كمثقف كردي يعي أن التعصب يصل بصاحبه إلى بهيم الليل ، أزعم أن فلسطين بحضورها المكثف في ساحة التداول كردياً كانت ولاتزال تحت فسحة لائقة ليس في قلبي بل في وجدان عموم أبناء الشعب الكردي ، وفي هذه الساحة على وجه التحديد .
والكرد في انحيازهم للموضوع الفلسطيني لم يحملوا هماَ ليشهروا ورقة في وجهها مفادها : نحن نمن عليها ، ولنا في رقبتها فضل هذا الانحياز ، بل عاشت فلسطين في وجداننا وكياننا ردحاً طويلاً من الزمن ، حملناها على ظهورنا ، ودفعنا فاتورة الأخوة الفلسطينية – الكردية دماء شهدائنا على روابيها، ويضيق المجال عن ذكر الكثير من الكرد الذين انخرطوا في صفوف التنظيمات الفلسطينية ، ورغم أن وشائج قد ارتخت في وقت عصيب على الكرد ، حيث كانوا أحوج ما يكونون إلى مناصرة إخوتهم في النضال والجرح .
فقد انشطرت قلوبهم وانفطرت وهم يسدون آذانهم لكيلا يسمعوا ضجيج القبلات وهي تنهال على خد صدام حسين تهنئه “بنصره المبين على الكرد في حلبجة” الشهيدة .
لكن بالمقابل لم يوفر العديد من مثقفي فلسطين جهداً في مناصرة الكرد ، ودعمهم معنوياً والتحيز لصالح حقوقهم المشروعة ومطالبهم الممكنة .
وعندما أخصص اسماً من مستوى وقامة الأستاذ القدير “جورج كتن ” لايعني هذا أنني أمغط دور المثقفين الآخرين ، وهل ينسى الكرد شاعر فلسطين العظيم محمود درويش الذي تغنى بالكرد في العديد من نصوصه الشعرية “مأساة النرجس – ملهاة الفضة – بيروت – ليس للكردي إلا الريح ..الخ ..”
على الصعيد الشخصي لا أعرف الأستاذ”كتن” ولم التقِِ به ، بيد أنه بلا شك اسم لامع في مجال الكتابة السياسية والتحليل السياسي المعمق .
لقد قرأت للأستاذ جورج مقالات عديدة أضاءت لي قلبي وقلمي كثيراً سواء المنشورة في الصحافة الكردية الحزبية أو المنشورة في الصحافة الالكترونية .
وتحديداً المواقع الكردية .
الأستاذ جورج في كتاباته عن الشأن الكردي والقضية الكردية يضع يده على ضميره ويخلص لقلمه أيما إخلاص غير عابئ وخائف من لومة لائم لا يبغي الخير لهذه الأرومات والإثنيات التي تتعايش مع بعضها على مر التاريخ .
هدفه السباحة في مرافئ الحقيقة رغم أن الشط أحياناً يخفي بعض الموج “الغليظ” ، وكلما أقرأ له بحثاً أو مقالة في هذا السياق أزداد قناعة بأن فلسطين لابد يوماً ستفرح وإن طال السفر ويغتبط قلبي من فرط الحبور ، وأزيح طيور اليأس والنظر إلى وشاح اللوحة الأسود بعيون الأمل أن : هذه الدنيا مازالت بخير ، وإن ثمة من يناصر هذه القضية مجاناً دون أن ينتظر دوره في طابور المطبلين الذين باعوا شرف القضية وقلمهم للشيطان من أجل عدة كوبونات من نفط بلاد الرافدين الذي كاد أن ينضب لكثرة ما وهب من رشاوى وشراء ذمم لعديمي الضمير .
لقد تبدى لي قلم كاتبنا الأستاذ جورج على مستوى عال من المنطق والنطق بالحقيقة ، وعدم السكوت عنها لأي سبب في مقالاته الموضوعية الكثيرة ، ولعل مقالة “حتى لاتتكرر أحداث القامشلي” مثال حي على ما أذهب إليه ، ومثلما قال بالفعل لم تذهب الجماهير إلى ملعب القامشلي من أجل غايات مخبوءة بعكس جماهير الفتوة التي هتفت بحياة صدام ، ورفعت صوره، وشتمت رموز الكرد أمام الجهات المسؤولة ، ومازاد في الأمر سوءاً عدم الحكمة في التعامل مع هكذا أحداث من قبل عناصر حفظ النظام التي أطلقت الرصاص الحي على الجماهير الكردية ، وسقط شهداء ،وانفجر الحدث من عين ديوار إلى زورآفا .
لا أحبذ سرد تفاصيل ما جاء في المقالة القيمة وأنا أوردتها كمثال ضمن سلسلة مقالاته في تسليط الضوء على الموضوع الكردي ، وأنا أوافقه بأن ” الحركة الكردية ملزمة باستمرار التمسك بالعمل السلمي والعلني ، ونبذ كل أشكال العنف ،ومنع اندلاعه لأي سبب كان ..”
صفوة القول:
إن الموضوع الكردي يشكل حيزاً من الاهتمام الدولي والإقليمي ، ولابد للمثقف العربي ألا يدير ظهره على هذا الموضوع .
لأننا شركاء في الوطن الواحد ، وهذه الشراكة تفرض عليهم أن يقولوا الحق من غير وجل ، والدائرة التي رمى ،ومازال يتابع أستاذنا جورج قلمه في عمقها لعلها تلد دوائر أكبر ، وتطيح ببنيان الخوف الذي بأيدينا نشيده ، ولعلنا نتحرر من ثقافة الخوف المقيتة والمدانة حتى تأذن القصيدة لعاشقها أن يرسمها بحبره الأبيض …الأبيض .
دمشق
emerkoceri@gmail.com