قراءة لرسالة الرئيس مسعود بارزاني «للمؤتمر الوطني»

صلاح بدرالدين

   رسائل التهنئة المتبادلة بالمناسبات الحزبية والقومية أمر طبيعي وهذه ليست المرة الأولى التي يبعث فيها السيد رئيس الاقليم تهنئة بمناسبة عقد ” المؤتمر الوطني الكردي ” بل سبقتها مئات الى الأحزاب والجبهات والتحالفات منها منذ عقود وحتى الآن كدليل على التواصل بين الأشقاء .

من الواضح والموضوعي تباين المواقف والسياسات التكتيكية وأحيانا تضارب المصالح الجزئية الوقتية ليس بين القوى السياسية في الأجزاء الأربعة من كردستان بل ضمن صفوف أطراف الجزء الواحد وحتى ضمن تنظيمات الحزب الواحد والمهم أن تبقى تلك التباينات في اطارها السياسي وفي نطاق الحوار السلمي الحضاري وعلى قاعدة النقاش واحترام الرأي الآخر
 وليس خافيا مثلا ظهور تباينات الى درجة الاختلاف بعض الأحيان بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في اقليم كردستان أو وجود اختلاف الى حد التناقض بين مواقف الحزبين من جهة ومواقف حزب العمال الكردستاني من الجهة الأخرى أو ظهور تمايز في الرؤا بين الأطراف الثلاثة من جهة وبصورة متفاوتة وبين رؤا الحركة الكردية السورية التي لاتقتصر على أحزاب المؤتمر من الجهة الأخرى بخصوص الثورة السورية والحراك الانتفاضي الكردي ونظام الأسد ومستقبل سوريا فالمواقف غير متطابقة والمصالح الضيقة تؤثر على الموقف الاستراتيجي في معظم الأحيان ولكن بالامكان ايجاد نوع من التوازن بالمواقف ومراعاة مصالح الأطراف وخاصة الطرف الكردي السوري بقيادة تنسيقيات الشباب المنتفض الأحوج الى التضامن والدعم في المرحلة الدقيقة هذه.

بسبب غياب المركز القومي الكردستاني الجامع والمنظم لحركة التحرر الوطني الكردية في البلدان الأربعة التي يتوزع فيها الكرد ولأن الحركة الكردية بالمرحلة الراهنة في كل بلد تشكل جزءا من الحركة الوطنية والديموقراطية فيه وتعمل على حل قضيتها عبر الحوار والنضال المشترك والالتزام بالمصالح الوطنية فاقليم كردستان العراق كجزء من جمهورية العراق يراعي التزاماته السياسية مع المركز الاتحادي بحسب الدستور ويتخذ مواقف الدولة الاتحادية من الجوار والعالم وكذلك هو الحال مع باقي القوى والجماعات السياسية في الأجزاء الأخرى أي أن العامل الوطني يطغي الآن على العامل القومي والحل الوطني الديموقراطي هو السبيل لانجاز الحقوق الكردية ورسالة السيد بارزاني لم تغفل هذا الجانب بل شدد عليه في أكثر من مكان .
اعتبارا من ثورة أيلول عام 1961 في كردستان العراق كان الزعيم الخالد مصطفى البارزاني بمثابة المرجعية القومية لأنه كان يتعامل في كل حياته مع الشأن القومي بنظرة ثورية جامعة ومن منطلقات كردستانية وكان يرى أن من أولى مهامه اعادة الاعتبار للأمة الكردية المنسية وتحقيق الحد الأدنى من وحدة الحركة القومية أو التنسيق بين أطرافها وجاء انعقاد ” المؤتمر القومي التوحيدي الكردي السوري  ” في – ناوبردان – عام 1970 تجسيدا لتلك الرؤية أما الآن وبعد انتقال شعب كردستان العراق من مرحلة الثورة الى مرحلة الكيان الدولتي فان الأولويات تبدلت والمفهوم القومي تغير وبات الحفاظ على المكسب الفدرالي وتطويره على رأس الأولويات وهو تطور موضوعي في الموقف وانني كسياسي قومي ووطني ديموقراطي أرى أن الحفاظ على مكاسب الاقليم أمر مشروع بل واجب وبالمناسبة شهد مؤتمر ناوبردان  وقبل أربعين عاما وفي أوج الدور الحزبي بالقضية الكردية السورية حضورا بارزا وطاغيا  للمستقلين في حين ورغم التبدلات العميقة في مجتمعنا وساحتنا وفي ظروف انتفاضة الشباب اللاحزبيين نشهد أن المؤتمر الأخير يقصي الجميع ويعزز المواقع الحزبية الفاشلة والعاجزة.

     
رسالة التهنئة هذه لم تتضمن مثلا توجيه الشعب الكردي في سوريا للالتفاف حول هذا المؤتمر أو الانخراط فيه بل دعا المؤتمرين بكل وضوح الى اعطاء ” الأولوية والاعتبار الأسمى لمسألة وحدة الصف الكردي والالتفاف حول برنامج واحد واضح يعكس أحقية القضية الكردية ومشروعية حقوق الشعب الكردي في سوريا ..

” وهذا مانصبوا اليه جميعا وهذا ما يدعو اليه من لم يشترك بذلك المؤتمر من تنسيقيات الشباب وغالبية المستقلين والقسم الأعظم من المثقفين ونحو ستة أحزاب وتنظيمات.
الرسالة التي وجهها الزعيم مسعود بارزاني رئيس الاقليم تتميز بتوجيه النصائح الى المؤتمرين وتكاد تشترط عليهم تنفيذ مهام قومية ووطنية لبلوغ تحقيق أماني الكرد ” والنجاح والتوصل إلى غايات وأسس عمل ثابتة تخدم قضية وحقوق وتطلعات الشعب الكردي في كردستان سوريا ” .
رسالة الرئيس بارزاني تشدد في جميع مقاطعها على اعطاء ” الأولوية والاعتبار الأسمى لمسألة وحدة الصف الكردي والالتفاف حول برنامج واحد واضح يعكس أحقية القضية الكردية ومشروعية حقوق الشعب الكردي في سوريا ” وهذا ما نجده في مواقف واطروحات الأطراف التي لم تشارك مؤتمر عدد من الأحزاب ومانقرأه يوميا في مقالات مثقفينا  .
يدعو السيد رئيس اقليم كردستان العراق المؤتمرين الى ” خدمة تطلعات الشعب الكردي في كردستان سوريا ” في حين نرى أن غالبية الأحزاب المشاركة في المؤتمر وخاصة المشرفة عليه لاتستخدم صيغة كردستان سوريا بل تراها تعجيزية ومتطرفة ومرفوضة أما من قاطع هذا المؤتمر بجميع التنسيقيات والمنظمات والفئات المستقلة والمثقفين والمرأة والشخصيات الوطنية فهم بلااستثناء ينطلقون في نضالهم ومطالبهم من كون الكرد وكقومية رئيسية يقيمون على أرضهم كجزء من جغرافية كردستان التاريخية .

لكل هذه الأسباب نشكر السيد الرئيس مسعود بارزاني على موقفه المسؤول تجاه أشقائه كرد سوريا المعلن في رسالته كما شكرناه قبل مدة على رفضه اللقاء مع وزير خارجية نظام الاستبداد في دمشق ونؤكد له أن مقاطعي هذا المؤتمر يتفقون مع مضمون رسالته ويواصلون النضال بقيادة شبابنا الثائرين مصدر الشرعيتين القومية والوطنية وجنبا الى جنب فصائل الثورة السورية والقوى الوطنية والديموقراطية من أجل اسقاط نظام الاستبداد بكل تشكيلاته ومؤسساته والمساهمة الكردية الفاعلة مع الشركاء العرب ومن القوميات والمكونات الأخرى في اعادة بناء الدولة السورية الديموقراطية التعددية التي ستضمن الحقوق الكردية المشروعة حسب ارادة شعب كردستان سوريا ونأمل من الأشقاء في كل مكان أن يتفهموا الحالة السورية الثورية الراهنة وقرب سقوط النظام وأن يعلموا خصوصية الساحة الكردية السورية وظهور قوى مناضلة جديدة من الجيل الناشىء الذي يقود الانتفاضة وتراجع دور غالبية الأحزاب لعجزها وفشلها في العقود السابقة بل ارتباط بعضها بسياسة دوائر السلطة وتاليا فان تلك الأحزاب لم تعد تمثل الشرعية القومية مهما عقدت من مؤتمرات أو طرحت من مشاريع لأن الوقت قد فات.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…