الأكراد وصلاح الدين

محي الدين عيسو
mehydin@hotmail.com

التاريخ الكردي منذ الأزل يعج بالكثيرين من الأبطال والذين دافعوا عن ما هو مقدس بالنسبة لنا وبالنسبة لهم وقدموا أرواحهم في سبيل تحقيق الهدف المبتغى، ونالوا بناء على ما قدموه الكثير من الشهرة وبقوا خالدين في وجدان وعقول الناس وبقوا خارج أسوار النقد، فعندما يفتخر أي مواطن كردي بقوميته الكردية ويعتز بماضيه المجيد يردد مقولة نحن أحفاد صلاح الدين الأيوبي، وعندما يود أي كاتب أو مثقف كردي بالرد على خصمه (بالمعنى السياسي) العربي يقول نحن أحفاد صلاح الدين وحينما يبدي أي عربي إعجابه بالقومية الكردية ويمدحها سواء كان مقتنعاً أم غير مقتنع بها يقول أنتم أحفاد صلاح الدين

فهل نحن بحق أحفاد صلاح الدين؟ وهل يفتخر الأكراد حقاً بهذا النسب؟ وأخيراً هل قدم صلاح الدين شياً للقومية الكردية حتى نعتز بأننا أحفاده ؟
في القرن الثاني عشر أسس صلاح الدين الدولة الأيوبية في سوريا .امتدت هذه الدولة إلى شرق وغرب كردستان وخراسان ومصر واليمن، وقد قسم صلاح الدين مملكته على أولاده وأخوته الـ 17 ولم يفكر ولو بتأسيس إمارة كردية صغيرة، وصلاح الدين الذي عاش هم الحضارة الإسلامية كلها ونسي كرديته لم يفكر ولو للحظة واحدة بهم الدولة الكردية وهموم الأكراد المنقسمين في أصقاع الأرض فقد كان كريات دم صلاح الدين كرديا ولكنه حارب بسيف عربي وجيش معظمه من الأكراد ولكن برؤية إسلامية فهل رفع صلاح الدين الراية الكردية في حروبه ؟؟هل كان يقول أنا كردي؟؟ هل دعى إلى تأسيس دولة كردية حتى يعتز الكردي بأنه حفيد لشخص ربما لم يتكلم الكردية أبداً ؟بالنسبة لنا فنحن الكرد لا ننظر إليه بالمعنى الشوفيني، فنحن بالتأكيد نعتبر صلاح الدين شخصية تاريخية كردية مهمة، ووجودها يؤكد للصديق قبل العدو بأن شعبا يسمى الشعب الكردي يعيش في كردستان، وليس كما يدعي الشوفينيون العرب بكون الكرد ضيوفاً ولكن الخطأ الأكبر الذي وقع فيه صلاح الدين هو أنه لم يؤسس دولة كردية كما فعلها مصطفى كمال أتاتورك للأتراك في نهاية انهيار الإمبراطورية العثمانية وتأسيس جمهورية تركيا، وهذا هو النقد الجوهري بالنسبة لنا لصلاح الدين الأيوبي ولمقولة بأننا أحفاده.
صلاح الدين الذي حرر القدس سنة (1188 ) على رأس جيش إسلامي وطرد الصليبيين منها ماذا قدم للقومية الكردية حتى نفتخر بأننا أحفاده، كما أن هذه المقولة توقف التاريخ الكردي لحظة ولادة صلاح الدين الأيوبي وكأن تاريخ الأكراد يبدأ منذ ذاك الوقت ولم يسبقه أحد من تحقيق الانجازات فنحن أحفاد أول إنسان كردي ولد على المعمورة ونطق أول حرف كردي ودافع عن قوميته الكردية بلسانه قبل سيفه، فالتاريخ الكردي لم يبدأ بولادة صلاح الدين الذي أنطلق من جنوب كردستان وأفرغها من القادة العسكريين والسياسيين والذي انعكس سلباً عليها فيما بعد كما أن هذه المقولة تأتي لتعبر عن الضعف الكردي والتشتت الكردي ومحاولة إبراز الذات وكسب ود وعطف وحنان الآخر الذي يكيل الاتهامات لكل من يحاول جاهدا تحقيق الحلم الكردي .
إن مقولة أحفاد صلاح الدين تأتي في سياق ما قدمه صلاح الدين للدين الإسلامي وما قدمه للأخوة العرب من انجازات ولكن هذه المقولة تفقد مصداقيتها عندما نعلم بأن جميع الأكراد ليسوا مسلمين فهناك أكراد مسيحيين وأكراد يزيديين اعتنقوا الديانة الزردشتية عندما كان لها الذيوع في فارس وغيرهم الكثير الذين لم يعتنقوا الدين الإسلامي فهؤلاء لم ولن يكونوا أحفاد صلاح الدين لأنه ببساطة لم يقدم لهم شيئاً لا لدينهم ولا لدنياهم .
نحن لسنا أحفاد صلاح الدين بل صلاح الدين أحد أبناء الأمة الكردية التي أنجبنه وهي قادرة على أنجاب المئات من أمثاله لكن بعقلية أخرى، بعقلية التفكير بمصير أبناء جلدته الذين ينقسمون على دول تتقاسم كردستان بحدودها البرية والبحرية وخيراتها وجبالها وثرواتها وليس بعقلية صلاح الدين الذي جاء في ظل دولة عباسية ميتة، فأضاف إلى دول الخلافة دولة جديدة، وجثة جديدة إلى الجثث الموجودة، وورث الملك لأولاده وإخوته، كما يفعل حكام العالم العربي اليوم بتوريث الملك لأولاد يحكمون بالنسب أكثر من المهارة السياسية كما يعبر عن ذلك الكاتب خالص جلبي
صلاح الدين الذي حارب تحت راية الإسلام وحقق لها الكثير بكريات دم كردية لم يحقق شيئاً لكرديته لم يفكر ولو للحظة واحدة بأن أبناء جلدته سيتجاوزون الأربعين مليوناً في بدايات القرن الواحد والعشرين دون أن يملكوا شبراً واحداً من أراضيهم التاريخية وأن دهوك وأربيل والسليمانية وكركوك وديار بكر ومهاباد والقامشلي وغيرها ستكون للغير وبأن راية العقلية الإسلاموية ستكون المأساة الكردية من خلال آلاف المجازر والمقابر الجماعية في كل من العراق تركيا وإيران الإسلامية
أعود واكرر بأنه ليس من باب الشوفينية والرؤية من الزاوية القومية الضيقة طرح هذا الموضوع عن صلاح الدين وأن الأكراد في الوقت الحالي لا يطالبون بدولة مستقلة على أراضيهم التاريخية فقط لأن الظروف الدولية غير مهيئة لذلك ففي سوريا الأكراد يطالبون بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي والاعتراف الدستوري بوجودهم كثاني أكبر قومية في البلاد في إطار وحدة البلاد وفي تركيا يسعون إلى الاعتراف بهم كشعب يقيمون على أراضيهم التاريخية كما أخوانهم في سوريا وفي العراق الفيدرالية هي غايتهم على الرغم من قدرتهم على الانفصال وفي إيران يطالبون بحقوقهم السياسية والثقافية في إطار الوحدة الإيرانية وهذا يعني بأن الأكراد في جميع الدول التي تتقاسم كردستان لا يسعون إلى الانفصال لا بل يسعون إلى العيش المشترك مع أخوتهم وجيرانهم التاريخيين ولكن صلاح الدين لم يقدم لهم شيئاً عبر تاريخه الحافل بالانجازات والانتصارات .
وأخيراً وليس للمقارنة سؤال برسم المثقفين الأكراد وبرسم من يقول نحن أحفاد صلاح الدين هل سيفتخر الأكراد بعد ألف عام من الآن ويقولون نحن أحفاد محمد سعيد رمضان البوطي ؟! الذي قدم للإسلام الكثير عبر قلمه وفكره لكنه وضع قوميته تحت قدميه ؟ سؤال برسم الإجابة

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…