تلك , ولم ترقى هذه الأحزاب لأكثر من أحزاب بمستوى الجمعيات الثقافية ـ او الاجتماعية  وكانت ولا تزال بقيادة أبناء الأغوات وأصحاب الأملاك , الذين كانت مصالحهم آمنة من قبل النظام , لهذا الشيء كان ولازال هؤلاء في خوف من طرح اي مطلب سياسي , وكل من يعارض في حزبه ويختلف مع سكرتير حزبه اويطرح افكار تدل على المطالبة بالحقوق القومية , يفصل من الحزب او تؤخذ بحقه اجراءات تعسفية من فصل وطرد , ويتهم بالمشاغب اوالمتمرد لأنه  خرج من السرب المعتدل الموالي مع النظام .

لقد تعرضت هذه الاحزاب لامتحان جدي وقوي أظهر كل سيئاتها وسوءاتها وعجزها وخضوعها المخجل للنظام وتناقضها العميق مع تطلعات الشعب الكوردي إلى درجة التناقض الكامل , تمثل الامتحان بالانتفاضة الشعبية الكبيرة التي فجرها الشباب الكوردي الجديد الناقم على الاحزاب والنظام معا , ذلك ان هذه الاحزاب فشلت في استثمار انتفاضة 2004 , ولم تتفاعل معها ايجابيا , ولم تتعلم من تجربة الشعب الكوردي الشقيق في كوردستان العراق الذي استطاع عام 1991 من تفجير انتفاضته الباسلة ثم استطاع ان يستثمرها سياسيا ودوليا مما أدى بفضل اهلية وكفاءة القيادة الكوردية في العراق الى نشوء اقليم كوردستان الذي يتمتع بمقومات الهوية القومية كاملة وباعتراف محلي ودولي.

ان يمكن لها في سوريا ان تحذو حذو اخوتنا في العراق بفضل انتفاضة 2004 العظيمة , لكن لا احزابنا ولا قياداتنا مؤهلة ,لأنها انشغلت بالانشقاقات والولاءات للأحزاء الكوردستانية الأخرى على حساب قضيتهم المركزية في غربي كوردستان, فهي لا تملك القرار والاستقلالية وبقيت في التبعية المغمضة , ومازالت قاصرة وعاجزة , وافتضح عجزها بفضل ثورة الشباب الجديد الرافض لهذا الواقع .

بعد سبعة سنوات من تلك الانتفاضة الشجاعة التي فجرها الاكراد واقتصرت انذاك عليهم , ها هي الانتفاضة بل الثورة الشاملة تجتاح سوريا من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال والشرق والغرب , وتجتذب جميع الفئات والمكونات القومية والمذهبية والاجتماعية , وهي تطور وضعنا مرة اخرى امام استحقاقات وتحديات غير مسبوقة , لا بد ان نستثمرها بجدارة واهلية .

فما هو دورنا وموقفنا منها ؟؟

 أبدأ من التذكير اولا ان النظام السوري المستبد قد حكمنا بسياسة فرق تسد طوال نصف قرن ونجح في حفر خنادق عميقة بين مكونات الشعب السوري , وأشاع مناخا سلبيا عن الطموحات الكوردية القومية المشروعة باتهامهم بالعمل على تقسيم سوريا و خلق قاعدة موالية لاسرائيل في هذه المنطقة , ولذلك كان ثمة توتر مكتوم دائما بين الكورد والعرب في سوريا استفاد منه النظام كثيرا , ولذلك يتعين علينا الان ان نحرص على تبديد هذه الشائعات المغرضة وتوضيح الرؤية الكوردية , والتأكيد على ما يجمع ويوحد الشعبين , وتعزيز العلاقات التاريخية الاخوية المشتركة , والكفاح المشترك في الثورة لاسقاط النظام تمتينا للاخوة الثنائية ولا بد ان نواجه الواقع بكل ما فيه وان نعمل بلا كلل لتغيير الواقع ايجابيا وديمقراطيا من خلال علاقات تفاعلية حية وقوية بين العرب والكورد .

ولا بد ان نعلم انه لا بديل عن هذا الخيار مهما كانت العقبات والعثرات بما في ذلك معرفتنا سلفا ان هناك حتى بين قوى المعارضة من لا يزال يحمل وجهات نظر متخلفة او معادية للاكراد وحقوقهم , وبعض هؤلاء احزاب كبيرة او شخصيات لها وزن , ولكن لا بد من الاعتراف ايضا بأن هناك كثيرين من اخوتنا العرب ايضا من يتفهم ويدعم مطالبنا وحقوقنا بلا تحفظ .

وعلينا ان نعمل مع الجميع بالنضال والتفاعل لاقامة وطن جديد في سوريا يحصل الجميع على حقوقه افرادا وقوميات بلا تمييز.

هذا قدرنا وينبغي ان نقبل به ونتحمل مسؤولياتنا , ونناضل لنقل الحلم إلى واقع مادي وتشريعي وسياسي متحضر وديمقراطي , وهو امر لا يبدو مستحيلا بل يبدو قريب المنال بفضل نضال شعبنا وقواه الثورية في هذه الثورة المباركة .

شفكر

7.11.2011

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…