مؤتمر وطنـي أم إجتماع أحزاب ؟! (رؤية نقدية )

 د.إسماعيل حصاف

 ولد المؤتمر الكردي للأحزاب التسعة ميتا في مهده ، لعل لقطات الكاميرا للصور الشفافة قد  تكون الشئ الوحيد التي تخزنها الذاكرة الكردية عن المؤتمر إلى حين ، لأنه لم يستجب للتطلعات القومية التي طالما إنتظرتها القوى السياسية والشعبية الكردية مطولا .

هذا المؤتمركان يمكن ان يتحول إلى أداة طليعية ثورية  فاعلة لو خضعت للرغبات الحقيقية للشعب الكردي بمجموع أحزابه وتياراته وشخصياته ، لكن ماجرى في حقيقة الأمر، هو أن هذا التظاهر الحزبي المنعقد تحت إسم المؤتمر الوطني الكردي ، أهمش الطرف الراديكالي الثوري في الحركة السياسية الكردية المتفاعل مع المتغيرات الجارية في العالم العربي وسوريا ، مستقصيا مجموعة أحزاب كردية وتنسيقيات الشباب الفاعل كممثل عن الحراك الشعبي الحقيقي ، وسيطرة النهج الكلاسيكي اليميني المنهزم الذي أثبت فشله وعدم قدرته على توفير مستلزمات النضال القومي التحرري في الحركة السياسية الكردية في غرب كردستان .

لم يتوفق منظموا المؤتمر في إختيار توقيت هذا الإجتماع ، الذي إنعقد في ظروف وأجواء إستثنائية تمر بها البلاد من قتل وإعتقالات ومطاردات  يومية ، والسؤال الذي يطرحه المتابعون للشأن العام الكردي والسوري، هو: هل يمكن في الوقت الراهن عقد أي إجتماع دون موافقة  وإرضاء الجهات الأمنية وخارج  إطار دائرتها المرسومة بخطوط حمراء مشددة ، إلا إذا صبت النتائج في طاحونة النظام ؟ .

إنني هنا لست بصدد توجيه الإتهام إلى أشخاص معينين في الحركة السياسية الكردية التي تحتضن بالتأكيد في صفوفها مناضلون حقيقيون أشداء  ، وإنما أعرض اللوحة السياسية بشكلها الواقعي الموجود .


إن ماجرى هو إجتماع لمجموعة (الأحزاب الكردية التسعة) ، ولايمكن بشكل من الأشكال  لا أكاديميا  ولا قانونيا ولا سياسيا إعتباره مؤتمرا قوميا أوطنيا ، لأنه أقصي عنه وعن سبق إصرار، تيارات فاعلة في الحراك المجتعي السياسي الكردي بكردستان سوريا ، وبالتالي لايمكن نعته “بالوطني ” مادام لم يلملم الحد الأدنى من القوى الحقيقية الموجودة والفعالة في الخارطة السياسية الكردية في البلاد من تنسيقيات وأحزاب خارج الطيف ومن الحراك الشعبي .


أليس مدهشا ، أن ينهي هكذا مؤتمر عمله في ليلة واحدة ، وهل من الممكن  فعليا مناقشة أعمال عظيمة تتعلق بمستقبل ومصير الشعب الكردي في سويعات قليلة ، وماذا عن الإستراتيجية  المستقبلية للحركة الكردية ، وهل نوقش بالأصل هكذا موضوع ؟.

أسئلة عديدة من حق المواطن الكردي طرحه أمام الملأ .

وماذا عن المطلب الكردي ، فقد جاء البيان الختامي الهش فضفاضا ، تطرق إلى الحقوق الكردية بأشكال مختلفة ، من حق تقرير المصير والحكم الذاتي والفيدرالية واللامركزية ، وهذه كلها مصطلحات تعودنا عليها ، وتبقى مفاهيم مجردة مادام المجتمعون لم يلتفوا حول شعار واحد  وهدف محدد يتمسكون به مطلبا  ويقدمونه كبرنامج عمل إستراتيجي ومشروع قومي متكامل حول الشكل النهائي لحل القضية الكردية في إطار شراكة القوميتين الرئيسيتين الكرد والعرب ، وعند قراءة البيان يتراءى مباشرة أن تعدد الطروحات تدل على وجود خلافات جادة داخل المؤتمر ، بين فئات قد تنتمي إلى مدارس مختلفة في العمل السياسي للكردايتي نهجا وممارسة وخلفية .


وإذا كان بالفعل ، مؤتمرا وطنيا جامعا، إنبثق عنه هيئة تنفيذية ، لماذا لم يتم إختيار القائد – الضرورة في المرحلة الراهنة ، ليكون رمزا جامعا وموحدا يجمع في فلكه الجميع كما يحصل عادة في هكذا مؤتمرات ، لأن السفينة بحاجة إلى ربان يقودها إلى شاطئ الأمان!.

 ومن ثم لماذا لم يطرح قبيل إنعقاد المؤتمروبفترة كافية مشروع برنامج متكامل  لمناقشته وإبداء الرأي فيه من قبل التكنوقراط ورجالات القانون والأكاديميين والساسة الكرد ، بدلا من الإستعجال في إنعقاده وقبل أن يستكمل مستلزماته ، مما يثير تساؤلات حول شكل وتوقيت إنعقاده والنتائج الهشة المتخمضة عنه .

إضافة إلى ذلك هناك مآخذ على موقف المؤتمرين من النظام ومستقبله ، إذ جاء مبطنا ، غامضا ومؤولا ، مما يخلق شرخا في الحراك السياسي الكردي من جهة  وبينهم وبين الحراك الشعبي  السوري بشكل عام، تترك آثارا بالغة مستقبلية في فترة مابعد النظام .

كان بالفعل ، بإمكان هذا المؤتمر أن يصبح  ناطقا بإسم الحركة الكردية في كردستان سورية  لو دعي إليه جميع الفصائل الموجودة وتغليب المصلحة القومية – الكردايتي فوق الإعتبارات الحزبية الإنتكاسية التي باتت مرفوضة في الوسط السياسي .

لكن سرعة إنعقاد المؤتمر وأجوائه التنافرية  اللاتوافقية وقراراته تشير أن هذا المؤتمر كان فاشلا بجميع مقاييسه وغير مؤهل بشكله هذا في قيادة حركة التحرر الكردية في غرب كردستان ولابد من الأخوة مراجعة الذات والعمل من أجل عقد مؤتمر حقيقي واسع يلبي طموح وأهداف الحركة برمتها ، وفق شروط جديدة بعد التخلص من عقدة الفيتو لطرف على آخر وصولا إلى رسم خط إستراتيجي  خدمة للشعب والقضية .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…