السؤال: هل هي ضربة معلم من النظام أم تعبير عن أزمة وشعور بأن الأمور تنفلت من يديه خصوصاً بعد تصاعد واتساع رقعة التظاهرات المناوئة، بعد أن حاول إعلام النظام أو الإعلام القريب منه ” اللبناني تحديداً” بأن الأمور خلصت، أو “الأحداث صارت وراءنا”، وغيرها من التطمينات والتوصيفات التي افتقرت الدقة، وتجلت بوادر الأزمة نحو المزيد من التأزم مع قيام ” الجيش السوري الحر” بعمليات اُعْتُبرت نوعية ومؤلمة لبعض قوى الأمن وغيرها، وتوعّد هذا الجيش بالقيام بالمزيد من العمليات العسكرية طالما أن المتظاهرين يقتلون في الشوارع- بحسب بيان منسوب لهم-.
ضربة المعلم هي إحراج واضح للمعارضة السورية التي وقعت بين كفي كماشة فإن وافقت على الحوار مع النظام تخسر الشارع المنتفض بحسب قولها، وإن لم توافق على الحوار ستبدو بالنسبة للجامعة والمجتمع الدولي بأن النظام يقوم بخطوات من شأنها إيقاف النزيف في سوريا، والمعارضة تضع العصي في عجلات عربة الحل النهائي في البلد، ومن الطبيعي أن تتلقى الجامعة العربية هذه الرسالة من المعارضة باستياء وانزعاج وخصوصاً أن المعارضة” المجلس الوطني السوري” كانت تتأمل تجميد عضوية سوريا، والاعتراف بالمجلس، بعد رفع سقف المطالبات من الإصلاحات والقرارات الإدارية إلى إسقاط النظام.
وضربة المعلم الثانية هي الرغبة بإعادة إنتاج النظام عبر إعادة البريق إليه بعد حصار دولي وإقليمي خانق، وتوجيه رسائل تطمين لروسيا والصين وعدم إحراجهما في مجلس الأمن وضمان دوام “فيتوهما” الجاهز في وجه الاتحاد الأوروبي وأمريكا في مجلس الأمن ،مما يفتح المجال لتدويل الموضوعة السورية، وإعادة صياغة ليبيا جديدة مكلفة من كل النواحي سورياً، وفتح المنطقة والإقليم أمام تدخلات خارجية وتموضعات خارطية جديدة، ودخول المنطقة في نفق مظلم قد لا تخرج منه سريعاً.
وضربة المعلم الثالثة هي ازدياد حدة التوتر بين صفوف معارضة الداخل” الوطني” والخارج” اللا وطني” بحسب توصيفات إعلامه، وهذا ما تبدى سلفاً ومباشرة حينما رحبت الهيئة الوطنية
لقوى التغيير الديمقراطي في سوريا على لسان منسّقها العام مؤكداً أن” الهيئة ترحب بالاتفاق وتعتبره خطوة مفيدة للانتقال إلى الخطوة الثانية وهي العملية السلمية” في حين أن المجلس الوطني رفض الحوار مع النظام داعياً إلى تجميد عضويته، واعتبر ورقة الجامعة طوق نجاة للنظام، لا حلاً للمشكلة في سوريا، وذلك بعد توسع خارطة الدماء في معظم أنحاء سوريا وصعوبة الحل في ضوء الإبقاء على النظام معتبراً أن التفاوض الوحيد هو على نقل السلطة، وليس أي تفاوض آخر، ورأى أن النظام يكسب الوقت للإيغال في حله الأمني والوحيد.
وثمة طيفٌ يقول إنه معارضة وطنية وصفَ كلَّ من لم يستجب لورقة الجامعة “معارضة لا وطنية” وكأن الحقَّ كلَّ الحقِّ معه، والباطلَ كلَّ الباطلِ مع غيره، رغم أن الجامعة في النهاية لم تستشر أحداً لا معارضة الداخل ولا معارضة الخارج ولا غيرهما بخصوص حلّ الأزمة الوطنية العويصة في سوريا.
وأياً تكن الضربات، المهم أن تتوقف الدماء السورية عن السيلان، وسعادة الوزراء والجامعة بحسب وزير الخارجية القطري ورئيس حكومتها ستكون أكثر إن كان هناك تطبيق جدي لبنود الورقة وخصوصاً وقف العنف وأعمال القتل وإطلاق المعتقلين.
ويبقى التساؤل الأخير: هل سيتحدى النظام ” مع ذاته أولاً” ومع المعارضة ثانياً، ويعيد الجيش إلى ثكناته والدبابات والمدفعية إلى رحباتها، ويرخي قبضة الأمن ومظاهر التسلّح في الشوارع، ويدعْ المتظاهرين ” المعارضين” يتظاهرون كما حال المسيرات”المليونية” دون أن ” يتحركش” بهم أحد، وتصطبغ ثيابهم باللون الأحمر القاني والقاتل في آن؟!
هذه فرصة النظام، وفرصة مؤيديه” المليونيين” ليكشف ” زيف ادعاءات” المعارضة التي تقول دائماً” اخلوا الساحات والشوارع من الجيش، وسترون زخم مظاهراتنا وقوتنا، سنسيّر نحن أيضاً مسيرات مليونية مثل مسيرات النظام، و” وكذا”
هذه فرصة النظام الذهبية ” ليعرّي” كل تخرصات المعارضة، و” ادعاءاتها الكاذبة” ليسمح للإعلام الحر والمقيّد، الإعلام المؤيد والمغرض مثل معظم القنوات الفضائية” السوداء” بتوصيف النظام، وعلى رأسها الجزيرة والعربية، ليقف هذا الإعلام على حقيقة وقوة المعارضة والمتظاهرين، ويكون الحكم للمشاهدين هنا في حزن البلد، وهناك خارج البلد، ويقرر العالم أيّ فريق غلب الآخر؟؟ فريق الموالاة أم فريق المعارضة؟؟ لكن يا وجع قلبي!!
هل سيخرج أحد الفريقين “الوطنيين” فائزاً؟ مع كلِّ هذا الدم السُّوري”الرَّخيص” الكلُّ خاسرٌ!!