لم أستغرب قط التصريح الذي أدلى به الأخ د.برهان غليون في الحوار الذي أجرته معه “دويتشه فيله”، وذلك عندما راح يتحدث عن الهوية العربية لسوريا، بل وبلغ به التجاهل، بحقوق أحد المكونات السورية الرئيسة، وهم الكرد، لدرجة أن شبَّههم بمهاجري فرنسا.
حقيقة، استغربت مدى إنكار حقوق الآخرين من قبل د.غليون وهو الذي كان يفرض عليه أن يكون-واستجابة لمصلحته التي يهرول إليها- حاضناً لمختلف الرؤى الموجودة في المجلس الوطني، حيث الإسلامي، والعلماني، والقومي العربي، والقومي الكردي، والقومي الآثوري، والأممي،
لقد كانت مفاجأتي الأولى ب د.
غليون عندما قرأ كلمته -المجونة- في جلسة الإعلان عن المجلس،منقلباً على ما كان متفقاً عليه، في ما يتعلق بحقوق المكونات السورية الأخرى، وقد علمت عنه -في ماقبل- أنه لم يدع الممثلين الكرد في القائمة التي أصدرها بعضهم، واقترحوه رئيساً لذلك المجلس، وليتخلى عن القائمة -فوراً- إثر صفقة تالية، بعد أن راودته أحلام الرئاسة، وبات يتصرف وكأنه الرئيس المنتظر، مستنسخاً آليات الاستبداد في تقديم الذات، من دون أن يعلم أننا أمام أخطر مهمة وطنية على الإطلاق، في تاريخ بلدنا الحبيب سوريا.
لا أريد أن أسترسل في توصيفي لوجود د.غليون في المجلس الوطني، ولا أن أستزيد في تناول ما بدا لنا من هنّات في آليات عمل الرجل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ظل استمرار آلة القتل، وإن أي تباطؤ في الحركة، ليعني أننا أيضاً لنعطي النظام الدموي مهلة قتل الأهلين -وفي مقدم ذلك مدينته حمص الباسلة- لاسيما وأن هناك أجواء مناسبة متوافرة له، بعكس كثيرين، من أعضاء المجلس الذين تشكل أجور نقلهم -ولو لمرة واحدة كل شهرين- لحضور الاجتماعات،عبئاً ثقيلاً على ميزانياتهم الشخصية، في حدود تجربتي، ومعرفتي الشخصية.
إن حماس د.برهان غليون في إثبات الهوية العربية لسوريا، وهو الأكاديمي الذي ينبغي عليه ألا يجهل أن خريطة سوريا، قد تشكلت نتيجة مخطط سايكس بيكو 1916، كسواها من دول المنطقة، ولم تكن هناك في التاريخ “سوريا” ضمن مثل هذه الحدود، بل إن التاريخ ليشهد وجود خريطة كردستان الكبرى التي توزعت في خرائط أربع دول – وثمة جزء منها ألحق بسوريا- ويبدو أن من الدروس الأولى التي تلقاها د.غليون هي أن يعلن حراسته للمشروع السايكسبيكوي القديم، ناهيك عن ضرورة إرضاء بعض الدول الإقليمية، لاسيما تركيا، كأحد الشروط في أن يتم فرضه على المجلس الوطني، وأن يكون عرض هذه الصفقة عليه، وهو محدود الإمكانات-كسياسي وكمعارض حقيقي-مرهوناً بأداء الأدوار المطلوبة منه، وهذا ما يجعلنا أن نسأل الضمير الأكاديمي لديه، قبل الضمير الإنساني، والوطني، وهو يعرف في قرارته أن مهاجري فرنسا جاؤوا في وقت سابق كجزائريين، أو مغاربة، بشكل عام، بالإضافة إلى غيرهم، بعد أن كانت بلدانهم محتلة، إما من قبل فرنسا، أو غيرها، وإن بعضهم قد جاء قبل مجرد عقود أو سنوات، لأسباب تتعلق بالحريات أو المعيشة، وهو ما لا يمكن تشبيهه بوجود الكرد في سوريا*، كما أن د.غليون لو كلف نفسه -قليلاً- لكان قد علم أن تسمية سوريا بالعربية، جاء في فترة صعود المدِّ الشوفيني، وتم ذلك تحت وطأة الاستبداد الدموي، لفرض مجرد هوية واحدة، على حساب سواها من الهويات الأخرى، ثم أن الدعوة إلى العودة إلى علم الاستقلال، لتعني قبل كل شيء العودة إلى فضاء ذلك العلم السوري، حيث كان العلم مرافقاً لتسمية الجمهورية السورية.
ناهيك عن أن الدكتاتور بشار الأسد كان قد رأى الكرد جزءاً من النسيج الوطني، بينما يرى أخونا د.
غليون الكرد ضيوفاً مهاجرين على مائدته، وهو المطالب الآن، بالخروج إلى أبناء الشعب السوري، وتقديم خطاب مفتوح إليه، وقد كتبت شخصياً رسالة بذلك، إليه وآخرين، ممن يتم تقديمهم -خفية- للصف الأول في المجلس، من دون علم أحد.
وبصراحة، لم أكن لأريد خوض أي نقاش في ما يتعلق ب”المجلس الوطني” في هذا الوقت -تحديداً- لأننا أحوج إلى لمّ الشمل، وتركيز الجهود من أجل إسقاط النظام الدموي، إلا أن من كتب عن بشار الأسد في عام2002، إثر قوله:”إن تأسيس دولة كردية خط أحمر..!”، وهو في بلده، لا خارجه،لابد أن يقول للسيد د.غليون، وكل من يريد إرضاءهم بالصوت نفسه، وبالنبرة نفسها:لا، في انتظار أن يقدم اعتذاره فوراً، من مواطنيه الكرد الذين أسهموا في صناعة استقلال سوريا، وهم يعيشون فوق ترابهم التاريخي، قرناً بعد قرن، وتعرضوا لسياسات محو الوجود القومي التي يتنطع د.غليون ليكون امتداداً لها، والتي لن تتكرر في سوريا-المستقبل- البتة، ولا يقبل أحد أن يستبدل دكتاتوراً بدكتاتور، وإلا فإنني وكعضو في المجلس لن أرى أي حامل لمثل هذه الرؤى جديراً بأن يحمل أمانة الوطن التعددي، التشاركي، ولن يكون حريصاً على أرض سوريا، وبشرها، وسمائها، ومستقبل أطفالها…..أياً كان….!.